الشارقة عاصمة عالمية للكتاب 2019

«المعرفة خيار إنساني يتجاوز الفنون والآداب، ليكون مساحة من الحوار الأساسي بين العالم العربي بكل ما يكتنزه من تاريخ وتنوع ثقافي، وما يقابله من ثقافات العالم، سواءً الغربية منها، أو الشرقية».. بهذه الكلمات عبّرت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، مؤسس ورئيس جمعية الناشرين الإماراتيين، عن سعادتها باختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019. من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، تقديراً لدورها البارز في دعم الكتاب وتعزيز ثقافة القراءة، وإرساء المعرفة كخيار في حوار الحضارات الإنسانية.
هذا الحوار بين مختلف الثقافات التي تشكل النسيج الإنساني ظل دائماً صفة لازمة لإمارة الشارقة، التي ظلت فعالياتها السنوية، وفي مقدمتها معرض الشارقة الدولي للكتاب، من بين أكثر الأحداث حضوراً وتفاعلاً من قبل النخب الثقافية في المنطقة والعالم، بفضل ذلك الاهتمام المباشر بالثقافة، بجميع مجالاتها وأنواعها، من قبل حاكم الإمارة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الحاكم المثقف، المهتم بتاريخ بتراث وحضارة العالمين العربي والإسلامي.
لذلك لم يكن اختيار «اليونيسكو» للشارقة غريباً، لتكون أول مدينة خليجية تنال لقب العاصمة العالمية للكتاب، والثالثة في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، بعد الإسكندرية عام 2002 وبيروت عام 2009، فلطالما كان هدف المنظمة الدولية المتمثل في تعزيز التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات وثقافة السلام، حاضراً ضمن أجندة الشارقة، فهي تؤمن بأن الكتاب يسهم في تعزيز الحوار الإنساني بين مختلف الشعوب، ومد جسور التواصل الحضاري والتبادل الثقافي لنشر قيم المحبة والسلام.
لذلك قررت اللجنة المكلّفة باختيار «العاصمة العالمية الأقدر على جمع سكانها وزوارها على حب الكتاب، والاحتفاء بما يحمله من أفكار حرة»، في أعقاب اجتماعها بمقر الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات في لاهاي بهولندا، أن تمنح الشارقة هذا اللقب لعام 2019 اعترافاً بالجهود الكبيرة التي تقوم بها الإمارة في مجال نشر ثقافة القراءة على المستوى العربي والدولي، حيث رصدت اللجنة حجم العمل الثقافي الذي تقوم به الإمارة للنهوض بالكتاب ونشر القراءة وتكريس حضورهما لدى جميع أفراد المجتمع من الجنسيات كافة.
الشارقة التي فازت سابقاً بلقبين ثقافيين مهمين، هما عاصمة الثقافة العربية لعام 1998، وعاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2014، تضم اليوم عدداً كبيراً من المؤسسات والجمعيات والهيئات الفاعلة على مستوى النهوض بالمعرفة، ودعم صناعة الكتاب، كما تطلق مؤسسات الإمارة الكثير من الجوائز التقديرية الأدبية والثقافية على المستوى المحلي والعربي والدولي، وهذه الجهات والجوائز تشكل مع بعضها البعض حالة عربية مشهود له، بإسهاماتها الفاعلة في تشجيع الحوار من خلال الكلمة المقروءة.
وبالعودة إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب، فقد ظل هذا المعرض منذ انطلاقته في عام 1982، حدثاً سنوياً يفتح أبواب الحرية الفكرية المجردة من كل قيود، إذ يُسجل للمعرض على مدى دوراته الـ35 الماضية، أنه لم يمنع أي كتاب، فهو – وفقاً لأحمد العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب المشرفة عليه – يحارب «الفكر الظلامي بالفكر المستنير»، مبرراً ذلك بأن «أفضل وسيلة لمحاربة الكتب التي قد تحتوي على أفكار هدامة أو ظلامية هو أن لا تمنعها، لأن المنع يدفع الناس للتهافت عليها والبحث عنها».
لذلك حرصت هذه «الإمارة الباسمة»، كما تعرف على المستوى الشعبي لحفاوتها في استقبال زوارها، على جعل الكتاب محوراً للحياة فيها، فنظمت المعارض والمهرجانات، ونفذت المشاريع والمبادرات، التي تعزز جميعها من فعل القراءة وتزيد من انتشاره بين جميع فئات المجتمع، بل خصصت للصغار حدثاً تحت اسم «مهرجان الشارقة القرائي للطفل»، ينظم سنوياً أكثر من 2000 فعالية، ويستقطب ما يتجاوز الـ300 ألف زائر، ويتيح للصغار، بطرق تفاعلية ومبتكرة، التعرف على الحكايات والقصص المشتركة في الثقافات الأخرى.
أما «ثقافة بلا حدود»، فهي مبادرة أخرى غير مسبوقة عربياً انطلقت من الشارقة، وتمثلت بتوزيع 42 ألف مكتبة مجانية على الأسر الإماراتية، ضمت كل واحدة منها 50 كتاباً جزء منها مترجم عن لغات أخرى، ليتجاوز إجمالي ما وزعته هذه المبادرة في غضون أعوام قليلة 2.1 مليون كتاب. فيما حصلت خمسة آلاف سيدة من أولئك اللاتي ينتظرن مولودهن الأول، على مجموعة متنوعة تناسب الصغار في أشهرهم وأعوامهم الأولى، ضمن مبادرة «كتاب الأول» الرامية إلى غرس عادة القراءة لدى الأطفال وربطهم بالكتاب منذ الولادة.
وإذا كان الكتاب بحاجة إلى «وسيط» لتمكينه من تحقيق هدفه في تعزيز الحوار بين مختلف الثقافات، أطلقت الإمارة في عام 2011 صندوق منحة معرض الشارقة الدولي للكتاب للترجمة والحقوق، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 300 ألف دولار أميركي سنوياً، ويقدم هذا الصندوق منحاً مالية للناشرين حول العالم لمساعدتهم على ترجمة أبرز إصداراتهم إلى لغات أخرى، وتتراوح قيمة المنحة الواحدة بين 1500 – 4000 دولار أميركي تغطي تكلفة ترجمة الكتاب، كلياً أو جزئياً. وقد أسهم هذه الصندوق في ترجمة مئات الكتب التي أثرت الثقافة العالمية.
إلى جانب ذلك، ومع عدد لا حصر له من المشاريع والمبادرات والجوائز التي تطلقها، تستعد الإمارة لافتتاح المرحلة الأولى من مدينة الشارقة للنشر – الأولى من نوعها في العالم، التي ستكون وجهة لجميع العاملين في صناعة الكتاب، تأليفاً وتحريراً وتدقيقاً وترجمة وإخراجاً ونشراً وتوزيعاً، إضافة إلى جائزة اتصالات لكتاب الطفل – أكبر جائزة لأدب الأطفال في العالم، والتي يشرف عليها المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، مستهدفاً منها تكريم مؤلفي ورسامي وناشرين كتب الأطفال واليافعين في العالم العربي.
هذا الحراك الفاعل على الساحة الثقافية والمعرفية، يبشر بأن احتفالات «الشارقة العاصمة العالمية للكتاب» التي ستنطلق في 23 أبريل (نيسان) 2019، بالتزامن مع اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، وستتواصل على مدار عام كامل، ستكون حدثاً بارزاً لكل من يرغب في اكتشاف متعة القراءة، والاستمتاع بالعالم الكبير والواسع للكتب وما يحيط بها، سعياً من الشارقة، إلى التأسيس لأجيال من القراء، والمؤلفين، والناشرين، الذين سيسهمون في إرساء دعائم سلام يحتاجه العرب قبل غيرهم.

______
*الشرق الاوسط

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *