*فيصل عبدالحسن
“وبي أملٌ يأتي ويذهب .. لكن لن أودعهُ”، هكذا اختار الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أن يعبر عن حال الإنسان، حيث لا حياة بلا أمل، رغم انقطاعاته، ورغم غيابه أحيانا لظروف الواقع الصعبة، فإنه يولد في كل مرة كدافع قوي للاستمرار في الحياة.
مَنْ منا لا يحتاج الأمل؟ في كتاب “نحو الأمل” الذي أعدته الكاتبة المغربية زهرة زيراوي إجابات لعدد من الكتاب العرب عن هذا السؤال. إذ حاول كل واحد منهم طرح رؤيته لمفهوم “الأمل” كبنية تأملية، وعملية ديناميكية في الأدب والفن والحياة.
الكتاب الذي أعدَّته الكاتبة زهرة زيراوي، وأصدرته “جمعية ملتقى الفن” بالدار البيضاء مؤخراً باللغتين العربية والفرنسية، شارك فيه عدد هام من الكتاب كعبدالله الفيفي، شاعر وباحث من السعودية، وعدلي الهواري، إعلامي من فلسطين يقيم ببريطانيا، ومصطفى صادوقي، أكاديمي مغربي يقيم في أميركا، إضافة إلى التيجاني بولعوالي، وهو باحث مغربي يقيم ببلجيكا، ومصطفى الحمداوي، باحث من الجزائر مقيم بهولندا.
كما شاركت في الكتاب كذلك الشاعرة السوريّة المقيمة بزيلاندا الجديدة فرات إسبر، والروائي العراقي المقيم بإسبانيا عبدالهادي سعدون، وسيف شمس الدين، باحث عراقي مقيم ببلجيكا، وعطيات عاشق من المغرب، وسميرة رضائي من المغرب.
ضياع في مقبرة
عكست التجلّيات الترحُّل بين وطنين؛ الوطن الأصلي والوطن الثاني المهجر، حيث كان المَلاذ هو العلم والثقافة والفن. الكتاب كانوا أمام معنى جديد “للآن”، لحياة أخرى ترسّخ وعياً جديداً من أجل إعادة إنشاء وجود إنساني آخر. ولم يعد الصلح المشروط بإعادة الموتى للحياة بل بمفهوم الحضارة بعيداً عن الجنس واللون والمكان.
ونشير إلى أنَّ في الكتاب مساهمة للطفلة نور سعداني ذات التسعة أعوام من المغرب. وقد سعت الجمعية لأنْ يكون صوت الأطفال حاضراً في رؤيتهم لما يحدث اليوم في العالم. فصوتهم مملوء بالأمل في أنْ يكون الغد أفضل، وأجمل وأكثر سلاماً، ومحبة للآخر.
كتب الشاعرعبدالله الفيفي من السعودية، مقارباً ما يعيشه العالم من طفرة في عالم الاتصالات إلى استخدامنا في الشرق لهذا التطور، لقتل الأمل “من ألوان الوباء التي تعجُّ بها وسائط التواصل الحديثة من نشر العنف، في صورٍ من صور الإرهاب النفسي والاجتماعي؛ وذلك بنشر مقاطع مروِّعة، ومشاهد فاجعة عبر الفضائيّات، و’اليوتيوب’، و’الفيس بوك’، و’الواتساب’ وبخاصَّة في عالمنا العربي المتخلِّف في كلِّ شأن، الذي لا يستعمل التقنية إلَّا في نشر المُلهيات والشرور”.
وكتب عبدالهادي سعدون عن ضياع بطل حكايته في مقبرة حضر إليها، لدفن عراقي مهاجر عبر البحر، فوصل إلى إسبانيا. وأقام في كمب للمهاجرين السريين، ومرض بعد شهور قليلة من وصوله ومات.
الراوي قطع علاقاته بالوطن الأصلي. وابتعد عن مواطني بلده في المهجر، وألغى حتى متابعة أخبار وطنه في التلفزيون بل ترك عادة متابعة التلفزيون.
هذا البطل اللامنتمي وجد نفسه يضيع في مقبرة، وهي دلالة لما عاشه في غربته. فهو لم يصنع الأمل بمغادرته وطنه الأصلي بل سكن الماضي، بالرغم من حرصه على تجنبه في العلن، لكنه عاش داخله، ولم يغادره. لا أمل لديه، وجوهر حياته الضياع، وإنْ جاء الضياع رمزياً “ضياع في مقبرة شاسعة”.

ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!