الأدب العربي والمصطلحات الهجينة في وزارة الثقافة

*زليخة أبو ريشة

وجّهت مديريّة الثقافة (التابعة لوزارة الثقافة) في مدينة الزرقاء دعوةً لحضور أمسيةٍ شعريّةٍ بعنوان “ملتقى الشعر عبر العصور الإسلاميّة”، وذلك في مبنى فرع رابطة الكتاب في الزرقاء. وقد لفتني العنوانُ وجعلني أتأمّلُ فيه؛ فمنذ متى نحنُ، مؤرخي الأدب العربي، نسمّي عصورَ الأدب العربي بـ”العصور الإسلاميّة”؟ بل ما الذي يجعلنا أن نسمّي عصور التاريخ العربي، منذ حدوث الإسلام، بأنّها عصور إسلاميّة؟ وأينَ نذهب بمطلع البشريّة في منطقتنا، مروراً بحضاراتها، ووصولاً إلى العصر الحديث؟
في نقاشٍ سريع على الفيسبوك مع إحدى منظمات الحفل قالت جواباً على استنكاري التسمية: “حكم الدولة الإسلامية القائم على دستور ديني لا يمكن إنكاره. واستمر قروناً يا صديقتي” .  وهو كلامٌ يردّدهُ من يقولُ بالدولةِ الإسلاميّة اليوم، من الإخوان المسلمين والسلفيّة بأطيافها الجهاديّة والتكفيريّة. فالحكمُ باسمِ دولة الخلافة هو حلمُ هذه الفئات من الإسلام السياسيّ، وهو حلمٌ تسلّلَ إلى تفكيرِ فئاتٍ من الناسِ ليست ملتحقةً بالضرورةِ بالإسلام السياسي، ولكنّها تلوّثت بأفكاره، عبرَ غزيرٍ من خطابه الذي يحتلُّ المنابرَ كافّةً. وهذه قضيّةٌ منتهٍ نقاشُها؛ حيثُ لم يعرف التاريخُ العربيّ يوماً “دولةً إسلاميّةً”، كما يتصوّرُ أصحابُ هذا المنطق. فمفهوم “الدولة” برمّته مفهومٌ حديثٌ أتت به العلمانيّةُ الأوروبيّة. وإلى ذلك فإنه لا يمكنُ تحتَ أيِّ ذريعةٍ أن نسمّيَ حكماً قائماً على الوراثة وقتلِ الإخوةِ والآباء والأزواج والأبناء لضمان استمرار حكم الفرد المطلق الطاغية، بأنّه حكمٌ إسلاميٌّ، إلا إذا كان هذا تصوّرَنا عن الإسلام، والعياذُ بالله!!!
من جهةٍ أخرى، أرجو أن لا نكون قد بدأنا عهداً جديداً في وزارة الثقافة قائماً على إعادة قراءة التاريخ العربي، بمحوِ عروبته المنتسبة إلى اللغة العربيّة لا إلى العرق، وإعادة تسمية تاريخ الأدب العربي بأنّه تاريخٌ للأدبِ الإسلامي؛ فذلكَ تسلُّلٌ إخوانيٌّ وسلفيٌّ إلى حياةِ الأدبِ وإلى التاريخِ، هدفُه محوُ هذا التاريخِ ومحوُ هذا الأدب، وإعادةُ صياغته بما يُرضي نوازع أيديولوجية تسعى إلى أسلمة التاريخ والأدب، كما أسلمة العلوم الإنسانية والعلوم البحتة والتطبيقيّة. وهي نوازعُ تتسلّلُ باسمِ الدينِ لتُحكِمَ السيطرةَ على الأفهامِ والعقولِ، وتمريرِ أجنداتٍ سياسيّةٍ لبلوغِ ما يسمى بـ”دولة الخلافة الإسلاميّة”!! كما أنّه من الغريب جدّاً أن لا يُسمّى الملتقى بـ”ملتقى الشعر العربي”! وهذا يوضّحُ أن هناك نيّةً مبيّتةً تنتمي إلى هذه الأيدولوجيا الفاتكة بمجتمعاتنا!!
إن الأدبَ العربيّ والشعرَ العربيّ قد اتّخذا هذه الصفةَ لأنهما مكتوبان باللغة العربيّة. ولا توجد لغةٌ “إسلاميّة” حتى ننسبهما إليها. وكلُّ محاولةٍ لتلبيس الأدب العربي والشعر العربيّ بمسوحٍ غير عربيّة إنما هي محاولاتٌ فجّةٌ وخبيثةٌ للعبثِ بتاريخ الأدب العربي وبحقيقةِ الشعر العربيّ.
وعليه، فإنَّ وزارةَ الثقافة الأردنيّة مسؤولةٌ أمام علماء الأردن ونقّاد الأدب وكل مشتغل ومشتغلةٍ بتاريخ العرب، وأمام أدبائه وشعرائه وأمام الشعب الأردني بتنوعه وتعدّد ألوانه، أن تفسّرَ لنا كيفَ بإمكانها أن تتصدى للإرهاب الإسلاموي وثقافته القائم على فكرة إقامة دولة الخلافة، من دون التنبّه إلى هذه التسللات المريبة إلى خطابنا الأدبيّ الرسميّ، والتي تريدُ لثقافة الأردن أن تنصبغَ بصبغةٍ مستوردةٍ، صُنِعَتْ وأُعِدَّت في مختبرات السلفية والإخوان؟؟
ننتظر الجواب مع الأمل!
_____
*الغد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *