*حسن عبدالوارث
اختلف النقاد ودارسو الأدب في تعريف مفهوم السرقة الأدبية، وتضاربت آراؤهم بصدد توصيف وقائعها وتحديد أنواعها ووجوه حدوثها، ثم راحوا يصنفونها إلى نوعين: سرقة أفكار، وسرقة نصوص. غير أنهم اتفقوا على أن السرقة الأدبية جناية بما تعنيه الكلمة، وإذا كانت سرقة الفكرة قد تُراوِغ دون الوقوع في الشَرَك الجنائي، فإن سرقة النص تلبس التهمة – وربما الإدانة – من غير شك.
ولهذه الظاهرة تاريخ ومؤرخون ونقاد ودارسون منذ عهد قديم، ليس عند العرب وحدهم، إنما عند الرومان والإغريق أيضاً، غير أنها في زمننا هذا صارت أكثر شيوعاً، بسبب تسارع ثورة الاتصال.
وبالرغم من وجود القوانين التي تحمي حق الملكية الفكرية في كل بلد تقريباً، إلا أن الإنترنت جعل الأمر مشاعاً، فصار السطو على إبداع الآخرين كالاغتراف من نهرٍ جارٍ أو حنفية ماء سبيل!
برغم أن كثيرين قد اجتهدوا في ملازمة السرقة الأدبية مع حالة توارد الخواطر في عديد من الوقائع، أو ألبسوها مصطلحات ومفاهيم جديدة شتى من «تناص» و«تعالق» وغيرها، إلا أن السرقة الأدبية تظل بَيِّنَة، فيما توارد الخواطر أو «وقع الحافر على الحافر» بَيِّن هو الآخر.
الشاعر والناقد والكاتب الصحفي محمد عبدالوهاب الشيباني يقرأ هذا المشهد من منطلق اعتقاده بأن السرقات الأدبية لم تزل موضوعاً حيوياً داخل الدرس النقدي العربي قديمه وحديثه، وأنه أُنتِجت لهذا الغرض عديد المصطلحات التي تُعيد إخضاع الظاهرة للقراءة والتحليل من زوايا التبرير الليِّن وقليلاً من زوايا الرفض الخشن.
فمصطلح «وقع الحافر على الحافر» – مثالاً – هو المفهوم «الأنعم» لوصف السرقة الأدبية في النقد القديم حلَّ محله لفظ «الانتحال» الذي صار مصطلحاً رائجاً لتتبع السرقات الأدبية في العصر الحديث.
وينظر معظم الدارسين إلى مصطلح «وقع الحافر» – بحسب الشيباني – باعتباره «اشتغالاً نصياً على اشتغالات سابقة، الهدف منه توليد الفكرة من الفكرة سواء في المعنى أو في الصورة، وهو ما يفعله الكاتبون بشكل أوسع دون أن يتهمهم أحد بالسرقة».
ظهر في العصر الحديث مصطلح «التناص» الذي صار يقصد به في سياق النقد الأدبي: وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص، وهو مصطلح صاغته الأديبة وعالمة اللسانيات الفرنسية جوليا كريستيفا للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى.
وهي لا تعني – في رأي الشيباني – تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص ما تضميناته من نصوص أخرى سابقة، بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية، قبل أن يتيح بدوره لمصطلح مُعرَّب أن يزحمه في التعريف المهذب للسرقة الأدبية وهو «التعالق النصي».
لقد أُتهِم عميد الأدب العربي طه حسين وأدباء كبار آخرون مثل محمد مندور وإبراهيم المازني وإبراهيم اليازجي وغيرهم من أعمدة الثقافة العربية الحديثة بالانتحال من غيرهم، وصارت هذه الانتحالات جزءاً من المعارك الأدبية في الثلث الأول من القرن الماضي، قبل أن تصل إلى محطتها الإشكالية في أواخره مع إصدار كتب خاصة بذلك ومنها كتاب كاظم جهاد «أدونيس منتحلاً».
وبحسب الشيباني، لم يقف الأمر عند السرقات الأدبية – شعراً وسرداً وترجمة – بل تعداها إلى البحوث العلمية.