*أمير تاج السر
«الرئيس فقد»، أو «الرئيس ضاع»، هي الرواية الأولى للكاتب الروائي الأمريكي الجديد، بيل كلينتون، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، التي كتبها بالاشتراك مع الروائي جيمس باترسون، وستصدر في يونيو/حزيران المقبل، عن واحدة من كبريات دور النشر الأمريكية، ويُتوقع لها نجاح كبــــير، خاصة أن لدى كلينتون بالتأكيد ما يمكن أن يقوله أدبيا، وأن كاتبا بحجم باترسون، شارك في الكتابة، وربما في التحرير أيضا.
كلينتون لديه ما يقوله، هذا أكيد، وقد عمل رئيسا لأمريكا لولايتين طويلتين، عاصر فيهما أحداثا جسيمة، بعضها غيّر مجرى التاريخ، واضطلع بأعباء كثيرة في بلاده والعالم، ولديه من التجارب الخاصة والعامة ما يمكن أن يعبئ عشرات الكتب، وهو أيضا قارئ للأدب ومحب له، كما هو معروف، رغم أوقات فراغه الضيقة، وسبق أن كتب سيرة ذاتية، تعرض فيها إلى بعض جوانب حياته، وبعض خفايا البيت الأبيض، لكنها المرة الأولى التي يكتب فيها عملا أدبيا خالصا، أي عملا يمزج بين الواقع والخيال، كما يفترض، له حبكة معقولة، وتشويق وشد للقارئ، ونهاية مثيرة وغامضة.
هذه هي القواعد الكلاسيكية لكتابة الرواية، ولا بد لأي عمل يطمح أن ينجح أن يسير على هديها، ولا مانع بالطبع من التجريب، ومحاولة ابتكار قواعد جديدة، خاصة لدى الكتاب المخضرمين، ممن امتلكوا بصمة كتابية، وأسماء تتيح لهم التنزه في الكتابة باسترخاء تام.
إذن نحن نتوقع رواية يكتبها رئيس، ويكون عنوانها فيه رئيس، ألا تكتفي بالخيال فقط، ولا يغلب حتى على متنها، ولكن في الغالب ستعج بالخبرات الواقعية، وستأتي بشخصيات كثيرة، يكون معظمها حقيقيا، أو شبه حقيقي، ودائما ما أقول إن الأعمال الكتابية الأولى للمبدعين، لا يمكن أن تحلق في الخيال كثيرا، ليس بسبب عدم وجود أجنحة للتحليق، ولكن بسبب ثقل الوقائع في الذاكرة، تتجه أولا لتملأ رئة الكتابة من هواء الخبرة الأولى، سواء أكانت خبرة الطفولة أو خبرة النضج، خبرة الخير، أو خبرة الشر، وما تبقى من فراغ، يمكن ملؤه بالخيال، وشخصيا لا أملك أي فكرة عن رواية كلينتون، ولا في أي فضاء تدور، والرواية لم تصدر بعد، ولن تصدر هذا العام، وفقط أتوقع أشياء، طالما توقعت مثلها في أعمال أولى لكتاب كثيرين، وكنت من الذين أغوتهم الخبرة الأولى وكتبتها في البدايات.
وشخصيا، لو امتلكت خبرة حاكم مثل كلينتون، لكتبت أشياء كثيرة جدا، وأيضا اخترعت مثلها، فكل ما يمكن أن يكتبه رئيس، حتى لو كان عملا أدبيا، قابل لأن يفسر بواقعية صرفة، تلك الواقعية التي أشرت إليها وسميتها الخبرة الأولى.
أمريكا بلد كبير، ويمتلئ بالمبدعين في كل ضروب الإبداع، وقد قرأنا أدبا أمريكيا كثيرا، بعضه اختص بالمدن الكبرى مثل نيويورك، ولاس فيغاس، وبعضه كتب عن الهامش والأطراف، وأيضا يعتبر الأدب البوليسي أو أدب الجريمة، متقدما جدا وفيه كتاب أفذاذ، منهم باترسون نفسه الذي يشارك كلينتون روايته، وأي كاتب يبدأ مشواره الآن، تواجهه عقبات كثيرة، بدءا من محاولات النشر، بما فيها العثور على وكيل أدبي، ودار نشر مهمة، وانتهاء بمعضلة العثور على قارئ جيد، يهتم بكتابه، وفي تلك البلاد يهتمون كثيرا بالمراجعات التي تسبق نشر الكتاب، بمعنى أن يرسل الكتاب المطبوع، وقبل توزيعه لعدد من الصحافيين العاملين في مجال الثقافة، ليقوم بعمل مراجعة له في صحيفة مهمة، أو مجلة مقروءة، وحين يطرح للبيع بعد ذلك، لا يكون الاسم غريبا، ولا يحتاج ليبحث القارئ في ذاكرته ليعثر عليه، وأظن أن هذه الطريقة تسري على الجميع، مشاهير أو مبتدئين، ولمصلحة الكتاب، وأيضا لأنها تقليد راسخ من تقاليد النشر.
بيل كلينتون، لا يحتاج ليراجع كتابه أحد، بحكم شهرته، بلا شك، ولديه إضافة إلى هذه الرواية، ذلك الكتاب السيري الذي أصدره منذ سنوات، ورسخ به اسمه ككاتب، لكن كتابه رغم ذلك، سيمر عبر تقليد الكتابة الراسخ، وسنقرأ مراجعة له قبل تاريخ صدوره المتوقع.
أعتقد أن اختيار جيمس باترسون أول من باع مليون نسخة من كتاب إلكتروني، حين بدأ النشر الإلكتروني، ليشارك كلينتون تجربته الروائية الأولى، ويوضع اسمه على الغلاف، بحجم الأحرف ذاتها التي وضع بها اسم كلينتون، لم يكن عشوائيا، فهو كاتب مهم وكبير، وله بصمة في الإبداع، خاصة في الأعمال البوليسية التي تمتلئ بالإثارة والتشويق، وتوضع على موقع أمازون، وغيره من مواقع بيع الكتب، تحت باب: أعمال الإثارة، ولذلك حتى لو جاءت رواية «الرئيس فقد»، مملة، فإن باترسون كفيل بتعديل سلوكها وتحويلها إلى عمل مثير، يحتال على القارئ، بمئة حيلة، وقد قال باترسون إن العمل مع بيل كلينتون كان مميزا، فعلا، وأيضا قال كلينتون إن العمل مع جيم، ويقصد باترسون، كان مميزا وجميلا. رواية كلينتون بالتالي مهمة، وأتوقع أن الكثيرين منا ينتظرونها بشوق، لما نتوقعه من بهاراتها، تلك الحقيقية المأخوذة من الخبرة الرئاسية والإنسانية، أو ما قد يكون أضيف لها من خيال، وعلى الرغم من أنها كتبت في سن متأخرة، إلا أن الأمر لم يعد مهما كالسابق، كما أردد دائما، فالرواية أضحت إبداع العصر، والناس عموما في أي عمر، وبأي مستوى تعليمي، وفي كل بلدان الدنيا، إما يكتبونها، وإما ينتظرون فرصة ليكتبوها، وحتى حظها في القراءة، أصبح كبيرا جدا، وقد سرقت قراء الشعر والمسرح، وتوشك أن تسرق الذين يسمعون الموسيقى، حين انتشرت الآن مسألة الكتاب الصوتي، وهو روايات مسموعة، عبر تطبيقات الهواتف الذكية، ولها من يساندها بلا حدود.
«الرئيس فقد»، أو «الرئيس ضاع»، عنوان ليس سلسلا باللغة العربية على الأقل، وفيه بعض المباشرة، حسب رأيي، لكنه أيضا قد يكون عنوانا لواحد من الروايات المقبلة الجذابة.
_______
*القدس العربي