* قيس مجيد المولى
يبدو لي أن جورج أمادو قد أعد عدته من الأسماء والأماكن والوقائع وموجودات الطبيعة والصراعات السياسية وجشع المتنفذين، كذلك قضايا أخرى تتعلق بحراك المجتمعات وأشكال توجهاتها، قد أعد عدته كي تكون تلك الموجودات والتي ستنتشر على مساحة واسعة من “أرض ثمارها من ذهب” الأساس الذي يركنُ إليه في الشكل البنائي لعمله هذا.
من كارلوسزود الى رينالدو باسوس، مسافة متصلة من الحكايات تتقطع عبر إشارات فاصلة بين حدث جزئي وآخر، وبين أشتات من ملامح والى مفاجآت عبر انتقالات متنوعة وأوقات مملوءة بالأشياء النقيضة بالتكوين والمتشابهة باللونية، ليستكمل بها تدرجه ضمن دلالات يرمز بها تارة لمحيط ما وتارة لدولة ما وتارة لمجتمع وأخرى لقارة.
وهو يعني إلمام الكاتب بخزينة التاريخي والمعرفي عبر قدرات الذاكرة وتدويناتها، أو بالأحرى إن بيئته القصصية قد ضمت بيئات متنوعة حيث أفاده هذا الإشتغال ضمن ذلك التنوع على أن تكون مساحة المشاهد لديه مساحات متفرعة تتصف أحيانا بوهجها الرومانسي وبتدفق مُرتب ومحسوب.
وأحيانا تتصف بالتصاعد الدرامي لتحقيق مشاهد الصراع ما بين الأرض والمزارع أو ما بين الأرض والعقيدة السياسية لكشف الإستغلال والفساد من قبل المستحوذين على قوت الشعوب.
أراد جورج أمادو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البرازيلي، أن ينير طريق كفاح الطبقات المسحوقة وهو المولود في إقليم (باهيا) أرض زراعة الكاكاو، ذلك الإقليم الذي خَبِّر فيه أمادو تلك المعاناة القاسية للمزارعين أمام أصحاب شركات التصدير فانعكس ذلك بشكله الواسع على أرض ثمارها من ذهب وعلى رائعتيه “دروب الجوع”، وروايته “كانكان العوام الذي مات مرتين”.
ومن ألغاز وعبارات منحها للحوادث جعل تفسيرها تحت مطرقة الشكوك لإضفاء طابع عدم المصداقية لهؤلاء الذين يعبثون بأقدار المزراعين ضمن الحوادث التي تجري لهم على وجه التحديد كما في: “أعلنت الديودي باس وبخط عريض موت الزعيم هوراسيو دا سيليفيا”.
ولم تعط الجريدة أي تفاسير ولم يعرف إي أحد ولا حتى الشرطة بموته وهو أكبر مُزارع للكاكاو، ويستمر السرد، السرد عن الزعيم مانيكا دانتاس والذي لم يذهب لمصافحة كارلوس زود لكنه قال أي مانيكا قال، كانت تداعبنا الآمال ولكن التجارب تخنقنا.
ولكي يكون للمرأة وجود حي ضمن الأرض ثمارها من ذهب فإن الحس العاطفي يمكن تلمسه في كل قطعة على تلك الأرض وكل حدث يوحي بالتمرد أو الإنفعال، وهو شكل من أشكال تغيب مرارة الواقع للإنتقال الى تجنيس العاطفة كغطاء لهذه المرارة مما ساعد على إضافة حلقة جمالية أخرى لحلقاته الجمالية المتعددة:
ما يريده فلورندا
أن يهرب
أن يتيه
يتيه
ليشاهد مرفأ الياوس
وهناك يفتش عن لورا
لورا التي تشبه
أعلى قمة
في أشجار الكاكاو.
والمرأة عند أمادو في الأرض ثمارها من ذهب هي الحقل هي الشاطئ، وهي المحاصيل، وهي مخزن الذكريات لدى الرجل، إن عالم أمادو هو عالم البرازيل، عالم أميركا الجنوبية، وقد جلى سحر هذه البلاد ووضع هذا السحر في روايته.
_______
*ميدل إيست أونلاين