تعدّدت تجربة الفنان الفلسطيني فلاديمير تماري (1942 – 2017) الذي رحل أمس الإثنين بعد صراع طويل مع المرض، بين البحث العلمي في الفيزياء والرياضيات والتشكيل والتصميم والخط، وكان انتماؤه إلى فلسطين والثقافة العربية حاضراً في معظم أعماله، وهو الذي أقام في اليابان قرابة خمسة عقود.
ولد تماري في القدس لأسرة فلسطينية من مدينة يافا تهجّرت منها عام 1948 وهو في السادسة من عمره. نشأ فلاديمير في رام الله حيث استقرت الأسرة بعد النكبة وفي القدس، حيث كان مجايلاً وصديقاً للتشكيليين المقدسيين كمال بُلاطه وسري خوري والسينمائي هاني جوهرية الذي عمل تماري معه في مجموعة من مشاريعه السينمائية. غادر بعدها تماري إلى لبنان حيث درس الفيزياء في “الجامعة الأميركية”، والفن في مدرسة “سانت مارتين” في لندن.
اهتم الفنان باكراً بتصميم حرف طباعي أسماه “القدس” وتأليف أبحاث حول الخط المطبعي وتطوير الحرف العربي، وقدّم فيلماً وثائقياً عن مدينته بعد هزيمة حزيران 1967، وشارك في إخراج أفلام أخرى عن اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، كما صمّم شعار “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” إلى جانب الرسم حيث قدّم العديد من اللوحات الواقعية حينها وعرضها أثناء إقامته في بيروت.
عند الاحتلال الثاني عام 1967 كان تماري في بيروت، حيث وجد نفسه غير قادر على العودة إلى وطنه. وفي عام 1970 هاجر إلى طوكيو، حيث درّس في جامعاتها وأقام هناك إلى يوم رحيله، وحصل على العديد من براءات الاختراع جاوزت خمسة عشر نموذجاً، وانكب في الوقت نفسه يدرس تاريخ اليابان محاولاً مزج عناصر ثقافاتها مع مشروعه البصري، وقد أصدر في تلك الفترة كتاباً بعنوان “صور فوتوغرافية عن مذبحة صبرا وشاتيلا”، ومقالات عديدة حول فلسطين والفن، وكان يرى الرسم بوصفه أداة للتعلّم وخلق الوعي والحفاظ على الذاكرة.
نزعت أعمال تماري التشكيلية نحو التعبيرية ببعد تجريدي، وأحياناً سوريالي، مع إدخال للشكل الهندسي والخطوط والاشتغال على حركتها وإيقاعاتها اللونية، حيث تظهر عناصر الطبيعة والرموز المستوحاة من التراث الفلسطيني، في تجارب عديدة غلب عليها استخدامه للألوان المائية لإظهار التباين الضوئي وتناقضات الكتل في لوحته، وكذلك في أعماله الفوتوغرافية التي قدّم آخرها عام 2015.
______
*العرب الجديد