*فرح الزمان شوقي
بعد جدل دار طويلاً بين كل من المعنيين في إيران وتركيا وأفغانستان، والمتعلّق بتسجيل ديوان “مثنوي” للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي (1207-1273) في لائحة اليونسكو للتراث العالمي، وتنازع البلدان الثلاثة على نسب الرجل، أعلنت “مؤسسة الأرشيف والمكتبة الوطنية” في إيران أنه تمّ التوصل لاتفاق ثنائي بين طهران وأنقرة لتسجيل الديوان باسم كليهما. وبحسب بيان نشرته المواقع الرسمية الإيرانية أخيراً، جاء فيه أن بين كلا الطرفين تقاطعات ثقافية كثيرة ومتعدّدة لذا يتوجب على كل من إيران وتركيا العمل معاً للاحتفاظ بالإرث الثقافي لكليهما.
وقال رئيس هذه المؤسسة ومستشار الرئيس الإيراني رضا صالحي أنّه تمّ تقديم الملف كاملاً لليونسكو، وقد وصلوا بالفعل لمرحلة تسجيله في قائمة التراث العالمي، قائلاً إن الرومي الملقّب بمولانا ألقى وكتب أشعاره بالفارسية وعاش بين تركيا وإيران، ودُفن في قونية التركية، وهو ما يجعل الوحدة مطلوبة بين الطرفين بهدف تجاوز الخلافات والوصول لحل يحفظ ويؤرخ آثار هذا الشاعر، حسب تعبيره. أمر رأى فيه البعض أنه يقدّم تنازلاً لتركيا، فذكرت بعض المواقع الإيرانية أنّ مولانا لم يكتب بالتركية وأن ارتباطه فيها كان خلال فترة حياته ووفاته هناك، قائلين إن بين إيران وأفغانستان تقاطعات ثقافية أكبر، ولا سيما أنّ الرومي قد ولد في بلخ، الموجودة حالياً في أفغانستان، والتي كانت جزءاً من إيران الكبرى في ذلك الوقت. عن هذا الأمر تقول الكاتبة والباحثة الأدبية آزاده دادايي إنه لا يجب تجاهل ونسيان أفغانستان عند الحديث عن الرومي، ولايجب ألا يتم ذكر أنه مولود في بلخ، معتبرة أن مولانا يرتبط بشكل مباشر بتاريخ إيران الكبرى التي كانت تشمل مناطق من أفغانستان.
وفي حديثها مع “العربي الجديد”، أضافت دادايي أن الحديث عن هذا الشاعر يعني الحديث عن موروث ثقافي واسع وهام، معتبرة أنه يجب تحقيق تقارب بين الأطراف الثلاثة والاتحاد للعمل على حفظ ما كتبه وتركه لهذا العالم لا الاختلاف على الأمر من دون التوصل للنتيجة المرجوة، قائلة إن التفاهم حول هذا الشاعر يجب أن يكون ثلاثياً لا أن يشمل إيران وتركيا وحسب.
يتفق مع وجهة النظر هذه الشاعر الإيراني حسين جاني، الذي يرى أن مولانا شاعر للعالم بأجمعه، فالمفكرون والمثقفون والشعراء وكل الشخصيات التي تمثل النخبة الثقافية تقدم نتاجها للجميع، بالتالي لا يجب حصر الأمر ببلد دون آخر، مع ضرورة عدم تزوير الحقائق حسب تعبيره.
وقال جاني لـ “العربي الجديد” إنه في حالة الرومي هذه، لا يمكن نسبه لملة أو لقومية معينة، فهو المولود في بلخ والذي كتب بالفارسية، ولكنه دفن في قونية ولا يمكن القول إنه تركي حسب رأيه.
يعتبر هذا الشاعر أنه كان لدى مولانا نظرة كونية عميقة، وما على المعنيين اليوم هو الحفاظ على ما أراد قوله وإيصاله في شعره، ما كان يهمه هو الإنسان في هذا الكون، لذا يجب التركيز على هذا الأمر مع ضرورة حفظ الوقائع التاريخية والتأكيد على أن نسبه يعود لبلده وللغة التي تحدث بها.
من جهة أخرى، أثارت نية هوليوود إنتاج فيلم يجسّد حياة الرومي وأن يؤدي دوره ليوناردو ديكابريو الجدل؛ البعض قال إن الشاعر الرومي لم تكن بشرته بيضاء وهو ما يجعل ديكابريو بعيداً كل البعد عن تقديم الصورة الحقيقية لهذا الشاعر، ومنهم من رأى أن صناعة الغرب لهذا الفيلم يعني الافتقار إلى وجهة نظر دقيقة وصحيحة حول حياة مولانا.
من جهته يرى الشاعر حسين جاني أن في هذا الجدل مبررات غير منطقية، قائلا إن فحوى ومضمون الفيلم هو المهم، لا من يقدّم شخصيته أو من يصنعه وينتجه. واعتبر جاني أن تجسيد حياة مولانا تحتاج لعمل ضخم يليق به وبشعره وبحياته، وبما استطاع تقديمه في الشعر الصوفي النوعي، مؤكداً ضرورة عرض السيناريو على نخبة من المؤرخين والمثقفين والشعراء المطلعين على حياة مولانا وعلى مضامين ومفاهيم شعره وحتى حياته، لا الوقوف بوجه العمل أو الاعتراض عليه لمجرد أنه غربي.
ي إيران، ورغم تقدّم الإنتاج السينمائي في هذا البلد، إلا أنه لم يتم تقديم أي عمل يركز على الرومي، وفي البلاد شعراء ومثقفين ومفكرين كثر ركّزوا في بعض أعمالهم على ما تركه لهم الرومي، ومنهم العلامة محمد تقي جعفري والذي قضى عمره وهو يكتب عن حياة مولانا، فترك أكثر من عشرين مجلداً في تفسير ديوان “مثنوي”، وهو فيلسوف ومفكر إيراني كبير نشرت أعماله على مستوى عالمي أيضاً. ويدعو البعض في الداخل الإيراني للاستفادة من أعمال أشخاص كـ جعفري لحفظ ما تركه الرومي وعدم النظر للأمور بطريقة جدلية وسطحية قد تضيع ما عمل عليه هذا الرجل لسنين طوال.
______
*العربي الجديد