الشعوب تحتفظ بذاكرة حية لفنونها وعلومها ونحن إذ نستذكر هؤلاء من كتبتهم آلهة الفنون والإلهام “منيموزين ” آلهة الفنون والشعر والعلوم عند الإغريق . في سفر الجمال والخلود , نستقي أفكارهم الخالدة .
“بعد بضعة أيام مست الشفقة على هذا الجنس البائس قلب حاميات الفنون ,إنهن طيبات وإن كن يغضبن أحيانا على الخبثاء فهبطت “منيموزين “إلى مساكن اولئك الأضداد الذين تجرأوا على اهانتها وخاطبتهم بهذه الكلمات :”أيها الحمقى لقد عفوت عنكم ولكن لا تنسوا أنه لا ذاكرة بلا حواس ولا عقل بلا ذاكرة ”
(1)
من فلسفة فولتير لواقعية غوغول وتولستوي .
في قصص قصيرة لفولتير (1694_1778 ) قصة “ممنون “مثلا
الباحث عن الحكمة البشرية الكاملة والتي أدت به إلى فقدان كل شيء.
“ممنون” يخاطب الملاك مستفسرا منه عن الحكمة .
“_ أهو أمر من المستحيل الوصول إليه ؟
الملاك _ كما أنه مستحيل أن تكون كاملا في المهارة والقوة والسلطان والسعادة ,فما أبعدنا عن ذلك .هناك كوكب توجد فيه الأشياء على كمالها في المئة ألف مليون من الأكوان المتناثرة في الفضاء كل شيء يتدرج بالترتيب .فتنقص الحكمة والسعادة من الكون الثاني عن الأول ,وهي في الكون الثالث أنقص منها في الثاني ..وهكذا بقية الكون ,حتى الأخير حيث كل سكانه من المجانين الخالصي الجنون .
ممنون _ خوفي أن يكون كوكبنا الأرضي هو بالضبط هذا العالم الأخير الذي شرفتني بالحديث عنه ”
“ممنون ” الذي كان يطمح أن يكون حكيما فقد كل شيء , ماله وعينه وكرامته .”ممنون الذي زهد في النساء صباحا وفي لذيذ الطعام والقمار ,وترفع عن كل خصومة وخاصة خصومات البلاط _وجد نفسه قبل حلول الظلام وقد خدعته وسرقته امرأة جميلة ,وسكر وقامر وتخاصم وفقأ عينه واختلف إلى البلاط حيث هزئ به وأهين ”
(2)
معطف غوغل الواقعية المؤلمة .
في قصة المعطف للكاتب الروائي الروسي نيقولاي غوغول .والتي تظهر مدى المأساة البشرية المتمثلة بالفقد وسطوة الآخر . فهل من المهم أن لا نقترب من الآخر (الجلاد )؟ هل يتركنا ؟,وإذا ايترك فرصته للانقضاض على هذه (الضحية) ؟. هذا ما حصل في قصة المعطف .”أكاكي أكاكيفتش” الموظف البسيط الذي يتمزق معطفه فلا يجد معطفا جديدا إلا بصعوبة يرتدي المعطف الجديد بفرح وزهو وكأنه مولود من جديد ,لكنه لم يكد يلبسه حتى يُسرق منه وليفقد حياته حزنا ومرضا بسبب المعطف المفقود .أكاكي الذي عانى الكثير ليحظى بهذا المعطف بعد تمزق معطفه وعدم أمكانية ترقيعه أخيرا .”وبعد قيامه بإجراء فحص شامل عليه في البيت ,تبين له أنه في موضعين أو ثلاثة مواضع _على وجه الدقة ,على الظهر وحول الكتفين _أصبح شبيها الآن بقطعة قماش جبن سميكة بليت لدرجة النعومة ,وغدت شفافة تقريبا وتمزقت البطانة إلى عدة قطع “……. فهناك حقا شيء مثير للاستغراب فيما يتعلق بالطريقة التي صنع بها المعطف .فبمرور السنين تقلصت الياقة شيئا فشيئا ,لأن قماشها كان يستخدم لترقيع أجزاء أخرى من المعطف .” هكذا كان حال معطفه القديم .
(3)
سيمون صانع الأحذية يخرج من معطف غوغول في “بمن يعيش الناس ”
ينحى ليو تولستوي المنحى نفسه في كتابة القصة القصيرة “بمَ يعيش الناس ” يبحث بطل القصة عن غطاء يلتحف به هو وزوجه يقيه البرد “”لم يكن لذلك الشيخ وزوجه إلا غطاء جلدي يتقاسمانه سويا ,ليدفع عنهما قرّ الشتاء ,ولقد استنهرت فتوق ذلك الغطاء فكان هذا هو العام الثاني الذي احتاجا فيه إلى شراء غطاء آخر ,لذلك خرج “سيمون ” متوكئا على عصاه موليا وجهه شطر القرية ,حيث يمكنه أن يجمع من بعض القرويين ما هم مدينون به من النقود فوفى له بعضهم ,وأمهله البعض ,ونقده أحدهم عشرين كوبكا ,فلم يكن ذلك المبلغ كافيا بشراء الغطاء ” نقد الواقع الاجتماعي بكل صدق لكن بشكل فني وجمالي .