دمى تطفو على الماء

خاص- ثقافات

*عائشة بورجيلة

 

أريد أن ألعب..

وهم لا يدعونني وشأني..يقولون إنها ماتت..وأنا أعلم أنهم يكذبون..أمّ وفاء هي التي ماتت..تذكروها فجأة..ولذلك يبكون..

غريب أمرهم..أخبرهم بذلك؛أقول لهم إن أمّ وفاء ماتت فيبكون،ويكرِّرون نفس الكلام..

أنا أعرفهم وأعرف أسماء..أسماء صديقتي..لا تكذب..قالت لي إنّها في المستشفى..تأخّرت قليلا،ولكنّها ستأتي..اليوم..غدا..بعد غد..في يوم من الأيّام ستأتي؛وساعتها سأخبرها بما قالوه عنها..

سآخذها في حضني/ستأخذني في حضنها،وتربّت على كتفي،وتمشط شعري،وتقبّلني في فمي قبل أن أذهب إلى المدرسة..

عمّتي أيضا تمشط شعري..وأحيانا جدّتي تفعل مثلها..لكنّهما ليستا مثل أمّي..

أمّي تفرح وهي تمشط شعري..تفرح وهي تجمع حقيبتي..تفرح وهي تعدّ لي *الكسكروط* وتضعه في جيب المحفظة..تفرح وهي تقرأ معي الحرف والكلمة،وتسطر لي أوراق الدّفتر حتّى أكتب..

أمّا هما فحزينتان دائما..تضعان أمامي أكلا ولا تلمسانه..هما لا تأكلان أبدا..

لا تأكلان أمامي ولا معي،وأنا أريد أن آكل وأنا ألعب..أريد أن آكل كما تؤاكلني أمّي:واحدة لها..واحدة لي..وهكذا..هذه الأشياء لا تعرفها غير أمّي..لذلك أريدها أن تأتي..

ويا أمي،سنأخذ حاجياتنا كلّها..لن نترك لهما شيئا،لا الفواكه التي اشتراها أبي،ولا فراشنا الذي بعثرتاه ما بين منزل جدّتي ومنزلنا..ومنزلنا-يا أمّي-تسرّب إليه المطر،تسلّل من النّوافذ،وبلّل أشياء كثيرة،بلّل دُماي التي اشتريتِها،وكذا ملابسها..

ودماي – يا أمّي – كانت تبكي..كانت تطفو على الماء،وتبكي..أخبرتهما لكنّهما لم تكترثا،وأنا وحدي حملتها إلى السطح..حملت دماي الباكية المبلّلة إلى السطح،عندما توقّف المطر..أردت أن أنشّفها تحت أشعّة الشمس..

ولكنّها لم تنشف بعد..عاد المطر..تركتها هناك بجوار ملابسك..

وملابسك ما تزال هناك يا أمّي..عودي لتأخذي ملابسك وتهتمّي بدماي..

فعمّتي الغبيّة كلّما حدّتثها عنها سمعتها تحدّث الأمطار:

-أيّتها الأمطار رفقا بمن هم تحت التراب،رفقا بالأمّ الت لم تشبع بعد من كلمة ماما.

رفقا بالطّفلة التي لم تشبع بعد من كلمة ماما.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *