نحو استثمار «الحلم الفردي»

*شريف صالح

أهم ما يميز جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، هو أنها أول جائزة عربية كبيرة تخصص حصراً لفن القصة القصيرة. كما إنها قامت بمبادرة وجهد فردي للروائي طالب الرفاعي الذي وجد دعماً من الجامعة الأميركية في الكويت ومجلس أمنائها برئاسة الشيخة دانة الصباح، وكذلك من وزير الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد.

وكشف منح الجائزة في دورتها الأولى إلى مجموعة «أولى» («نكات للمسلحين» للفلسطيني مازن معروف) عن انحياز لجنة التحكيم إلى النص وليس إلى الاسم. كما وجهت القائمة القصيرة – ضمناً – تحية لأسماء راسخة في فن القَص؛ مثل الفلسطيني زياد خداش ومجموعته «أسباب رائعة للبكاء»، والمغربي أنيس الرافعي ومجموعته «مصحة الدمى»، إضافة إلى اكتشاف أسماء أخرى لافتة مثل المصري محمد رفيع صاحب «عسل النون»، واليمني لطف الصراري ومجموعته «رجاء عدم القصف». وعلى رغم أن تشكيل لجنة التحكيم جاء متوازناً ومكوناً من: أحمد المديني (المغرب) رئيساً وعضوية عزت القمحاوي (مصر)، علي العنزي (الكويت)، فادية الفقير (الأردن)، سالمة صالح (العراق) فإن النتائج خلت من أي عنصر نسائي؛ باستثناء السعودية خديجة النمر التي رشحت في القائمتين الطويلة والقصيرة؛ عن مجموعتها «الأفكار السابحة بين الأرض والسماء»، ثم سرعان ما تمَّ استبعادها بعد اكتشاف نشر مجموعتها عام 2014 علماً أنه من بين 189 مجموعة متنافسة بلغ عدد المجموعات النسائية حوالى 59 مجموعة، لم تصمد منهن واحدة. كما لا تبدو النتائج ممثلة تمثيلاً جيداً للإبداع المصري الذي كانت له الغلبة المطلقة بمشاركة 89 مجموعة من مصر وحدها، في حين بقية الدول العربية شاركت بمتوسط عشر مجموعات، وعلى رغم ذلك رأينا عملين من فلسطين ومثلهما من المغرب، في القائمة الطويلة في حين مثلت مصر بمجموعة وحيدة..

ويُلاحظ أيضاً افتقار شعار المسابقة؛ «جائزة الملتقى»؛ إلى أي إشارة تخص ماهية الجائزة، فيفترض أن يضاف تعريف توضيحي مثل «جائزة الملتقى للقصة العربية القصيرة». كما إن كلمة «الملتقى» شديدة العمومية على رغم أن المقصود «ملتقى طالب الرفاعي الثقافي»، وربما مستقبلاً يتغير المسمى إلى «جائزة الكويت للقصة القصيرة العربية»، وهو الأكثر واقعية. أيضاً ومع إغلاق باب الترشيح، أعلنت مباشرة أسماء لجنة التحكيم وهو ما يضع أعضاءها تحت وطأة المساومات والضغوط. بينما كان من الأفضل الكشف عن أسمائهم مع إعلان القائمة الطويلة أسوة بجائزة «البوكر».

وبالعودة إلى حفلة الختام، نجد أنها عانت من الترهل «الروائي» وافتقرت إلى تكثيف «القصة القصيرة»، سواء في أداء المذيع أو سلسلة الكلمات الطويلة خارج السياق باسم مجلس الأمناء وباسم الضيوف وباسم المعهد العربي في باريس وباسم لجنة التحكيم وباسم الجائزة! حتى الفيلم التعريفي الخاص بالمرشحين كان هزيلاً ولا يضيف جديداً.

ولعل الكلمة الوحيدة ذات الصلة؛ كانت كلمة رئيس لجنة التحكيم أحمد المديني التي اتسمت بالخطابية والأبوية المفرطة والحس التعليمي والاستعلائي، على رغم أنه من المفترض أن تعبر عن تجربة المحكمين جميعاً وليس عن تصورات رئيسها لفن القص، وأن تجيب عن سؤالين أساسيين: ما الذي ميَّز المجموعات الخمس التي صمدت للحظة الأخيرة عن بقية المشاركَات؟ وما الذي ميَّز المجموعة الفائزة، بالمقارنة بغيرها؟ إضافة إلى التوصيات الخاصة بالدورة المقبلة. لم تكشف كلمة المديني شيئاً مهماً باستثناء إشارته إلى معايير التقييم وكذلك ذكره في الختام لمبررات فوز معروف. وربما كان من الأفضل – بدلًا من محاضرته عن حجم الأخطاء اللغوية – الإشادة والتنويه بخمس أو عشر مجموعات أخرى لم يحالفها الحظ في الترشح طالما أن اللجنة أدهشها حجم المشاركة، وهو تقليد أدبي إيجابي.

ومع وجود عدد كبير من مبدعي القصة العربية اتسم البرنامج بالازدحام الشديد خصوصاً مع طرح 13 شهادة أدبية في ثلاث جلسات من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساءً تقريباً. وكان من باب أولى الاكتفاء بشهادات المرشحين الخمسة أو مؤتمر صحافي لهم، ويمكن أن تُضاف ندوة تكريمية لأحد أعلام القصة القصيرة؛ مثل العراقي محمد خضير.

تبقى الإشارة إلى أن الدورة الأولى جاءت منصفة إلى حد كبير وممثلة لفن القصة القصيرة العربية وهو ما لا يتحقق في جوائز كبرى للرواية العربية. لكن الجائزة نفسها مازالت في حاجة إلى استثمارها وتحويلها من مبادرة فردية أو حلم شخصي قائم على كتفي رجل واحد إلى مؤسسة ثقافية منفتحة على القطاعين الأهلي والحكومي.
______
*الحياة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *