أكاذيب

خاص- ثقافات

*منجي العمري

سنحتاج حتما بعض الأكاذيب لنجعل آلامنا عذبة كالأمل واسعة كاقتراب الأجل.

صدقتَ، حين تذكرت أن الخيال لا يستطيع البقاء دون أراجيف، صدقت فالكبرياء لا يتحمّل كثيرا من سطوة الحقّ حين تعاوده أزمنة الانكسار ولا تستطيع الحكايا أن تستمر في الانسجام محبوكة السرد دون كذب. لذلك سيحدث بعد قليل، بعد انقشاع الغشاوة وقبل اكتمال السند، كلام عجيب. كلام يولّد من بقايا الهزيمة أكذوبة يحوّلها السرد من صدأ الوقت إلى ألق الأساطير  فيرسلها مثلا للقصائد ويفضح كلّ شيء عند أوّل هدنة لاحتدام الخيال..

أكان على المرء حتما أن يستعيد مصائره من الذكريات؟ أكان على الذكريات أن تتلون بلون المصير الجديد لتقنعنا بزرقة تلك السماء وصفرة هذا الضمأ؟ لماذا تصر الحكايا على تزويق أحلامنا بالأساطير؟  نعم نحتاج غالبا إلى الأساطير لنلمّع أخطاءنا ببعض الكذب لنجعلها ساطعة كانبعاث الدخان مسطّحة كبقايا البراكين، فتبدو خواتمها هامدة مثل ماذا؟ مثل بصر خافت يودّع خيطا رفيعا في وميض الشهب.

أيّها الساكن في أوّل الحكي مثل التوازن أيها المستوطن في باحة القصّة العاتية شبه بطل أتعلم، ألمي كان أسطورة قادمة تفرّق دمها في المصائر، ألمي كان أسطورة لها ما عليك، أن تكون عجيبا وأن تستعيد التفاصيل صادقة منمّقة بالكذب. احتفظْ بها كأيقونة بالية مضمخة بالمعاني كحيطان تلك القلاع القديمة كصور شمسية شاحبة كالظلال.

سيشعرك التجوال في الظلّ بالفخر لكنّك حين تعلم أنّ مشاعرك الصادقة تلزمها الأساطير  لتنمو سريعا ستشعر بالغبن، لا يهمّ ستبحث في أزقّتها عن مبرّر للحياد فلا تكن زمن الانتهاء من الحكي عابئا بالحقائق والأزمنة، ستستلهم من زخارفها أمنية عائليّة غالبا ما تعجز عن صياغتها في قصيد.

________

كاتب من تونس يشتغل أستاذا بجامعة القيروان*

متحصل على الدكتورا في اختصاص اللسانيات من جامعة منوبة

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *