الآخرون جحيم أم نعيم؟

*د. حسن مدن

هل حقاً أن الآخرين هم الجحيم كما تذهب إلى ذلك مقولة جان بول سارتر الشهيرة؟ ألا يمكن أن يكونوا، على العكس من ذلك، هم النعيم؟
كيف يمكن للأنا أن تتحقق لولا وجود الآخرين؟ بل لنسأل: أكان يمكن أن تكون هناك «أنا» لو لم يكن هنالك الآخرون؟ أليس الآخرون هم مرآتنا لأنفسنا، من خلالهم نرى ذاتنا، ولولاهم ما كنا سنفطن إلى وجودنا؟ بمعنى أنه لن يكون هناك سبب لأن ندرك وجودنا، طالما لا يوجد آخرون من خلالهم نستطيع أن «نقيس» أو ندرك من نحن.
تُعرف الأمور بالمقارنة، فأنت لا تستطيع أن تحدد ما الكبير أو الصغير وما النبل وما السوء إلا من خلال القياس أو المقارنة، فنحن نقول إن هذا البيت أكبر من البيت الآخر، أو تلك الغرفة أصغر من سواها، ولكن لو حدث أننا ولدنا وحولنا بيت واحد فقط بصرف النظر عن حجمه، فنحن لا نستطيع أن نصف مساحته أو نحددها لأننا لم نر سواه. كذلك هي الحال مع الآخرين.
حسب أحد الكتاب، وهو إيمانويل مونيي، فإن الطفل يدخل في علاقة ألفة مع أول شخص يتعرف إليه، بينما يبقى مندهشاً تجاه الأشياء الجديدة التي يكتشفها، بل إنه يكتشف ذاته أولاً في الغير لا في نفسه، فهو مثلاً يتعرف على الأنف والأذن من خلال أمه قبل أن يتعرف عليها من خلال جسده الخاص، وهو يتعلم من تلقاء ذاته لكن من خلال المواقف التي تستدعيها نظرة الغير: إثارة الانتباه أو الشعور بالحيرة.
هل كانت ستنشأ مشاعر مثل الحب والكراهية، التعايش والخصومة، وما إليهما من ثنائيات ومتناقضات لولا وجود الآخرين؟ بل هل كانت ستكون هناك حروب وغزوات واتفاقيات هدنة وصلح واستسلام لو لم يكن الآخرون موجودين؟
مَن سيحارب مَن؟ ومَن سيتصالح مع مَن؟ مَن سنحب أو نكره إذا لم يكن في الكون آخرون ندخل معهم في علاقات، أو نختبر ما قد يكون معطى لنا من «مشاعر» فطرية؟ وفق هذا الفهم فإن الآخرين هم الجحيم والنعيم في الآن ذاته، بمعنى أن هناك بشراً يمكن أن يكونوا جحيماً بالنسبة لنا، كما يذهب إلى ذلك سارتر، ولا نحسبه، وهو يقول عبارته هذه يوافق على «تعميمها»، فكيف سيكون «نعيم» الفرد ممكناً، إلا بقياسه مع «جحيم» محيطه من البشر، الذي يحتمل وجود من هم غير جحيم أيضاً؟
وهناك بشر قد يمثلون بالنسبة لنا نعيماً، بل لعلهم نعيم الحياة الفعلي، فنحن لا نتمثل ما في الطبيعة حولنا من فتنة وبهاء إلا بهم أو معهم.

madanbahrain@gmail.com

_________

*المصدر: الخليج

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *