ما الزمن؟

*ترجمة: محمد سبيلا

الزمن هو هذا النوع من السائل الذي نكرر القول عنه، إنه يحمل «معه» كل الأشياء، وبأنه يُلحق الشيخوخة بكل الكائنات، وبأنه يغير ويستعمل «أو يستهلك» كل الأشياء، وأنه يقضم ويهشم الصخور، ويحسّن المجتمعات والمشروبات.

لكن أن نقول ذلك، فإنه لا يكفي ولا يشفي الغليل في الكشف عن طبيعته الحقيقية.

ما هو إذن الزمن في عمقه:

هل هو ما تحكيه اللغة عنه؟

هل هو مثلنا ما نعتقد أننا ندركه أو نعيشه؟

هل هو مماثل لما يقدمه لنا الفيزيائيون؟ أو لما يفكره الفلاسفة؟

 علينا أن نتوجه أولا نحو هؤلاء الأخيرين ما دامت مسألة الزمن قضية من قضاياهم الكبرى. لكننا سنصطدم بعقبتين، أولاهما تعود إلى أن هؤلاء ليسوا متفقين فيما بينهم حول هذه المسألة: فالخطابات الفلسفية تجعل الزمن أحياناً مبدأ التغير، وتارة أخرى تجعله غلافاً وعنواناً لكل تسلسل تراتبي أو تلاحقي للأشياء والوقائع، وتارة يشبهونه بالومضة أو اللمعة، وتارة بحلبة ثابتة ينتظر ما سيحدث فيها، ومرة أخرى تتصوره ككائن فيزيائي، أو على العكس من ذلك كمنتوج للوعي.

وثانية العقبتين أو الصعوبتين، في ارتباطها بالأولى، تعود إلى ما تعانيه الفلسفة ذاتها من حيث إنها تجد نفسها مقسومة بفعل مسألة الزمن ذاتها، حيث تتوزع الفلسفة إلى معسكرين كبيرين بينهما جدار سميك. فبالنسبة للبعض، أي فلاسفة «الأفهوم» (Concept)، وهم أرسطو وليبنتز، يتعين التفكير في الزمن كمجرد نظام للأسبقية والألحقية دون الإحالة على أي وعي ولا على حتى حضور ملاحظ ما: الشيء الوحيد الذي يوجد هو العلاقات الزمنية بين الأحداث؛ وهكذا يبدو الزمن كنظام تلاحق ينتج تسلسلات أو تلاحقات موضوعية أو خارجية ونهائية.

أما بالنسبة لفلاسفة «الوعي»: وهم برغسون Bergson وهوسرل Husserl وبالدرجة الأولى القديس أوغسطين، فإن الزمن هو (عملية) مرور (Passage). إنه مرور من لحظة خاصة، وانتقال transit الحاضر نحو الماضي، والحاضر نحو المستقبل، وهي عملية انتقال لا يمكن التفكير بها إلا بإدخال حضور ذات (بشرية): الزمن ليس نظاماً تسلسلياً، بل دينامية تفاعلية محركها مرتبط بالذاتية.

مفارقة الأقدمية (Ancestralité)

 أو الأسبقية

أين يتعين علينا أن نتجه لاختيار إحدى المدرستين؟ من العسير تقديم إجابة حاسمة؛ وذلك لأن هناك سبباً لذلك. فالفكرة التي ترى أن الزمن لا يوجد وجوداً مستقلاً بمعزل عن الذات الإنسانية يكون عليها أن تواجه معطى وقائعياً يمكن أن يشكّل لها صعوبة أو عائقاً قوياً، وهو أن العلماء، خلال القرن العشرين قد أثبتوا أن:

– عمر الكون يناهز على الأقل 13,7 مليار سنة

– تشكّل الأرض قد حدث منذ 4,45 مليار سنة

– ظهور الحياة على الأرض قد بدأ منذ 3,5 مليار سنة

– ظهور الإنسان على وجه الأرض يعود إلى مقدار أصغر هو مليونا سنة

فما هي دلالات هذه الأرقام؟ إنها تقول إن الإنسانية كنوع من الأنواع الحياة، هي نوع حديث قياساً إلى ما سبقه، لم تكن معاصرة لكل ما عرفه الكون أو اجتازه، وأن نسبة 13,7 مليار سنة إلى مليوني سنة هي 6850.. وأن الكون قد صرم معظم عمره في مجاوزتنا. ومن ثمة، فإن الدفاع عن فكرة أن الزمن راجع للذات ومنسوب إليها، وأنه لا يمكن أن يكون موجوداً من دونها سيطرح علينا مشكلاً وهو: كيف كان باستطاعة الزمن أن يجرى ويمر قبل ظهورنا كنوع؟

مفارقة الأقدمية (Ancestralité) هذه كان قد وضع عليها الأصبع من طرف العديد من المؤلفين. إذ إن حصر الزمن في الذات، أو إرادة إبراز أن الزمن ليس له إلا واقعية ذاتية، ليس إلا تعويقا لمحاولة تفسير ظهور الذات الإنسانية في أو خلال الزمن؟

وعلى العكس من ذلك، فإننا إذا ما اعتبرنا أن الزمن يوجد ويجرى، ويمر في استقلال عنا، فإن علينا أن نعين ونحدد صفات «محرك الزمن» أي الآلية السرية التي تجعل أنه بمجرد أن تظهر لحظة الحاضر، فإن لحظة حاضر أخرى تظهر وتزاحمها، وتطلب منها أن تذهب للظهور في مكان آخر ثم تأخذ مكانها، قبل أن تظهر لحظة حاضر أخرى وترسلها إلى التجول في الماضي، وتأخذ هي حيزاً في الحاضر. وأمام رعب هذه الصعوبات يمكننا أن نجد بعض التعويض الفكري في اعتبار أن الزمن ليس إلا كلمة تشير إلى كائن يشبه طريقتنا في قوله.

لكننا نعي مباشرة خطورة المفارقة: ففي الوقت الذي لا تطرح علينا فيه كلمة «زمن» أية صعوبة عندما نستعملها في جملة سريعة، فإن هذه الكلمة تصبح محرجة جداً عندما نسحبها من التداول اللغوي لنفحصها ونختبرها، فنحن بمجرد أن نعزل كلمة «زمن» عن الكلمات المحيطة بها، بعيدة عن الانسياب اللفظي الذي كنا قد وضعناها فيه، فإنها تتحول إلى لغز وتصبح مشوشا رهيبا على الفكر.

هل الزمن كيان خاص؟

هل هو يوجد في حد ذاته؟

هل هو يتوقف على الأحداث؟

هكذا نكتشف أن استعمال كلمة «زمن» هو استعمال متواتر، لكن هذا الاستعمال لا يقودنا بتاتا إلى توضيح الواقع الذي يدعى تسميته. فأن نقول الزمن ليس هو أن نشير إليه ونعيّنه في حد ذاته. فالزمن ليس في الظاهر «شيئا» (بالمعنى العادي لكلمة شيء)، بل إن واقع الزمن هو واقع أكثر دقة وتميزاً عن واقع الطاولة أو الكرسي.

زمنيات مختلفة

هناك أيضاً صعوبة إضافية تتمثل في أن تصورنا (الفكري) عن الزمن مرتبط إلى حد كبير بالعلاقة الوجودية التي نقيمها معه. فالظواهر الزمنية التي نعيشها والتي نحن موضوعها ومادتها والشهود عليها، تجعلنا نعتقد أن هذا الزمن يشبهها أو يلخصها. وهذا ما يدفعنا إلى أن ننسب للزمن صفات وخصائص توحي وكأن هناك زمنيات مختلفة: وهكذا فنحن نتحدث عن زمن نزعم أنه زمن «فارغ» أو «متسارع» أو «ورى» أو «سيكولوجي» أو «بيولوجي» أو «جيولوجي» أو «كوسمولوجي»، كما لو أن الزمن يختلط ويمتزج مع هذه الحالات والصفات التي يجعلها هو ذاته ممكنة والتي تؤدي هي ذاتها دور زينة (ديكور) أو لباس بالنسبة له.

لكن هل سيكون هذا الزمن قابلاً لأن يتصور ولأن يكون محط تفكير؟

وأخيراً فإن الزمن ضحية للمبالغة في استخدام اللغة. يقول القديس أوغسطين في اعترافاته في العصور القديمة: «من أجل أن نقول الزمن أو ننطق به نجد أن لدينا في اللغة عدداً قليلاً من الجمل الدقيقة ولكن لدينا جملا أكثر غير دقيقة». فتعدد معاني كلمة «زمن» قد توسع بالتدريج عبر القرون، بحيث أصبحت تعني في الوقت التتالي نفسه، والتأني، والمدة، والتغير، والصيرورة، والاستعجال، والانتظار، والإنهاك، والسرعة، والشيخوخة، وأحياناً تأخذ حتى مدلول المال أو الموت.

وهذا شيء كثير على كلمة واحدة، وهو ما يتطلب ويفرض عملية اختيار الكلمات وتنظيف اللغة.

لكن كيف نقوم بعملية إفراغ دلالي للكلمات؟ وانطلاقا من أية قاعدة؟

تمكننا الفيزياء، وهي العلم الذي أصبح ذا فعالية معرفية كبيرة منذ أن تم إدخال الرياضيات عليها، وجعلت من الزمن معاملاً في معادلاتها، من القيام بعملية «تنظيف للوضعية اللغوية»، كما يقول الكاتب الفيلسوف بول فاليري. ومن أجل القيام بهذه العملية يكفي أن نحاول ترجمة ما تحاول أن تقوله المعادلات الأساسية في الفيزياء عن الزمن إذا كان بإمكانها أن تتحدث عنه. لكن يظهر في النهاية نوع من الشك. وهو شك رهيب تجاه الكلمات التي تم التعبير بها عن الثورة النيوتونية.

الكل يعرف أن نيوتن هو الذي أدخل في الفيزياء المتغيرات (+) ضمن معادلات علم الديناميك، وأنه اختار أن يسميه «الزمن». لكن عبر أي مسار فكري وبفضل أي تصور قبلي للزمن أقام نيوتن هذا الاختيار؟ وانطلاقا من أي معارف استطاع أن يتعرف عليه من خلال ملامح كائن رياضي. لقد كان عليه -منطقياً- أن يعطيه اسماً آخر لأن هذا الزمن الفيزيائي، الذي قام بابتكاره، لا يشابه نهائيا ما اتفقنا على أن ننسبه عادة لكلمة «زمن». بل ليست له أية سمة من الخصائص التي ننسبها عادة وتلقائيا لفكرة الزمن. فهذا الزمن الفيزيائي (+) هو زمن مجرد ولا وجوداً عينياً أو مادياً له، وليست له سرعة الانسياب لأن إعطاءه مثل هذه الصفة يفترض أن وتيرة الزمن ستتغير قياساً إلى أو بالنسبة إلى وتيرة الزمن؛ وهو كذلك زمن ليست له صفات أو سمات الظواهر الزمنية التي تحدث أو تجرى داخله، في الوقت الذي نتحدث فيه عن الزمن خالطين بين الزمن وبين ما يحدث فيه، كما أن هذا الزمن الفيزيائي هو زمن متجانس، أي أنه لا يغير خلال مساره الزمني طريقته في أن يكون هو الزمن، أو بعبارة أخرى أنه لا يتوقف على نفسه، وأن لكل آن من آناته الكيان الأنطولوجي نفسه أي الدرجة نفسها من الوجود. فهل الزمن الفيزيائي هو الزمن الحقيقي أم هو فقط زمن مختزل وهزيل أو ناقص؟ أي بالأحرى هو زمن آخر مختلف عن الزمن الحقيقي؟

ومن ثمة يتولد سؤال ثانٍ، يطرح نفسه في صيغة استدلال: ما الذي كان بإمكانه أن يحدث لو أن نيوتن كان قد اختار أن يطلق على هذا المتغير في معادلاته الفيزيائية اسم «المجهول»؟ هل كان من الممكن التفكير في مساءلة الفيزيائيين حول تصورهم عن الزمن؟ وهكذا ربما كان الفيزيائيون قد اكتفوا بعقد لقاءات مغلقة حول هذا «الشيء المجهول» الذي ظهر في مجال الفيزياء في القرن الثامن عشر، كما قام الفلاسفة، والمؤرخون وعلماء الاجتماع، ورواد التحليل النفسي بمواصلة النقاش حول مقولة الزمن دون أن يراعوا ما توصل إليه الفيزيائيون من اكتشافات. وربما كنا سنقول عن نظرية النسبية لإينشتاين بأنها أحدثت ثورة لا فقط في مجال تصورنا للزمن، بل غيرت التصور الذي كان لدى الفيزيائيين عن هذا «المجهول». وأنها أثبتت أن هذا المجهول ليس مطلقاً بل هو نسبي قياساً إلى المرجع الذي نقيسه به، وأن هذا الشيء المجهول لا ينفصل عن المكان.

لكن إذا وافقنا على أن الزمن كما تتصوره الفيزياء هو الزمن الحقيقي، فإن الصياغات الصورية التي تقدمها الفيزياء يمكن أن تصبح أساساً وقاعدة نظرية يمكن انطلاقا منها القيام بنقد اللغة، وربما القيام «باكتشافات فلسفية سلبية»، أي القيام بتوضيح، بل بنقد جذري لكيفيات تعبيرنا اللغوي ولكيفيات تفكيرنا.

فمثلاً نجد أن معادلات الفيزياء تشكك في الرابط شبه النسقي الذي نقيمه بين الزمن والصيرورة (Devenir). فعلى الأقل نجد أن صيغها تقيم تمييزا واضحا بين مسار الزمن وبين سهم توجه الزمن. فمسار الزمن هو الذي يسمح لنا بإقامة فاصل أو مسافة فاصلة بين لحظات الماضي ولحظات المستقبل: فالغد ليس له نفس موقع البارحة في الزمن، فهما مفصولان عن بعضهما بفترة محددة. أما سهم الزمن فهو يعبّر عن الصيرورة. فهو يعبر عن أن بعض الأنساق الفيزيائية تتطور بصورة لا رجعة فيها: فهذه الأنساق لا تصادف في نسار تطورها الحالات نفسها التي عرفتها في الماضي. فغدها -أو الحالات التي ستكون عليها غداً- لن يشبه أمسها. فمسار الزمن وصيرورته ليسا فقط متمايزين عن بعضهما في إطار الفيزياء المعتادة، بل هما متعارضان إلى حد ما. وذلك لأن مسار الزمن يمكن إلى حد ما، اعتبار أنه بمثابة كل ما يفلت من الخضوع لكل شكل أو صورة من صور التطور، بمعنى أنه لا يغير أبداً صورته في أن يظل هو الزمن… وذلك خلال مسار الزمن. فهو متجانس ولكل لحظة من لحظاته نفس السمات. وعلى وجه الإجمال فإن الزمن يبدو وكأنه هو ما يمكن أن يكون موجودا حتى بعيداً عن حالة التغير. ولنفترض مثلاً حدوث نوع من الموت الحراري للكون، حيث لا شيء يتحرك ولا شيء يتغير، فهل سينقرض الزمن؟ هل لن يكون غير ذي معنى أن نتساءل بعد ذلك: منذ كم من الزمن لم يعد أي شيء يتغير؟

عدم القابلية للارتداد Irreversabilité

إن سهم الزمن يصبح شيئاً إضافياً زائداً عند ما يُلبس هو نفسه مسار الزمن (غير القابل للارتداد)، ما يجعله يبدو كظواهر غير قابلة للارتداد. وقد توصل الفيزيائيون بعناء إلى تقديم التفسيرات الممكنة لعدم قابلية الظواهر الفيزيائية للارتداد. وكل هذه التفسيرات تفترض الوجود القبلي لتوجه أو لمسار الزمن المعتمد، من حيث هو الإطار الذي تأخذ فيه مكانها ظواهر موجهة زمنياً أي أنها لا يمكن أن تحدث أو تسير في الاتجاهين المتعاكسين.

من المؤكد أن هذا التمييز يمكن أن يبدو للوهلة الأولى تجريدياً وغير واقعي، لكن بالإمكان تجسيد ذلك إذا ما استعننا بأعمال الفنان رومان أوبالكا Roman opalka الذي يقدم لنا صوراً متسلسلة عن تطور وجهه لأعوام عدة، كما يقدم لنا لوحة عن تلاحق الأرقام. فمن جهة أولى، نجده يصور لنا مسار الزمن على شكل تلاحق للأرقام وتراكم لصوره الشخصية، ومن جهة أخرى، فإن صيرورة الزمن يمثلها تتالي الصور الشخصية لشخص واحد وتغير ملامح وجهه عبر السنين. وهذا التمثيل التصويري المزدوج يكفي ليظهر أن هذين النمطين من عدم القابلية للارتداد، واللذين يبدوان متداخلين لدرجة أنهما يظهران وكأنهما غير قابلين للتمايز، يمكن مع ذلك الفصل بينهما في الواقع. ولكن بسبب أننا نراهما دوماً متداخلين فنحن نميل إلى الخلط بينهما، في حين أنهما متناضدان.

هل الأمر كذلك؟ لا أظن ذلك لسببين على الأقل: فالتشكيل الرياضي للزمن الفيزيائي والذي يجعل كل لحظات الزمن متعادلة يدفعنا إلى تبين وتفهم الفرادة والخصوصية التي تتميز بها كل لحظة من لحظات الزمن الراهن بالنسبة إلى كل واحد منا.

فهل تستطيع الفيزياء وحدها حل هذا المشكل؟

إذا كان الجواب هو نعم، فإن ذلك يعني أنه مازال هناك شيء ينقصها، وأنها غير مكتملة، من حيث أنها لا تمتلك، إلى حد الآن، القدرة على توصيف تجربتنا عن الزمن توصيفاً شمولياً، بألفاظ فيزيائية محضة.

لكن إذا كان مسار الزمن، هو على العكس من ذلك، متوقف على ذاتيتنا البشرية بشكل من الأشكال، وإذا كان وعينا وإدراكنا يلعب دوراً في دينامية الزمن، فإن الأمر سيكون متعلقا بسمة خاصة تتجاوز حدود الفيزياء.

فمن هي هذه العلوم الأخرى التي يتعين الاستعانة بها من أجل المضي بعيداً؟ هل هي علوم الدماغ أم علوم الأعصاب؟

تنظيف الوضعية اللغوية

تمكننا الفيزياء، وهي العلم الذي أصبح ذا فعالية معرفية كبيرة منذ أن تم إدخال الرياضيات عليها وجعلت من الزمن معاملا في معادلاتها، من القيام بعملية «تنظيف للوضعية اللغوية» كما يقول الكاتب الفيلسوف بول فاليري. ومن أجل القيام بهذه العملية يكفي أن نحاول ترجمة ما تحاول أن تقوله المعادلات الأساسية في الفيزياء عن الزمن إذا كان بإمكانها أن تتحدث عنه. لكن يظهر في النهاية نوع من الشك. وهو شك رهيب تجاه الكلمات التي تم التعبير بها عن الثورة النيوتونية.

«الشيء المجهول»

ما الذي كان في إمكانه أن يحدث لو أن نيوتن كان قد اختار أن يطلق على هذا المتغير في معادلاته الفيزيائية اسم «المجهول»؟ هل كان من الممكن التفكير في مساءلة الفيزيائيين حول تصورهم عن الزمن؟ وهكذا ربما كان الفيزيائيون قد اكتفوا بعقد لقاءات مغلقة حول هذا «الشيء المجهول» الذي ظهر في مجال الفيزياء في القرن الثامن عشر، كما قام الفلاسفة، والمؤرخون وعلماء الاجتماع، ورواد التحليل النفسي بمواصلة النقاش حول مقولة الزمن من دون أن يراعوا ما توصل إليه الفيزيائيون من اكتشافات.

اعترافات أوغسطين

الزمن ضحية للمبالغة في استخدام اللغة. يقول القديس أوغسطين في اعترافاته في العصور القديمة: «من أجل أن نقول الزمن أو ننطق به نجد أن لدينا في اللغة عددا قليلا من الجمل الدقيقة ولكن لدينا جملا أكثر غير دقيقة». فتعدد معاني كلمة «زمن» قد توسع بالتدريج عبر القرون، بحيث أصبحت تعني في الوقت نفسه التتالي، والتأني، والمدة، والتغير، والصيرورة، والاستعجال، والانتظار، والإنهاك، والسرعة، والشيخوخة، وأحياناً تأخذ حتى مدلول المال أو الموت.
________
*الاتحاد الثقافي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *