صاحب الهوس الإعلامي العربي الممزوج أحيانا بالكراهية والامتقاع والانحياز المؤقت للجنس الطيف وقت إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية قلق وفزع صوب الرجل وسياساته التي لم يشرع حتى لحظة كتابة هذه السطور في تنفيذها ، وبغير ادعاء متأخر بتوقع هزيمة السيدة هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية وهو أمر بدهي وطبيعي ومنطقي وعادل يتفق مع التوجهات الأميركية التي يمكنها أن تصدر لكافة أقطار الأرض دعاوى المدنية والحريات وتدعيم شعارات المجتمع المدني دون تطبيقها على أرضها الشاسعة .
ووسط ترقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وما قبلها أيضا توافد الصحافيون العرب والأجانب وأيضا بعض المهمشين المتواجدين على صفحات التواصل الاجتماعي بدعم هيلاري كلينتون وكأنها إحدى الأصوات العربية الأصيلة التي تربض التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وبات غريبا على تلك الأقلام وهي تدحض حق دونالد ترامب في رئاسة الولايات الأميركية في الوقت الراهن بحجج بليدة لا تتفق إلا والعقلية العربية التي لا تزال راكدة وسط سبات عميق ولم تفق بعد على صدمة حصول بوب ديلان المغني الشعبي والمؤلف البسيط على جائزة نوبل في الآداب لهذا العام . هذه الحجج مفادها انعدام الخبرة السياسية لدى ترامب بوصفه خبيرا اقتصاديا ورجل أعمال متربح وليس كونه سياسيا بارعا من شاكلة كسينجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق أو خطيبا باهرا بصوت أجش عميق كسابقه باراك أوباما .
وثمة حجج أخرى اخترعتها العقلية العربية وحدها واتبعتها كتائب إلكترونية أكثر بلادة في الرصد والتحليل بأن دونالد ترامب مصاب بحالات البارانويا وبلغة عربية ( العنجهية والتعالي والغرور البغيض ) وهي سمات لا تجد حرجا أو مقتا في ظهورها ببيئات غربية أخرى . وفور إعلان النتيجة توافدت الصدمات العربية صوب فوز ترامب وكأنه المسئول الرئيس الذي أودى بمجتمعاتنا العربية إلى مثل حالات الركود الثقافي والخيبة الفكرية التي تحياها شعوب كثيرة العدد فقيرة التفكير بمستقبلها ، وجعلوه بين عشية وضحاها المنوط به تسليم العراق بترسانتها النووية الوهمية إلى أميركا وليس محمد البرادعي ، وكأنه أيضا الذي ساهم في تهميش وتفقير الفلسطينيين في حق امتلاك ارضهم وليست المؤامرات العربية ذائعة الصيت في بداية القرن العشرين انتهاء بتخاذل عربي واكفاء بمتابعة وتشجيع فرق أجنبية مثل ريال مدريد وبرشلونة على حساب الأندية الوطنية كالهلال والوحدة واتحاد جدة والزمالك .
إنها خيبة العرب في تصديق استطلاعات الرأي الكاذبة والمخابراتية التي صدرتها الولايات المتحدة الأميركية للعالم يقينا منها بأن الشعوب العربية وبعض الأقلام والعقول المنتمية لهذه البيئات أكثر تأثرا وتأسيا أيضا بكل ما هو وافد أجنبي .
واحت العقلية العربية التقليدية تفجر دعاوى تتناسب وبدايات القرن السابع والثامن الميلادي بأن فوز ترامب سيجل للكيان الصهيوني أفضلية ومكانة بين الدويلات العربية المتناحرة داخليا بين عراق كان وطنا ، وسورية كانت مهدا للثقافة العربية ، ويمنا بين قوسين على وشك السقوط بغير قيام . وسط مخاوف إيرانية تنتاب منطقة شبه الجزيرة العربية . هذا التلاحم الاستشرافي بين ترامب والكيان الصهيوني سيحدث أيضا حتى ولو فاز لاعب كرة وليس رجل أعمال بالرئاسة الأميركية لأن القضية متزامنة ولا تقبل أنصاف الحلول وبدلا من أن تفكر الشعوب العربية في مواجهة ممارسات الفتك التي يتبعها الكيان الصهيوني ليس فقط على الفلسطينيين بل الشباب العربي بأجمله راحت شعوب ومواطنوها يفكرون في مستقبل العلاقة الصهيو أمريكية .
بينما ذهبت برامج فضائية عربية كثيرة لا يمكن وصفها إلا بالفراغ والتربح الزمني ترصد وتسرد القصص الجنسية والفضائح الأخلاقية المتعددة والمستدامة من زوج عارضة الأزياء السيد دونالد ترامب ، وكأن أصحاب تلك البرامج ومشاهديها كانوا على موعد ترشح أحد علمائنا الأجلاء من أصحاب العمائم أو أن الرجل المرجو ترشحه سيستقل طائرته الخاصة لينشئ معهدا دينيا إسلاميا بجوار مكة المكرمة أو الأزهر الشريف .
وفي الوقت البليد الذي هاجمت فيه جماهير الأهلي نادي الزمالك وجمهوره قبيل نهائي ذهاب أفريقيا لدوري الأبطال رفض هؤلاء وغيرهم ما قاله دونالد ترامب في يونيو الماضي عن أن أميركا للبيض فقط وليس هناك مكان لأقليات أو تبادل حر أو حتى هجرة ثقافية حتى لا تتحول الولايات المتحدة الأميركية إلى بلدا من بلدان العالم الثالث . إنها العقلية العربية الأكثر بلادة التي لا تمارس التنوع والاختلاف على نفسها وتشترط الآخر في تداول هذه السمات وقبول الآخر لذا فلا مكان لتلك العقليات والأقلام في التواجد ما داموا لا يستطيعون رصد الإحداثيات والإشكاليات بنوع من التأويل والتحليل .
أما عن الجزء الأصيل الذي أسهم في خسارة السيدة هيلاري كلينتون انتخابات الرئاسة الأميركية رغم ترشحها الهزلي والصوري لرسم مشهد كاريكاتوري مبهج للشعوب النامية والمتنامية بأن الولايات الأميركية تقبل المنافسة الشريفة ، فإن استطلاعات الرأي المخاباراتية التي تم تصديرها لشعوب العالم والمنطقة العربية أفرزت بالتزامن مع مصالح الكيان الصهيوني هذه النتيجة التي لم أرها غريبة أو مستهجنة .
لقد صدقت الشعوب العربية ولاسيما النساء العربيات أن السيدة هيلاري كلينتون جاءت لتحمل بارقة أمل للكيانات النسائية المترامية والهامشية والهزلية أيضا من أجل تواجد حقيقي ، وظنت النسوة العربية أن حضور امرأة بملامح رقيقة وابتسامة هادئة وأحيانا مثيرة أيضا رغم تقدمها في العمر سيكون بمثابة الرد القوي لشرعية كيانات نسائية ومنظمات حقوقية تدافع عن رأي المرأة وهو أمر يكاد يتماثل مع مسرحيات الفكاهي المصري نجيب الريحاني .
نعم الولايات المتحدة الأميركية تستحق عن جدارة الفوز بالمركز الأول في تدعيم المرأة وإعلان وجودها بل وتسلطها أيضا وتسيدها كافة مقاعد الذكور لكن خارجها فقط أما الداخل فالاتجاه الأميركي السائد لا يرى في المرأة سوى ديكور أو مشهد ثانوي يكمل مشاهد السيناريو الرئيسة في فيلم المشهد الرئاسي.
وكان ينبغي على نساء العرب أن يفطنوا لوصية باراك أوباما منذ أيام قليلة حينما شدد على ضرورة منح المرأة فرصة رئاسة أميركا وهي وصية تحمل في باطنها نظرة دونية للمرأة واكتفاء الإدارة الأميركية بوجودها ككمثل دبلوماسي أو نظير ثقافي يمثل الولايات في محافل وفعاليات احتفائية وكرنفالية باهتة الصدى والنتائج والعائد أيضا .
والحق أن المنظمات الحقوقية الأميركية تدعم حق المرأة في الذهاب إلى محكمة الأسرة والوقوف أمام زوجها مثلما فعلت أنجلينا جولي ضد زوجها الشرعي أو غير الشرعي براد بيت وتكريس ثقافة جنسوية نسائية في منطقة الشرق الأوسط والمناداة بأن الحجاب والنقاب وكل أشكال تغطية الرأس النسائية تحد من فاعليتها في ممارسة الحياة الاجتماعية لكن حينما تأتي الكرة أمام المرمى لا تفكر سوى في رجل فثط يسددها لتدخل المرمى .
بينما راح المساكين من الملتحمين بقضايا المرأة العربية وحقوقها والمنظمات الكثيرة عديمة الفاعلية في التهليل والتكبير وإظهار الفرحة العارمة تزامنا وترشح امرأة مهيضة الجناح طيبة القلب وكأنهم يتحدثون عن السيدة أم أحمد العربية وكأن هذا سيكسب السيدة هيلاري كلينتون صاحبة الابتسامة الرقيقة مقعدا رئاسيا وثيرا لحكم الولايات المتحدة الأميركية .
وحينما ترى السياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تناهض من أجل امرأة عربية تحمل علامات الشقاء والبؤس على وجهها فلا تنخدع ، وإذا رأيتها تناضل من أجل فتاة باكستانية أو أفغانية من أجل الصمود أمام بطش حركة طالبان فلا تكترث ، وأخيرا إذا رأيت الساسات الأميركية تدعم كافة المنظمات الحقوقية النسائية وتقيم وتدشن حملات ثقافية ضد الختان ونشر الثقافة الجنسية والتأكيد على الحقوق الأصيلة للمرأة العربية ، فتأكد أنها لا ترى في المرأة سوى ابتسامة رقيقة . ولا عزاء للمرأة العربية !.
________________