خاص- ثقافات *طالب همّاش يا ليلُ ترقرقْ بدموعكَ يا ليلُ ... فراقاً بعدَ فراقْ ! ما عادَ الروحُ يطيقُ الوحشةَ والوحشةُ ليسَ تُطاقْ ! لفراقِ قراكَ الغضّةِ تحتَ القمرِ الغاربِ قلبٌ يتدفّقُ بالدمعِ الساخنِ _ آهٍ يا ربُّ _ وللغربةِ آخرُ أغنيةٍ تنتحبُ الآنَ على الأشجارِ المنتحبه ! آهٍ يا ربَّ الغربةِ ما أصعبَ هذي الغربه ! ما أصعبَ هذا اليأسَ العاقْ ! ألفُ كمانٍ تتألّمُ موسيقاهُ المصلوبةُ بالأصواتِ السودِ وألفُ غرابٍ يغرزُ مخلبَهُ الجائعَ في النفسِ المكتئبه ! آهٍ يا ربَّ الغربةِ من يرحمُ روحَ الراهبِ حين تحيطُ وحوشُ الوحدةِ كالأشباحِ مراثيهِ ويغدو منتصفُ الليلِ الموحشُ نعشاً لمراراتِ الروحِ المغتصبه ؟ من يرحمُ روحَ الراهبِ حين تموتُ من الإرهاقْ ؟ مغترباً وسطَ رياحِ الأرضِ الأربعِ يرتفعُ البحرُ بإيقاعِ الحزنِ الضائعِ فوق دماغي الميتِ ، ويهطلُ في شلالِ الريحِ شقاءُ الأرواحِ المغتربه ! آهٍ يا ربَّ الغربةِ ما أصعبَ هذي الغربه ! ما أصعبَ أن تتماوتَ ناياتُ الألمِ الليليّةِ بالأشجانِ ، وتغرورقَ كلّ مآقي الغيمِ المتعبِ بالعبراتِ المنسكبه ! ما أصعبَ أن تتصاعدَ كلُّ الأصواتِ المتألّمةِ المرّةِ من أرحامِ الآبارِ كصوتِ رجاءٍ محترقٍ يترقرقُ بالألمِ الشاقْ ! فترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ فراقاً بعد فراقْ ! هرّت أوراقُ الحورِ على أرصفةِ الدارِ المهجورةِ فبكيتُ وحيداً في هبّةِ ريحٍ يا دارْ ! هرّتْ أوراقُ الحورِ وصارَ غناءُ البلبلِ عند نهاياتِ الأشجارْ ! آهٍ ياهدآتِ المشمشِ آهٍ يا هدآتْ !! هرّت أوراقُ الحورِ... وأيلولُ المتعبُ يكتبُ سيرتَهُ المجروحةَ بينَ مماشي المشمشِ بالدمعِ ورخرخةِ الغيماتْ ! آهِ على هبّةِ ريحٍ هائمةٍ في سهلِ الآهاتْ ! آهِ على تنهيداتِ حفيفٍ يحملها الشجرُ النائمُ في أحلامِ الريحِ مع الهبّاتْ ! آهِ على رفِّ حمامٍ يتهادى فوق حفافي الوادي شَلْحَاتٍ .. شلحاتْ ! آهٍ من أشواقٍ ترقدُ في أعماقِ القلبِ الحافي وتهزُّ بكاءَ الروحِ من الأعماقْ ! يا قلبُ فكيفَ تطيقُ الغربةَ والغربةُ ليسَ تُطاقْ ؟ صرخاتُ الغربةِ ريحُ شتاءٍ متوحّشةٌ تتمزّقُ في روحِ الباكي كشرارةِ نارْ ! صرخاتُ الغربةِ يا ليلُ قصائدُ نعيٍ يتعلّقُ مطلعُهَا الطلليُّ الفاجعُ كالنعواتِ على كلّ جدارْ ! صرخاتُ الغربةِ صوتُ صهيلٍ مكسورٍ في جنباتِ الوعرِ ورجعُ نحيبٍ حارْ ! صرخاتُ الغربةِ في إيقاعِ اليأس المتعاظمِ تتلاطمُ كالأمواجِ المصطخبه ! آهٍ يا ربَّ الغربةِ ما أصعبَ هذي الغربه ! حزنُ القلبِ عظيمٌ وعظيمٌ في هذي اللحظاتِ الصعبه ! هبّتْ رائحةُ القبرِ مع الريحِ وسالَ نواحُ كمنجاتِ النعي على نهرِ النغماتِ المنكسره ! هبّتْ رائحةُ القبرِ وحلَّ سكونُ الفصلِ المظلمِ في أروقةِ الموتِ السوداءِ ولاحتْ كخريفِ الأعمارِ نهاياتُ الأيّامِ المحتضره ! الآنَ سترقدُ في أعماقِ الروحِ المتعبِ كلُّ أسابيعِ اليأسِ المنطمره ... ويعودُ الكونُ إلى وحدتهِ المدفونةِ في الأعماقْ ! حلَّ أوانُ الفصلِ المظلمِ يا روحُ ودقّتْ ساعاتُ العتمةِ دقّتَها الميتةَ في جمجمةِ القلقِ العاقْ ! يا قلبُ ترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ .. فراقاً بعدَ فراقْ ! صورُ الأحبابِ مسافرةٌ تتراءى كطيورِ المغربِ في عينيّ وتنحلُّ مع الدمعِ عزاءً لفؤادٍ يتعزّى في كلِّ عذابْ ! صورُ الأحبابِ مسافرةٌ كطيورِ الهجرةِ في عينيّ وراجعةٌ كلُّ تصاويرِ الأغراب ْ . آهٍ يا أغنيةَ الريحِ المحترقه ! ما عادت تتراءى في أعيننا غيرُ تصاويرِ الرُّحّلِ والغيّابْ ! فلأيّ مصيرٍ تغرقُ شمسُ الغائبِ في أجواءِ الشفقه ؟ .. وتصيخُ نصوبُ الصخرِ مسامعها لفؤوسٍ تتعاركُ كالصيحاتِ على سندانِ القدرِ العنّين ؟ وأنامُ على صدركِ يا ريحُ غريباً مملوءاً بالأشجانِ أغنّي أغنيةَ الحيرانِ مع الريحِ وصوتُ هزيمِ الريحِ حزينْ ! تهتزُّ شجيراتُ الشوقِ فتشتاقُ الروحُ وتنسابُ دموعُ الحزنِ على سكّينْ ! يا بَكْوَةَ روحٍ تتنهنهُ في العتمةِ واأسفاهُ لقد صارَ القلبُ الساهي كتلةَ طينْ ! ما عدنا نكتبُ اسمَ الحزنِ الضائعِ بالشوقِ على طرقاتِ العشّاقْ ! صورُ الأحبابِ مسافرةٌ كتوابيتِ الموسيقى الليليّةِ وضريحُ الغربةِ ضاقْ ! يا قلبُ ترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ فراقاً بعدَ فراقْ ! الغربةُ صرخةُ روحٍ تتمزّقُ في جبروتِ الأرضِ وألفُ جريحٍ يتألّمُ في أغنيةِ الترحالِ المرّةِ ألفُ جريحْ ! الغربةُ شَبَابَاتٌ تتناومُ بالأشجانِ وتنداحُ بكاويها المكلومةُ في نهرِ الحسراتِ مع الريحْ ! الغربةُ صحراءُ ذئابٍ تتراكضُ بين جرودِ الصبّارِ لشربِ دماء ضحاياها المغتصبه ! ما أقسى أنْ تهتزَّ على صرخاتِ الريحِ جميعُ حقولِ القمحِ المُنَتهبه ! يا قمرَ النورِ الربّانيِّ الهادىءَ رخرخْ نورَكَ فوق دماغي الميتِ وأنقذني من هذي اللحظاتِ الصعبه ! حزنُ القلبِ عظيمٌ وعظيمٌ صوتُ اليأسِ الغائصُ في قاعِ السأمِ العاقْ ! آهٍ كيف تجاوبَ صوتُكَ يا ربانُ بكلِّ عذاباتِ النفسِ المستلبه ! آهٍ من صحراءِ بكاءٍ تتحطّمُ تحتَ نحيبِ الموجِ ومن أفئدةٍ تبكي نادمةً يا ربُّ من الإرهاقْ ! ما من ألمٍ يعتصرُ الروحَ الفاقدَ أكثرَ من مطرِ الليلِ على شبّاكِ فراقْ ! فتألّمْ يا قلبُ من الأعماقْ ! طالب همّاش talebhammash@gmail.com سورية - حمص