الحمد لله الذي سخَّر لنا “الفيسبوك“، وجعلنا أحراراً فيه، نكتبُ ما نشاء، ونقول ما نشاء، ونصورِّ ما نشاءُ، ولا يمنعنا عن ذلك مانعٌ في الأرض والسماء، ولا ننتظر مباركة قدِّيس، ولا نخشى لعنةَ فرعون.
فإنْ من نعمةٍ تحْمدُ لواجدِيه، فهي نعمةُ “الديمقراطية”، التي حقَّقوها، ولم يحقِّقْها نظامٌ في العالم أو حاكمٌ، ولا طبَّقها دستورٌ أو شريعةٌ، وكان “الفيسبوك” أصدق من الجميع في نشر “الديمقراطية”، وتأكيد حريات الناس، جميع طبقات الناس، وتقليم أظافر الديكتاتورية، وأنياب الاستبداد، وأجنحة القمع والمصادرة.
الحمد لله.. فرُبَّ عبارةٍ، أو صورة، أو صرخة، أو نداءٍ، يحركَ العالمَ من أدناه إلى أقصاه، ويجمع الناسُ حول مُواطن لا شأن له، ولا وزن، ولا اعتبار، لأنه التجأ إلى “الفيسبوك” وكشف عن مظلمته، أو معاناته.
وثوراتُ اليومِ، وانتفاضاتُ العالم، هنا وهناك، تبدأُ بنقَرَةٍ في خانة (ما الذي تريد القيام به الآن)، واستنفارُ دولٍ وأنظمةٍ وجِهاتٍ يحدثُ بأدْنى حركةٍ من “فأرة الحاسوب”.
ومنْ ليس له بوقٌ فالفيسبوك بوقُهُ.. ومن ليس له سندٌ فأصدقاء الفيسبوك أسْنادهُ..
ومن ليس له صوتٌ فالفيسبوكُ صوته، ولا صوت يعلو على صوت الفيسبوك في هذا الزمن.
ويكتبُ من له رغبة في الكتابة، جميع أنواع الكتابة. ويجدُ من تنزعُ نفسه إلى الأدب والفن مكاناً في الفيسبوك، ويروحُ يُمْلي ويخطط، ويُفْضي بمكنون نفسه، وهواجس أحلامه، ويُنفِّس عن صدره الكروبَ والهموم، ويلتفُّ حوله الأصدقاءُ، فيعجب منهم من يعجب، ويعلق من يعلق، ويطلبه في الواقعِ البعضُ، فيلقوْنَه وجهاً لوجْهٍ، وتُنجز كثيرٌ من المشروعات والأنشطة والعلاقات والأحلام، وكلُّ هذا في سهولة ويسر، وسماحةٍ وفخْرٍ.
وصانعو الفيسبوك لا يريدون من كل هذا جزاءً ولا شكوراً، ولا يمنعون أحداً لأنه لم يعجبهم، أو لمْ يلق هوى في نفوسهم.
ثمَّ يبرزُ من عالم الشياطين أفرادٌ لا يحبُّون الناس، ويكرهون الديمقراطية، ويشعرون أن الفيسبوك ساوى بينهم وبين الجميع، فلا يرضوْنَ بذلك، ويرْتَدونَ ثيابَ الملائكة، ويتسمَّوْنَ بأسماء الملائكة والأنبياء والرسل، ويشُنُّون هجوماً على من يزاولُ حقَّه أو لذَّته في الكتابة والنشر، ويروحون يرسلون عليه شواظاً من نارٍ، وسِياطاً من الغيْظِ، ونبالاً من الحسد والكراهية، وكأن الفيسبوك مِلْكٌ لهم، ومن تُراثِ آبائهم وأمَّهاتِهم!
وحين تلتفتُ إليهم تكتشفْ أنهم أعجزُ الناس عن الكتابة، وعن الإبداع، وعن إتْيان الأمور بعبارة حسنة، أو صورة جميلة، أو عملٍ مُدهشٍ كيفما كان.
وأكثر من هذا تكتشف أنهم ليسوا ملائكة لا في الأرض ولا في السماء، وإنما هم مجرد شياطين الفيسبوك. ونحن لا نطردهم، فالفيسبوك لنا ولهم، ولهم دينُهم ولنا ديننا، ولهم حريتهم ولنا حريتنا، ولا يضُّرُّنا من يهاجمنا أو يطعن فينا، فنحن واثقون من أنفسنا، وهم غير واثقين حتى من أسمائهم وصفاتهم، فمن يكرهْ اسمَه ووجهه ليس غريباً أن يكرهَ أسماءَ ووجوه الآخرين..
________
*كاتب مغربي