أدريان ريتش… عن وظيفة الشعر

خاص- ثقافات

ماريا بوبوفا/ترجمة : آماليا داود

 

في ليلة صيفية ليس منذ وقت بعيد على سطح أحد منازل بروكلين الماطرة، سألني صديق – صديق لامع يدرس النظام الكوني وينظم الروايات الشعرية الاستثنائية_ سؤالا جَلِيلا وغير محتمل ومخادعا ببساطته  :”ما وظيفة الشعر؟

وتذكرت ما قاله بالدوين:” وحدهم الشعراء من يعلمون حقيقتنا، ولا يعلمها الجنود، ولا رجال الدولة، ولا رجال الدين، ولا مدراء النقابات، الشعراء فقط”، ويعطي الشعر تجاربنا شكلاً من خلال اللغة، بالتالي يمنحها الصلاحية والوقار، ويوسع قدرتنا على التواصل مع إنسانيتنا.

على الرغم من أن الشعر يفعل ذلك، لكن ليس كل الشعر ،ولذلك كنت في حيرة من أمري منذ ذلك الحين.

8th May 1987:  American poet Adrienne Rich gestures and smiles while sitting in an office at W. W. Norton Publishers, 500 Fifth Avenue, New York City.  (Photo by Neal Boenzi/New York Times Co./Getty Images)
8th May 1987: American poet Adrienne Rich gestures and smiles while sitting in an office at W. W. Norton Publishers, 500 Fifth Avenue, New York City. (Photo by Neal Boenzi/New York Times Co./Getty Images)

الجواب أو على الأقل الإجابة وصلت كما تصل الإجابات : في ومضة في منتصف حلم وفي منتصف ذكرى عندما كنت نائمة في ليلة مطمئنة، تذكرت فجأة شيئاً قرأته منذ مدة طويلة.. طويلة لدرجة أنه طرأ عليها مشكلات ترميزية في أعماق عقلي اللاواعي، مقاطع من كتاب “ماذا وجدت هناك:عن الشعر والسياسة”لادريان ريتش(1929-2012) واحدة من أعظم الشعراء وأكثرهم يقظة في القرن الماضي.

بالتحديد بعد ثلاثين عاماً من خطبة جون كينيدي التي قال فيها:”عندما تفسد السلطة،الشعر يطهّر”، وتبحث ريتش عن:” الصراع الطويل والمثير الممتد بين الشعر والسياسة” وكتبت ما يلي:

أن تنظر إلى القصيدة على أنها فعل سياسي مباشر هو أمر خاطئ تماماً كمحاولتك الإعلان عن “إنجازات” تظاهرة احتجاجية أو إضراب“.

[…]

أريد نوعاً من الشعر لا يكلف نفسه عناء الثناء أو لعن القادة أو الأحزاب أو حتى النظام، لكن هذا يكشف أننا داخلياً كذلك ظاهرياً تحت ظروف من اختلال التوازن والاستغلال من قبل السلطة المادية، كيف تأثرت محادثاتنا الخاصة وإدراكنا؟ كيف نمارس الحب في حميمة وفي المعنى الأوسع؟ كيف ( بكل الحواس) نشعر؟ كيف نحاول إيجاد المعنى؟

 

ريتش التي أمضت حياتها في التفكير في علاقة بين الفن والرأسمالية، وكانت أول والشخص الوحيد الذي رفض الميدالية الوطنية للفنون في حركة سياسية للاحتجاج نواقص تلك العلاقة، معتبرة أن هدف الشعر الوحيد وسط ثقافة سطحية منشغلة بوحشية الرأسمالية المتفشية

يمكن للشعر أن يفتح  حجرات مغلقة من الاحتمالات، ويسترجع مناطق مخدرة إلى الشعور، ويعيد شحن الرغبة“.    

[…]

لم أؤمن أبدا أن الشعر هروب من التاريخ ولا أعتقد أنه أكثر أو أقل ضرورة من الطعام والمأوى والصحة والتعليم وظروف العمل المحترمة ، أنه ضرورة.

بينما كل قرار عام يبرر عن طريق ميزان أرباح الشركات يزعزع الشعر هذه الافتراضات البديهية بشكل واضح، ليس من خلال الايدولوجيا بل من خلال وجوده بحد ذاته وطرق وجوده، بتجسيد مراحل الشوق والرغبة.

 

adrienne-rich (1)

مع مراقبة كيف تحولت الثقافة المعاصرة المشاعر إلى سلعة، وتبحث في الاستسلام المأساوي لليأس، وهو مفهوم طوره إيريك فروم في كتابة التدمير الإنساني، وكما دعوة ربيكا سلونيت الواضحة والواقعية لمقاومة الانهزامية لليأس وتكتب ريتش:

نرى اليأس عندما تجتمع اللامبالاة والغطرسة الاجتماعية في نفس الشخص مع الرغبة في العيش بمستويات مدمرة من السطحية والاستهانة بالذات..

عندما لا يكون اليأس رداً على الهزيمة المادية والمعنوية المطلقة، هو مثل الحرب فشل الخَيَال.

من أقوى النقاط التي تتفحصها ريتش هي تجربة المهاجرين والهروب من القهر، وتعتبر الشعر كنقيض للمجاز المثير للجدل في ” الانصهار غير المتجانس” وتكتب:

بالكاد يهم إذا ما هرب الشاعر إلى المنفى، فهو مهاجر داخلي،تطلعَ نحو أوروبا واسيا كأمثلة، وكتب بعناد عن ظروف العمل التي تقوم عليها الثروات، وكتب من عالمه المصغر عن وجوده الخاص، وكتب كأنه مدان أو ارستقراطي، كحبيب أو عدو للإنسان: كل أعمالنا عانت من الخيال الوطني العاجز والتمزق في الخيال الضمني في تاريخنا.

لكن لنقلب الأمر ونتكلم من الجهة الأخرى: في تاريخ من التمزق الروحي عقد اجتماعي مبني على الخيال والأسرار المشتركة، ويصبح الشعر أكثر ضرورة من أي وقت مضى: إنه يحافظ على تدفق المياه الجوفية، إنه صوت السائل الذي يمكنه أن يخترق الحجر.

الشعراء الذين وصلوا إلى هنا حديثاً بالباص أو القارب أو الطيارة أو مشياً على الإقدام أو مختبئين في سيارة من كولومبيا إلى هاييتي من أميركا الوسطى أو روسيا أو أفريقيا وباكستان ومن البوسنة والهرسك من أي مكان أقتلع منه الناس وهربوا إلى أرض الأحرار، الأرض الموعودة المأساوية، هم أيضاً سيتعلمون كل هذا.

لا احد يحب الشعر والحياة يستطيع أن يحسد الأوضاع التي تعرض لها الأوروبيون الشرقيون أو السود في جنوب أفريقيا (    بعض الأمثلة في هذا القرن) حيث كانت كتاباتهم أفعال في وجه الحبس الانفرادي والتعذيب والنفي ، ومنعوا من نشر أو قراءة أعمالهم بصوت عال إلا في السر.

أن تحسد ظروفهم سوف يكون حسداً لمواهبهم وشجاعتهم، والإيمان العنيد بقوة الكلمة وان الاعتقاد تم مشاركته (حتى التأديبي)، وهذا يعني الرغبة في استبدال حالاتهم الطارئة بخاصتنا، كما لو كان يفتقر الشعراء إلى التحدي أو المأزق، هنا في الولايات المتحدة.
____________

-العنوان الأصلي للمقال: ما وظيفة الشعر: أدريان ريتش عن القوة السياسية للشعر ودوره في تجربة المهاجرين

 

المصدر : brainpickings.org

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *