صدر حديثا.. “دم التفاح” للشاعرة رفيقة المرواني

خاص- ثقافات

صدر مؤخرا عن دار فضاءات للنشر و التوزيع الأردن المجموعة الشعرية الأولى “دم التفاح “للشاعرة التونسية رفيقة المرواني، ويقع الكتاب في 140 صفحة من القطع المتوسط.

 لا تستسهل رفية المرواني حياكة جملتها الشعرية، فهي وبالرغم من سلسة جملتها وشاعريتها المتدفقة والعميقة الدلالة، تجد وكأنها تحفر بمسلة قلبها مفرداتها التي تجعلك تتوقف طويلاً وانت تسأل، كيف؟ من اين؟ ….؟ حقاً أنها الدهشة تتمثل في جمل شعرية تستفزك لتلاحق ما تكتبه هذه الشاعرة التونسية.

 وكتب الناقد التونسي هادي العيادي رؤية نقدية عميقة حيث يقول ن دم التفاح قصائد ملوّنة و نزيف المعنى مستشهدا بمقولة جبران خليل جبران” ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب “. عنوان المجموعة او عتبتها النّصيّة مدخل مفيد لرسم ممكنات من التّقبل ، فالعنوان ورد مركبا إضافيا ، كانت العلاقة فيه بين المتضايفين متوتّرة يشوبها نزاع و تحكمها مشادة اذ أسندت الشاعرة إلى التفاح امرا من غير لوازمه فلوّنته بحمرة قانية أربكت القارئ و صدمته و جرّته الى مقام الحيرة في التأويل ، تلك هي خيبة الانتظار كما قال بذلك أنصار جمالية التلقي و نقفز من العتبة النصّية إلى العلامات البصريّة الماثلة على الغلاف فتشدنا حمرة مهيمنة تحرك حاسة النظر و تستحوذ عليها و قد حرك التفاح حاستي الشم و الطعم . حمرة الدم القاني المراق إمارة و علامة على جنس من كتابة شعرية تعبيرية لا أجدها تكف عن الشهيق ( تواتر هذا السجل في نصوصك الرقمية التي مررت بها ) تنشئين نصا أضناه الوجع و عوارضه عطالة جسدية قالتها هذه المشتقات اللغوية ( لا أقوى على الركض ، ترهقني النصوص الطويلة أتعثر ) ذلك هو مدار الحداثة الشعرية ، بارحت الإغراض و تخلت عن مناويل الشعر القديم ، فقيدت النصوص بقيود الذات ، تكابد أوجاعها أحوالا و تدوّنها أقوالا هذه الرايات المستحدثة في الشعر المعاصر اسّست لجماليّة اشتغلت بها هي جمالية السلب حسمت أمرها عندما سيّرت الشعراء الى الهشاشة و التهميش و الإقصاء ، لقد ولّى أمر الجمالية القديمة فنزل الشعر من عليائه و سكن الأماكن الجحيميّة المترعة بالكوابيس . لقد انفلت الخطاب الشّعريّ الذي تحقق في قصيدة النثر المارقة او المزورّة عن الذاكرة و الموروث من الأنساق الثابتة و الواحدة ، مفضلا القيم العابرة التي لا تدوم على ان عطالة الجسد عوّضت عنها الشاعرة بخطاب وازى مقام البداية : تنقض المتكلمة النصوص الطويلة ( هل أصابها إرهاق جمالي ؟ ) و هي التي لجّت في الإسهاب و الجريان و التدفق و كأنها تحوّل المقياس الكميّ في الشعر الى آخر نوعيّ بذلك تستعيد شرطا من شروط قصيدة النثر : قصيدة ومضة زاهدة في الكلام و مقتصدة في العبارة ، تقول المعاني الغزيرة ذات التدلال بالقليل من اللفظ ثم ان المتلفظة تغيّر نسق كلامها عندما تتوجه إلى مخاطب صورته غائمة و ملامحه باهتة تدل عليه قرائن المخاطبة ( سطرك الأول ، سطر الثّاني ، تلدغك ) فترتسم صورة أخرى مفاجئة و ملغزة تمتح من عالم الحيوان ينبئ بتراجع الإنساني و أفوله : أفعى تسعى على بياض الورقة و تمثل وأخرى في المرجع او في البريّة تقيم ، الأفعى في النّص محفوفة برموز الخطيئة ( أفاعي الفردوس لأبي شبكة ) و الغواية و هي أفعى مؤولة للنصّ un serpent herméneute تلتهم معانيه و تفكّك سطوره لمحاصرة معاني منفلتة و في حالة إرجاء قصيدتك او قصيدة النثر كتبها أصحابها بدم ملوّث ( هكذا صاح انسي الحاج و هو من مؤسّسيها يردد قولة رمبو الذي يحضر خلسة écrire avec un mauvais sang) أفسدت السنن و المعايير القديمة التي أفلست فتحرّرت من سلط الإكراه و هي كثيرة . تزحف الأفعى إلى المعنى و يستعين الخطاب بعين الرؤيا في مقام النهاية ، تنفذ الى المجهول ( هل هو المجهول الفني لقصيدة النثر ؟ ) ولكنها تمنحنا سمّها و ترياقها فإذا بدم القصيدة ، قصيدة النثر دم حديث . فصدته او فصدت شرايين القصيدة فإذا بها مصفّاة لا تلويث فيها .

 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *