العرضحالجي …(3) تحليل فلسفي لعلاقة الأدب بالسياسة

خاص- ثقافات

*أحمد الحسين التهامي

 (4):

هل الادب ان جاز الان دور التجريد هو كل تلك الحالات الواقعية المعروضة باقتدار وتمكن؟! سيكون علينا -للحصول على شي من الرضا -ان نبذل جهدا اخر مضاعفا لتفسير كل كلمة تقريبا فما الذي يعنيه الاقتدار والتمكن ؟! وما الذي يعنيه الواقع ؟!  وسنضطر عملا بتقنية البحث الفلسفي التقليدي الى اعتبار وجود معنى عام مفهوم لدى اغلب مستخدمي اللغة التي نكتب بها دون تعمق في الفحص حتى لا ننجر الى فحص جديد مختلف؛  ام هل ان الادب هو هذه الرغبة المجنونة في تحرير الذات القارئة من كل التزام ايا كان؟!بما في ذلك طبعا التزام الواقعية نفسه ؟! فعلى أي جانبيك تميل ؟!……….

الحقيقة بالنسبة لي ان مراودة الوقائع عن نفسها بغية كشف سترها الشفاف امر ممتع  ولا شك؛ كما ان اطلاق الاسير من محبسه امر قيم ولا شك… ؛ ولكن… وجب هنا ان نعاود تحديد المسالة حتى لا يحدث خلط؛ فالواقعية يقصد بها الانطلاق من الواقع؛ وليس الالتزام الكامل به! وهنا نلفت النظر ان مراقبة ما ستكون واجبة لحظة كتابة النص هذه الرقابة قد يعتبرها بعض الكتاب خضوعا للرأي العام او نزولا الى مستوى قارئ ضعيف وربما حتى امي تماما !! ولكن الرغبة الجامحة في ممارسة التأثير السياسي هي بالضبط ما يقود الى اشتراط هذه الشروط الزائدة لحظة الكتابة ؛ وهذا الحلم تنحني عنده قامات الكثير ممن يدعون انهم مستقلون تماما ولا يمارس القارئ أي تأثير عليهم! اما كيف يجمعون بين المتناقضات فذلك سؤال نتركه لهم؛ فالفائدة العملية للأدب لا يمكن مطاردتها حال الانتهاء من كتابة النص؛ بل  يجب ترقبها هناك ……على حدود المستقبل.

                                                 (5):

سؤال الارتباط بالواقع يقودنا الى فحص جهة الواقع ؛ أي جهة الادب اليوم وإن عبر واقع افتراضي لتسهيل المراجعة ؛ وذلك يقضي ان يجري كل منا التجربة التالية : اكتب كلمة صفحة ادبية في محرك البحث غوغل وانظر بماذا تخرج……!

بالنسبة لي خرجت بملاحظة اولى مفادها ان الادب كأي موضوع  عام اخر لا اثر لأي تعريف له إلا نادرا…….؛ لذا سوف يكون علينا ان نضطر لتحليل الاستخدام والممارسة حتى نفهم ماذا يعني (ادب) في مثل هذه العينات المقتطعة؛ وسوف نجد التالي:

  1. الادب هو كلام حلو بحسب تعبير صفحة سودانية.

  2. الادب هو جملة من التشبيهات الكثيفة المكررة

(مثال: يداعب وجه الليل بمعطف الدف)

3.التقاط زوايا جديدة في سلوك يومي عادي

(مثال: قصة الذي قطع علاقته بحبيبته في يوم صيفي بالرغم من  ان الفصل شتاء فظل يشعر انه في صيف اصفر دائم لأنها ارتدت فستانا اصفر ذلك اليوم)

4.اعتبار الادب حفلة سمر؛ أي اعتبار ان الادب  هو سعي لتجميع النكت والنوادر واللطائف.

وفي محاولة لاقامة التشابه مع حقل السياسة سوف تقودونا للموازنة بين الحقلين عبر التالي:

  1. السياسة هي تجربة الكلام العملي النفعي المستثمر في سلوك مباشر

  2. تستعمل السياسة التشبيهات البلاغية للإفلات من عواقب التصريح بالحال

  3. تكره السياسة كل جديد وتفضل التعامل مع قواعد معروفة وثابتة

  4. السياسة ايضا هي لعبة تجميعات ؛ ولكن تجميعات لمجاميع من البشر وليس تجميع قصص وأسمار؛ السياسة ايضا حفلة سمر لكن بنتائج محددة ثمة دائما رابحين وخاسرين في نهاية كل حفلة.

فهل يعني هذا ان كل كلام حلو وجميل هو كلام غير عملي ؟!

الحقيقة اننا لن نعرف كيف نرد على السؤال التالي ان قبلنا المصادرة اعلاه؛ اذ كيف راجت وازدهرت تلك القصائد  الشعبية المعارضة ان لم تكن امر عمليا وذا فائدة؟! و كيف لا تكون امرا عمليا وقد راجت كل هذا الرواج بالرغم من انها كانت ايضا محظورة رسميا ؟!.

وبالعودة الى الامثلة المقارنة اعلاه ثمة ما يستحق النقاش غير مسالة المتعة والعملية؛ فكل كلام في عالم السياسة يبرمج نحو نهاية محددة سلفا؛ يمكن رصدها في سلوك قابل للإحصاء(= انتخابات؛ تبرعات؛ حملات؛…….)؛ فيما لا يكاد يبرمج شئ في الادب إلا السعي الحثيث لإيصال المتعة وهذه غير قابلة للإحصاء !! والتي ترتبط بالحرية؛ وفيما لا يكتمل الكلام السياسي إلا بسلوك جماعي (= مسيرات؛ مؤتمرات؛ انتخابات؛……) لا تكاد حدود رد الفعل نحو العمل الادبي تجاوز عالم الفرد الواحد إلا عبرايماءة اعجاب جماعية! وفيما كل تجمع نتيجة اثر كلام عملي (سياسة) ينتهي الى نتائج حاسمة دائمة(= تكوين حكومة؛ تسيير مسيرة؛…) فان تجمع محبي عمل ادبي قد لا يجاوز حدود تبادل الابتسام العابر! ولمعان العين  مقابل العين وهذا يجرنا الى القول ان السياسي هو رأسمال قابل للاستثمار اما الادب فهو ربح خالص.

                                            (6):

ثمة معطى لا يمكنني تركه جانبا؛ معطى التجربة الذاتية؛ ان مراجعة موقف الذات قد يساهم في فهم اليات تشكل الموضوع؛ والحقيقة ان هذا التعالق بين السياسة والأدب ؛ كان تقريبا عنونا مختصرا لحياتي! فمنذ كنت مراهقا كانت لي اهتمامات ادبية وكنت اتصور نفسي كاتبا وقد كتبت فعلا في المجلات الحائطية للمدرسة الاعدادية بل لقد استوليت لحسن الحظ او سوئه لا ادري على مساحات واسعة فيها !! ؛ كما تماما كانت حصة التعبير في مادة اللغة العربية ميدانا للاستعراض ربما وفي ذات الوقت ازدوج هذا الهوس بالموضوع الادبي بمحتوى سياسي دائم انذاك هو تلك الثورة التي عبرت عنها مراهقتي السياسية !!؛ بل ربما تداخل الامران حتى فقدت القدرة تماما على تمييزهما لسنوات !!؛ وحتى اللحظة بعد ان خط الشيب اجزاء من راسي لازلت اكتب بعض ما اعتبره مجرد مراهقة سياسية !!.

والحقيقة ان علاقتي بالأدب تشبه جدا علاقاتي النسائية !! فالأدب يغريني فاستسلم له تماما فيما السياسة تشبه عاهرة الحي المستهلكة تشتمها يوما ثم تعود اليها غدا متسللا  على رؤؤس اصابعك خشية ان يلمحك احد صامتا طامعا في غفرانها دون  احداث ضجة!

فثمة دائما …………………….قضاء حاجة لابد منه.

انتهى.

 

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *