رسائل بورخس لستيلا كانتو:أحاول الكتابة ونادرًا ما أنجح

*ترجمة: أحمد عبد اللطيف

تحاول هذه الرسائل أن تكشف عن وجه غير معروف للكاتب الأرجنتيني الشهير خورخي لويس بورخس، وهو يختلف عن وجه الكاتب الجاد، إذ يظهر هنا بورخس العاشق. يمكن أن نقول إن الكاتبة الأرجنتينية ستيلا كانتو، التي يوجه إليها هذه الرسائل، هي المرأة التي أحبها بورخس بكل قوة وطلب منها الزواج دون تردد، عكس رغبة أمه التي اعترضت، لكن الزواج لم يحدث أبدًا، رغم استمرار علاقتهما سنوات تلتها قطيعة سنوات أخرى طويلة، ثم عادا صديقين.
بالإضافة للكتابة، عملت كانتو مترجمة وناقدة، وتعاونت مع مجلة “أنالس” و”سور”. ومن أبرز كتبها “السور الرخامي” “الرسمة والصورة” “الآخرون، الأقنعة” وأخيرًا كتابها “بورخس تحت الضوء”.
هنا بعض هذه الرسائل التي أرسلها إليها بورخس:

1)

اليوم، الجمعة، 18

عزيزتي ستيلا:

 لا أعرف متى ستقرأين هذه السطور، ولا أعرف إن كنتِ هنا أم في أوروجواي. أعتقد أنني سأتخلى هذا العام عن إجازات أخرى كان يجب أن أقضيها في “أدروجيه” (حيث يعملون على تأسيس مدرسة). أنا غارق في العديد من المهام: كتابة مقدمة لـ “روايات نموذجية” ومقدمة أخرى لـ”الفردوس المفقود”، ومقدمة ثالثة لكتاب إمرسون، بالإضافة لقصة لكتاب أنطولوجي لي سترسمه إليزابيث وريد، وقراءة لأربعة كتب مرشحة لجائزة الدولة في الفلسفة. وقراءة العديد من الأعمال المسرحية المقدمة في جائزة، وكذلك كتابة العديد من عروض الكتب وأغلفة الكتب والأخبار.

 يا ستيلا، لم أشعر أبدًا أني قريب منك هكذا، الآن بت أتخيلك وأفكر كثيرًا فيك، لكن ذلك يحدث وأنا أعطيكِ ظهري أو جانب وجهي. وبعيدًا عن لقاءاتي مع بيوي لا أرى أحدًا. أتمنى لك السعادة.

خورخي

2)

الأحد، الساعة الثالثة

عزيزتي، البعيدة ومن لا أنساها، ستيلا:

 لم أجد ورقًا آخر لخطاب في “لاس نوبيس” إلا هذه الورقة المختومة بشعار “Denver”، حيث ولد بوفالو بيل (بحسب ما أطلعني إنريكي أموريم الذي يطلق اسمك أو اسم دورانتي أو افيلانتال من حين لآخر ليختبر رد فعلي). ذهبنا في وابور حتى محطة “كونثيبثيون”، ومن هناك ركبنا قطارًا ومررنا بسهول أرض حمراء بها خيول ونخيل سامق حتى بلغنا “كونكورديا”، ومن “كونكورديا” وصلنا”سالتو” بـ لانش. وبشرود شاهدت عدة بيوت محتها بفظاظة ذكريات عنيفة عن زاوية ابتسامتك، عن نبرة صوتك وأنتِ تقولين Georgie، عن ناصية بـ “لوماس” أو “لا بلاتا”، عن تحذيرات المناضد ببارات “كونستيتوثيون”، عن ساعتي في محفظتي، عن أصابعي تتحسس الورق. أن أفكر أني بعد أسبوع (وربما قبل ذلك) سنلتقي مرة أخرى يبدو لي حدثًا سعيدًا بعنف؛ أن أفكر أني مضطر لأنتظر عدة أيام يبدو لي غير محتمل. هذا الصباح (انظري كم أنا اقتصادي) قرأت، أمام قفص بومة في حديقة، الشطور الأولى من Sudden Light. (قولي لـ أدولفيتو إني عثرت على نسخة من “الجاوتشيون الثلاثة الشرقيون” لـ أنطونيو لوسيش، وهو رجل كما يقولون أقام فنارة ليقوضها في الوقت المناسب ويكتشف الغرقى).

 حبي الغالي: تعرفين أني أحبك بلا قطيعة وأحتاج إليكِ.

Georgie

3)

عزيزتي ستيلا:

 خطاباتك تحرك مشاعري بقوة، وأريد أن أبقى معكِ، أريد أن أعرفك وأنا بجوارك. العالم (بشكل طبوغرافي) يسير على ما يرام: خلال هذا العام سيظهر كتابي “كيبيدو”، أما “الحجر القمري” فربما يصدر، بحسب ما أكدوا لي، في أي يوم من الأسبوع القادم.

أنتظر واقفًا ملاحظاتك.

“ريجنيديف” سيسافر لأوروبا. ما يعني أني سآخذ راحتي أكثر في “لوس أناليس”.

متى ستأتين؟

حضن كبير.

Georgie

4)

الخميس، 28

عزيزتي ستيلا

سعدت جدًا بخطابك الذي يشبه صوتك. أنا غارق في مهام كثيرة كلها مرتبطة بالأدب: السابع، الدائرة، الباب العاجي (هذا الترتيب قد يبدو شعريًا، لكنه سريعًا ما يتهاوى) والآن تأتي مجلة “لوس آنالس دي بوينوس آيرس” التي سأتولى إدارتها.

التقيت هذا الصباح بـ باتريثيو في “كونستيتوثيون”، ووعدني بإرسال بعض المقالات. أتمنى أيضًا أن تتعاوني معنا. لا بد أن مهمة تأسيس مجلة جيدة أمر محفز، غير أن ذلك لا يخلو من عقبات في مدينة مثل بوينوس آيرس الفقيرة. أنشطتي تفضحني. جدير أن أحكي لك: في الأيام الماضية تكلم شخص، ستخمنينه، عن استحقاقك لتكريم أدبي ومن المجلس المحلي.

أحاول أن أكتب ولا أنجح إلا نادرًا.

وفي إحدى المحطات تحت الأرض أشاهد صورة لـ دوروثي لامور، وفي اللحظة ألتفت للشبه بينكما.

أنا غائب دائمًا، لكني حبيبك.

خورخي لويس بورخس

5)

عزيزتي ستيلا:

    ليلة أمس، بينما كنت أتعشى وأعمل في موضوع بيوي كاسارس تخيلتك طول الوقت. وعندما عدت للبيت كانت رسالتك فوق المنضدة. مقالك حول Twelve against the Gods ممتاز جدًا، رغم أنه غير منصف؛ وسينشر في العدد الخامس لمجلة أنالس، (العدد الرابع صدر بالأمس بمقالين لباتريثيو). كتبت كلمة “طبوغرافي” لأن خارج ما يرتبط بهذا الظرف لست متأكدًا منه. (يومان بلا طعم ورعشات تآمرت عليّ).

أتمنى أن تعودي سريعًا، يا ستيلا. بالمناسبة، انبهر بيرو وآيالا بمقالك عن كيسيل. حتى القلم الذي أكتب به عاجز عن التعبير.

أحبك جدًا

Georgie

6)

الأحد، 19

عزيزتي ستيلا:

    أنا شديد الامتنان لخطابك. كل ظهيرة، تتطور “المكان هو الآخرون جميعهم”، لكنها لا تصل إلى نهايتها، إذ تتفرع مثل خطوات السلحفاة. (ذات يوم سنتحدث في ذلك، لأنه أحد موضوعين أو ثلاثة يخصونني). سأثمّن جدًا لو ساعدتني بتفصيلة محددة لا يمكن الاستغناء عنها ولم أكتشفها. لقد كتبت 14 صفحة بخط صغير جدًا.

لا أعرف ماذا يحدث لـ بوينوس آيرس. إنها مدينة لا تفعل شيئًا سوى الإشارة إليكِ، بشكل غير متناهٍ. “كورينتس”، “لا بايي”، “سان تيلمو”، مدخل النفق (حيث أتمنى أن أنتظرك ذات ظهيرة، وحيث، وأقولها بخجل، أتمنى أن أتمنى أن أنتظرك) كلها أماكن تتذكرك بإشارات خاصة. من ناحية أخرى، نشر ساباتو مقالًا كريمًا جدًا ومضيئًا حول قصتك “الموت والبوصلة”، التي شكر لك فيها من قبل. المقال بعنوان “هندسة الرواية”. ولست متأكدًا إن كان العنوان مصيبًا.

ماذا تكتبين يا ستيلا، وما مشاريعك؟

حبيبك، بفارغ الصبر والحب،

Georgie

_______
*ضفة ثانية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *