حوار مع القاص الأردني جمعة شنب

خاص- ثقافات

 *حاوره : ميمون حرش

جمعة شنب قاص وأديب من الأردن ،

يهدي نفسه للحكي الجميل،
هو في القصة كما النهر تماماً

يهب كنز الربيع و لا يسأل الضفتين..،

   نصوصه رشيقة كحضوره، خفيف الظل، ثقيل الوزن في كتاباته، لغته رشيقة، وعوالمه غريبة لكنها مألوفة، حين يعانق القارئ نصوصه يجف سؤال على فمه: من أين يأتي بهذا الوهج كله؟..

   كتابه “قهوة رديئة”في القصة القصيرة تحفة سردية لغةً، تخييلاً، ومشاهدَ..
نقرأ ” قهوة رديئة” لعدة اعتبارت ، لعل أهمها هوس صاحبها بولوج عوالم غريبة بلغة ساحرة، رشيقة، نزقة… لا تشبه صاحبها، فهو عاقل ، رزين، صموت،وبمجرد أن يتراءى له نص في الأفق يركبه جنون خاص، فيتشظى قصصاً قصيرة .. ومعها لا بد من سيجارة وقهوة..

أيها الصباحيون،
أيها المسائيون،
أيها الليليون،
أيها المدمنون  في كل وقت،

هل تحبون شرب قهوة رديئة؟ .. فقط اعلموا أن العرب تُعرف عندهم الأشياءُ بأضدادها..

استقبلوا معي في “العرين” الكاتب القاص الكبير جمعة شنب ..

أهلا بك في العرين يا صاحبي ،

س- لك أن تقدم نفسك للقراء بما تحب..

ج-  أهلًا بك أيها الحبيب والمبدع الميمون، وشكرًا للقصّة التي جمعتني بك، شكرًا للناظور الفاتنة، ومهرجانها البهيّ.
أنا قاصٌّ فلسطينيٌّ-الأصل، أردنيُّ الجنسية والولادة-، وأمريكيُّ الجنسيّة بعد هاتين، ولعلّ هذه الهويّات قد عبثت بي وتلاعبت، ثمّ خلّفت هذه التشظّيات التى أشرت إليها في تقديمك الحميم لي.
ولدت في مخيّم للاجئين الفلسطيننين على كتف مدينة عمّان، نهاية عام 1960، في أسرة صغيرة وفقيرة، وكما سبق وقلت في شهادتي في معرض فلسطين الدولي للكتاب مؤخّرًا فإنّ البدايات تائهة عندي، غائمةٌ مثلُ أي حدث في الطفولة. لا استطيع التحديد بصورة واضحة متى بدأت ولماذا وكيف. لكني مثلًا- كنت انتظر بلهفة شديدة، خروج أبي وأمي وبقية أهلي في زيارة للأقارب، حتّى يخلو لي حوش الدار والغرفة الصغيرة والياسمينة الهرمة المغروسة في حوض الزرع المستطيل.

كان النّاس يشكون إصرار أطفالهم على مصاحبتهم إلى كل الأماكن، حتى لو كان سوق الخضار في طرف المخيم، وكان أبي يشكو لهم عزلة ابنه، وإصراره على البقاء في البيت وحيدًا، وعدم رغبته في لقاء النّاس.

لكن ماذا كنت أفعل ساعة يخلو لي وجه البيت الفقير؟ لا شيء البتّة، ربّما !

هل كانت البدايات في غرفة الصّف، ودرس التعبير، ودروس القواعد، ومقارعة الأستاذ عزّ الدين، في مسألة نحويّة، من كتاب القواعد للصّفّ الأول الإعدادي ؟!

أم كانت مع (أم عيون وساع) زوجة ابن الجيران التي ملأت الحارة بهاء ونورا، والتي كانت تكبرني بعقد من الزمن ربّما؟

هل صحيح أن طالبة في الصفّ الثاني الإعدادي، مسكينة، لا تملك من أمرها شيئًا، كانت وراء ذلك؟ ماذا عن المخيّم والاحتلال وقصص أبي وصحبه إذًا؟ وماذا عن الكتابة عن فلسطين والحريّة والتقدّم والتقدّميّة، تلك الكلمات الكبيرة التي كنت ورفاقي نكتبها على الجداران في الليالي المعتمة؟

ماذا عن إغراء أن تكون شخصًا مهمًّا، منضويًا تحت تنظيم سرّيٍّ في ظلّ أحكامٍ عرفيّة، ويقرأ لأسماء كبيرة مثل ماركس ولينين وتشيخوف وغوركي، ويقرأ عن كومونة باريس، وسجن الباستيل، والبوّابة السوداء؟ هذه إرهاصات صغيرة-كبيرة صاحبت صباي ومراهقتي. لكن المراهقة عظمت كثيرًا، وراحت تأخذ ملامح لا تتّفق كثيرًا وولد فقير لم يتجاوز السادسة عشرة بعد.
أصدرت مجموعتي الأولى عام 1980 تحت عنوان “للأرض جاذبية أخرى” وقد قام أصدقائي في الثانوية العامّة بجمع مبلغ بسيط، دفعناه لصاحب المطبعة الحنون يومذاك، وقاموا بتوزيعها باليد على الطلاب، وجمعوا قروشًا معقولة، غظّت كلفتها.
لكنّي أصبت بانتكاسة .

س- اللغة التي تقترف بها نصوصك قريبة من ” الشعر”، شاعرية  من أوجه عديدة، ورشيقة.. فلماذا القصة و ليس الشعــر؟

ج- لقد بدأت بالشعر في بواكيري، مثل كثيرين، لكن ما لبث القصيد أن ضاق بي، وضقتُ به..
إنّها مريم، صاحبة المريول الأخضر المُرقّع، تلك التي طاردتها في مخيّلتي أكثر من سنتين، ومررت من باب سقيفتها تسعين ألف مرّة، حتى أصادفها واقفة -صدفة أو عمدًا- وأرمي لها بغمزة من عيني اليمنى في ذهابي، ومن اليسرى في إيّابي..

إنّها مريم -في ظنّي الآثم-  من حوّلتني من كتابة الشعر الرديء، الذي كنت أنشره في صفحات الهواة وبريد القرّاء في الصحف آنذاك، إلى كتابة رسالة من أربعين صفخة (فولسكاب) مرصوصة ودسمة، وفيها كلّ ما ينتمي إلى عالم الحبّ العذريّ الساذج والغادر.

مريم كانت محطّة تحوّلي من محاولاتي الشعريّة الفقيرة، إلى محاولاتي النثريّة العاثرة إذن، وكان ذلك في أوائل المرحلة الثانويّة.
ما كان للشّعر أن يقول كلّ ما في داخلي، فغدا النّثر نافذتي إلى داخلي، وهي في المحصّلة ذات اللّغة العربيّة، الوعاء الأنيق الذي يحوي كلّ صنوف التعبير، فليس ثمّة فواصل حادّة تفصل بين مفرداتها، سواء استخدمت في شعر أو نثر.

س- “قهوة رديئة” هو عنوان بقدر ما هو مألوف أجده مستفزا ، وللإشارة هو في الكتاب لم يرد ذكرُه سوى على شكل وصف في نص “د فتر” ص 17حين تقول: ” قامت السيدة وأحضرت إبريق قهوة رديئة..”، كيف اهتديتَ إلى هذا العنوان؟ ولماذا التركيز هنا على الرداءة؟

ج-  الحقيقة أنّ لهذا العنوان قصّة، فأنا أكره العنونة بالفعل، وأضيق بها. وعندما فرغت من تجميع النصوص، وكانت ثلاثة أضعاف ما احتوته هذه المجموعة، دفعت بها إلى أصدقاء مقرّبين، لأفيد من ملاحظاتهم، سيّما وأنّها جاءت بعد انقطاع عن النشر دام إحدى وثلاثين سنة. قلت لهم هذا ما اقترفت يداي، فاحذفوا ما شئتم، واختاروا عنوانا للمجموعة، التقينا بعد فترة، فكان أن أجمعوا على ضرورة جعل المجموعة في حدود مئة صفحة، أو يزيد قليلًا، وكان صديقي الشاعر والناقد والفنّان زهير أبو شايب، الذي صمّم الغلاف، و كتب كلمته، قد حضّر خمسة عناوين، وقفزتُ حين وقعت عيناي على “قهوة رديئة” وكذا أجمع الآخرون.
إن قهوتي رديئة بالفعل، تليق بالواقع الرّديء- المتردّي الذي أصوّره.

س- ” تصفح الذات”  أهم تيمة  تغلب على نصوص ” قهوتك”..هل نحن الذين نتحدث اللغة العربية، ولا زلنا نركب البغال، و نستخف من المرأة، ونمنعها من ركوب السيارة، ونسكن العراء، وتشغلنا اللقمة و/…/ هل طرحنا مشاكلَنا كافة بحيث لم يفضل لنا – فقط- غيرُ تصفح  ذواتنا؟

ج-البغل والحافلة ليسا أهمّ من ذاتي. أنا مركز أنا، وفي أعماقي يرتسم الكون ويتجلّى، وكلّما عمّقت الغوص في عتمة روحي، تجلّى ضوء ساطع، عكس الأشياء، وفضحها. أنا لا التفت إلى أولئك المحنّطين المزوِّرين الذين يكتبون تحت “نظريّات” و “إيديولوجيّات” الكتابة حرّيّة وانعتاق.
غُص في أعماقك ينبجس لك الكون، كونك، وأخبرهم عنه، ودعهم يتفقون معك أو يختلفون.
ثمّ إنّني لا اتفق معك في التصوير “الهوليوودي” لحالتنا المعاصرة، فنحن نركب الجاكوار والمرسيدس، ومدننا اتّسعت وترامت، لكنّ عقولنا لم تتّسع، بل تمترست في التّاريخ واحتمت به. في حين أن المرأة العربيّة انتزعت كثيرًا من حقوقها، وفي كثير من الحالات اشتطّت وراحت تصوّب سهامها في الاتّجاه الخاطئ، ذلك أنّنا نستورد الأفكار  ولا نستخلصها من صميم تجربتنا وواقعنا.

س- أسجل أيضاً شيوع موضوع ” الموت” من خلال تكرير أحداث خاصة بالقبر، ( كررتَ كلمة القبر في نصوص كثيرة، وبشكل لافت ) بدءً من اقتراف الجريمة، و الحلم بالقبر، والتلذذ بفكرة قتل الآخر.. هذا كله في نصوص كثيرة نحو:  “محاولة” ص 11، و”كعك بالسميد “- ص 45، و”زحف” ص 47، و”جثة في الدوار”- و”عزاء” ص 53.. دون أن نغفل بعض النصوص في ومضات ” قهوة رديئة”.. هل هي نظرة تشاؤمية منك؟ أم مجرد طرح صحيح لقضايا الإنسان في صراعه مع الموت ؟

ج-الثابتان الوحيدان في مسيرة الإنسان هما الحياة والموت. يولد المرء فنكتب عن مسيرته، ونفصّل. نكتب عن فرحه وحزنه، فقره وغناه، صحته وسقمه، سعادته وشقائه، لكنّه لا بدّ منتهٍ إلى الموت، فلمّ نغفل هذا المعادل الموضوعي لكملة الحياة؟
الكتابة عن الموت مثل الكتابة عن الحياة تمامًا، والهروب منه يشبه هروبك من الحياة ذاتها.

س- تحتفي في نصوصك بالبطل احتفاء خاصاً ولائقاً، وتختار له اسماً جميلا وأحياناً عجيباً،وأخرى لا نصيب له منه ،ونصوص قليلة جداً تكتفي فيها بمجرد ” الضمير ” العائد عليه ، بحيث لا يمكن أن نقرأ لك نصاً- أحياناً حتى في الومضات- دون “اسم”دال عليه..ولقد أحصيتُ في “قهوتك” أكثر من خمسين اسماً مختلفاً،وأحياناً شاذاً، تسمي به بطلك : طراد القاسي- بتار المغازي على سبيل المثال لا الحصر، بل بعض من هذه الأسماء تتكرر في نصوص كثيرة مثل أم العبد- موسى…لماذا هذا الحرص الشديد على تسمية بطلك في قصصك القصيرة ؟

ج- بماذا أناديك يا صديقي؟ ألستَ ميمونًا؟ هل تفرح لو ناديتك ب يا هذا؟ أليس اسمك عنوانك الذي يرافقك من المهد إلى اللّحد؟ فكيف لكاتب أن يغفل اسم بطله؟ ألا تسمعك تقول: البطل؟ أليس من حق البطل أن يحمل اسمًا؟
الاسم عندي مهمٌّ جدًّا، برغم أنّ بعض النقّاد يأخذه على كاتب القصّة القصيرة. الاسم عندي ضرورة تخدم النصّ، وترفده بكثير من الإيحاءات، فتثريه، وترتفع به إلى فهم أعمق لشخصيّة البطل، وأنا أُعنى بالفعل باسم البطل أكثر من اسم القصّة ذاتها.

س- وتستعيض أحيانا عن الاسم، ويصبح البطل صاحب رقم 2236573،أو مجرد حرف (ع- ر- س)…هذا التنوع في تقديم البطل ما الغاية منه ؟

ج-  ثمّة لا معقول كثير  في حياة الكائنات المقيمة على الأرض العربيّة. لقد استبدّت الأنظمة السياسية والاجتماعية والدينيّة فيها، حتّى غدت كائنات مشوّهة ممسوخة بلا هوية، وغدا الشخص في أغلب حالاته هامشًا على صفحة الحياة، رقمًا تافهًا في زنزانة تحت الأرض، أو مقبرة جماعيّة، بحيث لا يحقّ له التمتّع باسم حتّى، لذا يكون مسمّىً حينًا، ومرقّمًا حينًا آخر.

س- والمدن أيضاً تصبح لها في نصوصك أسماء غريبة مثل :  مدينة اللبن- ومدينة الحليب- ومدينة الباشين خمر- ومدينة الأسوار،بل وكذلك هناك  دولة الباطاطا البيضاء …هل هذه بعض من تلك ” الخفة”  التي أشار إليها الدكتور زهير أبو شايب في كلمته،والتي  تتدثر بها في السرد،و التي تسعى إليها في ماراتون محموم ؟ أم ماذا بالضبط ؟

ج- هذه مدن بلا هويّة ولا شخصيّة تميّزها، مثلها مثل أي شيءٍ في حياتنا، مدنٌ-مسخٌ، فرّت من قسورة، ثمّ تزيّنت للغرباء والسرّاق.
هذه المدن تتدثّر بأزياء قبيحة، وأنا ألاحقها وأرصدها، وأحاول تجريدها من دثارها، ووضعها في الزاوية، كما تحاول – جاهدةً  أن تفعل بي.
علاقتي بالمدن علاقة قديمة-حديثة، وأطلّ عليها بعين حمراء. لقد عشت في عمّان ونيويورك، ولقد مررت بالخليل وطنجة وبخارست ودبيّ.. أنا لست محافظًا على الإطلاق، لكن لا يروقني أن تتحوّل مكّة المكرّمة إلى شيكاغو مثلًا.

س- ويحضر العجيب والغريب كثيراً، وبشكل ماتع،وأخاذ..بل أستطيع أن أقول بأن  ” قهوة رديئة” تلتحف بعوالم غريبة،ومشاهد غير مألوفة في واقعنا المعيش..هذا يسأل عن قبر ويحشر نفسه داخله وهو حي ، وذاك يقتل صاحبه لأنه لم ينظف أسنانه، وثالث يطوح بجسده في مضيق البسفور بعد أن رمى نفسه من الحافلة…كيف تبني هذه العوالم الشاذة ؟

ج-  واقع منحرف لا بدّ يولد من رحمه رجل عديم المروءة، فارٌّ من الزحف، وامرأة غير حنون، تقتل أطفالها، والحالة هذه إذن تولد الوردة ذابلة، ويبول حمار على أسد، فيهرب كثيرون إلى الفناء طوعًا وكرهًا.

س- دعني أقف معك عند نقطة عجيبة “ربما”..  لــِ ” الرقم” سحر ما في نصوصك، تحتفي به كثيراً: 
صاحب الرقم 2236573؛ “ركب سبعة وأربعون شخصاً”  ؛ “يتحدث ( ع ) مع تسع وعشرين امرأة؛ وتزوج (س) من إحدى عشرة امرأة ؛ قضى سبعة عشر شهراًً تمامها وكمالها وهو منشغل …”و/…/..لماذا تحديداً :

  • 22365573،

  • 47 راكباً،

  • 29 امرأة،

  • 11 امرأة،

  • 17 شهراً..،

ج-  ربّما لأني أمقت الرياضيّات المعاصرة وأنحاز للحساب البسيط.

س- ماهي مشاريعك الأدبية ،وماذا سنقرأ لك غداً؟

ج-  بين يديّ روايتان أشتغل عليهما منذ وقت ليس بالقصير، وفي المطبعة مجموعة قصصية بعنوان ” بنت الحرام” تعقبها مجموعة قصص قصيرة جدًّا بعنوان ” رجل غير مهمّ بالمرّة”.

س-  وما ذا تقول عن النقد في تعامله مع قصصك ؟

ج-   سبق وقلت في لقاء مع الشاعر عمر أبو الهيجا أنّني لا  أطلب من النّقّاد شيئًا البتّة، بل لا أرجو منهم أمرًا، هذا إن كان في الأردن ما يمكن أن يطلق عليه حركة نقديّة، من حيث المبدأ. إنّني أتابع «لايكاتهم»، على الفيسبوك، تحت نصوص بائسة، لعاشقة البحر المزجور، وسيّدة الشرق المبهور، وأعرف أي منحدرٍ ينحدرون. أقرأ مجاملاتهم (النّقديّة) للكتّاب الذين لا تربطهم بهم، غير علاقات شخصيّة. هم كما تركتهم في الثمانينات، نرجسيّون جدًا، يحبّون ذواتهم، إنّهم مصابون بالتّرهّل، ومحشوّون بقطن رديء.
تقرأ مقالًا نقديًّا، أو عرضًا لرواية، أو ديوان شعر، لكاتب تشيلي، فتعرف أن (النّاقد) إنّما يستعرض معرفته واطلاعه الواسع على أدب أمريكا اللّاتينيّة. وتراه ثانية يغوص في تجربة كاتب عربيّ، فتعرف أنّه إنّما يبحث عن دعوة لمؤتمر أو مهرجان أدبي في بلد ذلك الكاتب.. إنهم يهربون منّا، كما لو كنّا وباء كوليرا. وأنا لهذا لا انتبه لما يكتبون، في الغالب، إلّا من رحم ربّي، وهم قليل، قليل. لقد حرّرتنا وسائل الاتّصال الحديثة منهم، برغم ما جرّته علينا من تردٍّ، وإسفاف. أنا أكتب فقط، دون أن التفت إلى ما يقولون.
أنا لا أنكر أنّ مجموعتي “قهوة رديئة” قد تمّ تناولها بالعرض والنقد، ربّما أكثر من غيرها، من قبل مجموعة من الأساتدة، لكنّي لم أجد فيها العمق النقديّ المطلوب، إلّا ما ندر.
لكن والحقّ يقال: فقد لمست اهتمامًا نقديًّا مغربيًّا جادًّا بالأدب، يدعو إلى الإحترام. هنا،  وأنا أسمع للنقّاد، أو أقرأ لهم، أشعر بالتقدير لجدّتهم وعمق تناولهم للموادّ موضوع النقد، من شعر وقصّة ورواية أو غيرها من صنوف الإبداع.

س- نزلتَ ضيفاً عزيزاً وكبيراً بمدينة الناظور المغربية بمناسبة مهرجانها  السنوي للقصة القصيرة جداً في نسخته الخامسة 2016 ، وحضرت هذا العرس بل وشرفته  .. كيف تقيم مهرجان الناظور للقصة القصيرة جداً عموماً ؟

ج-  هذا عرس رائق في الرّيف  شمال شرقي المغرب، تقوم عليه ثلّة مثقّفة تعمل بكدٍّ وجدّة، دونما ادّعاء ولا ضجيج: جميل حمداوي وجمال الخضيري وميمون حرش وبقية الإخوة والأخوات.
أن يستمرّ هذا المهرجان المتفرّد والمكرّس لل ق.ق.ج ستّ سنوات طوال، يعني أنّه معافى وحقيقي، فوق تفرّده .

س- المسابقة الكبرى في  القصة القصيرة جداً هي جائزة مهمة في مهرجان الناظور..هذه الجائزة تحمل اسم “جمعة شنب” تكريماً لك على كرمك مادياً ومعنوياً..ما هو شعورك وأنت تُكرم بمناسبة حملك لاسم هذه الجائزة الكبرى بمدينة الناظور المغربية ؟

ج-  هذه الجائزة شرف كبير  لي وكرم كبير من المهرجان وإدارته عليّ. لقد كانت مفاجأة كبيرة لي، غالية على قلبي، وخطوة مهمة في مسيرتي مع القصّة.
أن تقف على المنصّة وتوزّع الجوائز ، مسؤوليّة كبيرة أمام القصّة والإبداع والجيل الشاب المشارك بإبداعاته.
لقد كنت أتمشّى والصديق المبدع الدكتور جمال الدين الخضيري على شاطئ بحيرة مارشيكا، ذات مساء من أمسية المهرجان في نسخته الرابعة، وكان يشرح لي مسيرة المهرجان والعقبات التي تجاوزها، وتلك التي ما زال يمر بها يومذاك، فشعرت آنذاك أنّني أبعد ما أكون من ضيف، بل وجدتني واحدًا من أهل البيت، ووجدت أنّ عليّ أن أتصرّف كمساهم في مسيرة هذا المهرجان المعتبر، ولو  بمبلغ بسيط، إعرابًا عن امتناني لتلك الجهود الكبيرة، وإسهامًا خجولًا، في دفع مسيرة المهرجان. وفي اليوم الثاني لتلك النزهة الصغيرة، جاءني أخي جمال، وأخبرني أنّ الدكتور جميل حمداوي يصرّ على جعل جائزة مهرجان النسخة الخامسة باسمي، ما شكّل مفاجأة كبيرة لي، ووضع على عاتقي مسؤولية كبيرة نؤت بحملها بحقّ وصدق.

س- ماذا تقول عن الناظور وأهله وعاداته،وتقاليده.. وما الذي أثارك تحديداً في هذه المدينة ؟

ج-  أنا أعشق البلدات الصغيرة الهادئة، و لقد زرت النّاظور مرّتين، ولو تسنّى لي لأقمت فيها.

 س – أثقلتُ عليك.. كلمة أخير أديبنا الغالي جمعة شنب ..

ج-  كلّ ما سبق كان الكلامَ الأوّل، ولم ينته بعد!

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *