الشيب المبكر: لا حلّ للوراثة

*إعداد الدكتور أنور نعمه

الجميع، نساء ورجالاً، على موعد مع الشيب الذي يعد بصمة من بصمات التقدم في العمر. يتقبل بعضهم مجيء الشيب برحابة صدر، في حين أن آخرين يترك لديهم أثراً سلبياً فيسارعون الى إخفاء ما تركه الزمن من طريق تلوين الشعر.

يغزو الشيب شعر الرأس بعد الثلاثين من العمر في أوقات يصعب تحديدها أو معرفتها على وجه الدقة، لأنه يحتل تدريجياً فروة الرأس على مدى أشهر أو سنوات أو ربما عقود. ويبدأ الشيب في الظهور على جانبي الرأس انطلاقاً من جذع الشعرة، ثم يبدأ بالانتشار إلى الوسط، مع العلم أن الشعر الذي يملأ مؤخر الرأس قلما يتعرض للشيب.

ويأتي الشيب نتيجة توقف بصلات الشعر عن إنتاج المادة التي تكسب الشعر لونه الطبيعي، سواء الأسود أم الأشقر أم ما بينهما. ويعتبر أصحاب الشعر الأشقر محظوظين، لأن الشعر الأبيض لا يظهر لديهم بوضوح في بداياته مقارنة بذوي الشعر الأسود أو الداكن.

وإذا كان بعضهم يحتفظ باللون الطبيعي لشعره حتى بلوغه سن الستين أو السبعين، فإن الضيف الأبيض يزور آخرين في سن العشرينات، فيدعى هنا بالشيب المبكر، ما يشكل مصدر قلق للكثيرين من الشباب من الجنسين لأنه يجعلهم أكبر سناً، فيشعرون بالضيق وباختلافهم عن أبناء جيلهم. ويعتبر جورج كلوني، وريتشارد جير، وغاري لينيكر، من أبرز المشاهير الذين غزا الشيب المبكر رؤوسهم.

تتحكم مادتان أساسيتان في لون الشعر هما الميلانين والفيوميلانين، الأولى هي المسؤولة عن اللون الأشقر والبني والأسود للشعر، أما الفيوميلانين فمسؤولة عن اللون الأحمر واللون الشبيه به أو القريب منه.

الأسباب

لا يزال الشيب المبكر لغزاً يحير العلماء، باستثناء إجماعهم على دور العامل الوراثي في ظهوره، فإذا كان أحد الآباء أو الأجداد يعاني الشيب المبكر فهناك احتمال كبير أن يشكو منه الأبناء، ما يدل على وجود خلل على صعيد الجينات الوراثية يؤدي إلى تكرار الحالة لدى الأبناء في مرحلة الشباب.

وفي أول دراسة واسعة عن الشيب طاولت أكثر من ستة آلاف شخص من المتطوعين الذين ينتمون الى مجموعات وراثية وعرقية مختلفة من أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وأفريقيا، استطاع فريق من الباحثين من جامعة لندن بقيادة البروفسور أنرياس رويز ليناريس أن يجد علاقة وثيقة بين الجينات وتحول لون الشعر إلى الأبيض مبكراً، وتمكن الفريق من عزل جين أطلق عليه اسم IRF4 قال أنه المتحكم الرئيس في صبغة الميلانين وإنتاجها وتخزينها في الجسم. ويرى ليناريس أن اكتشافه هذا قد يساعد في تطوير علاجات فعالة للشيب المبكر.

لكن الوراثة ليست السبب الوحيد المسؤول عن الشيب المبكر، فهناك أسباب أخرى، مثل بعض الأمراض، كداء الثعلبة، والبهاق، ومرض فقر الدم. ويساهم نقص البروتينات في الجسم وتناول بعض الأدوية في تحويل لون الشعر إلى الأبيض. وهناك من يتهم تلوث البيئة، واستخدام آلاف المركبات الكيماوية، وسوء التغدية، والتدخين، والتقلبات الهرمونية، والإجهاد، بأنها متورطة في تسريع الشيب قبل الأوان.

ماذا عن العوامل النفسية؟ هناك آراء متضاربة حول العلاقة بينها وبين الشيب المبكر. وكثيراً ما نسمع عامة الناس يصدحون بمقولة مفادها أن الضغوط الحياتية تشيّب شعر الرأس، لكن هذا الأمر لم يثبت علمياً ولا توجد دراسات توثقه.

لا شك في أن هناك حالات نادرة جداً ظهر فيها الشيب بين ليلة وضحاها وفي فترة قياسية وجيزة يصعب إيجاد تحليل علمي لها، لكن تبين أن التحول السريع للشعر الى اللون الأبيض سبقته نوبات نفسية وعصبية شديدة وخوف شديد، وتم تفسير هذا الأمر بالانتشار السريع لخمائر معينة تملك قدرة عالية على أكسدة صباغ الميلانين في الشعر بسرعة فائقة.

وتعتبر عملية الأكسدة من النظريات الحديثة التي تبرر الشيب المبكر، بعدما عزاه العلماء إلى تدهور مادة الغلوتاتيون glutathione المضادة للأكسدة التي ينتجها الجسم من أجل إبطال عمليات الأكسدة، وأنه كلما قلّ إنتاج تلك المادة زادت عمليات الأكسدة الي تضر بخلايا الجسم، بما فيها تلك التي تنتج الصباغ الملون للشعر ما يسبب الشيب.

هل يمكن علاجه ؟

لا شيء يمكن فعله لمداواة الشيب المبكر الناجم عن العوامل الوراثية، في المقابل فإن الشيب الحاصل بسبب بعض الأمراض وسوء التغذية وبعض الأدوية يمكن إصلاحه بزوال تلك المسببات، ليعود بعدها الشعر الى لونه الطبيعي. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بالصحة العامة، خصوصاً صحة الشعر، وتقديم ما يلزمه من العناصر الطبيعية، والابتعاد عن التدخين والملوثات البيئية والصناعية والمستحضرات الكيماوية والضغوط الحياتية اليومية، تساهم في شكل أو في آخر، في تأخير استحقاق الشيب المبكر.

وأمام عدم توافر الدواء الناجع لحل مشكلة الشيب، تزدهر بعض الوصفات الشعبية الي تلقى رواجاً بعض الشيء، مثل خلطة أوراق الكاري مع جوز الهند، وزيت جوز الهند مع عصير الليمون، والحنة، والشاي الأسود مع الملح، وعصير البصل وغيرها من الوصفات التي يتداولها الناس أباً عند جدّ من دون أن يستطيع العلم البت في صحة جدواها.

وفي انتظار العلاج الحاسم الدي يضع حداً لمشكلة الشيب، خصوصاً المبكر منه، فإن الشركات المصنعة لصبغات الشعر تستمر في «الرقص طرباً» لأن هذه الصبغات تدرّ عليها أموالاً طائلة.
_____
*الحياة

شاهد أيضاً

“تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي عند فرويد للكشف عن الرغبات المكبوتة

(ثقافات) “تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي عند فرويد للكشف عن الرغبات المكبوتة  مدني قصري في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *