*محمد سبيلا
للإسلاموفوبيات في أوروبا عدة أوجه تجعلها تتراوح بين التحسس العادي تجاه المسلم (الآخر) المختلف دينيا وبين السُّعار التخويفي المرضي سيئ النية.
ظاهرة تحول علاقة الإسلام بالمجتمع الفرنسي من الخوف (حسن النية) إلى التخويف (سيئ النية) رصدها السوسيولوجي الفرنسي Raphael liogier من منظور سوسيوجيواستراتيجي وخصص لها كتابا تحت عنوان: أسطورة الأسلمة.
يبين الباحث الفرنسي أن علاقة الإسلام بالمجتمع الفرنسي عرفت عدة تحولات يميل منحناها الاجتماعي عامة نحو التوتر، وهو توتر لا يعود فقط إلى التحولات المتعلقة بتطور الجالية الإسلامية كما وكيفا وثقافة، بل يعود في جزء منه إلى التحولات التي يشهدها المجتمع الفرنسي نفسه وإلى السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الأوروبي. تاريخ بداية هذا التحول يعود إلى سنة 2000 حيث بدأت بالرواج فكرة الأسلمة Islamisation بمعنى أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بوجود جالية مسلمة في فرنسا وأوروبا بل ببداية عملية أسلمة للمجتمع الفرنسي والمجتمعات الأوروبية. لهذه الظاهرة دلالات قدحية وسلبية بسبب التنامي الكمي والكيفي للظاهرة الإسلامية.
الوجه الكمي مرهون بوتيرة الهجرة والخصوبة الإسلاميين أما الوجه الكيفي فهو بداية رواج سوء نية تجاه وجود وحركة الجالية المسلمة. فعندما يخرج المسلمون في صلاة الجمعة إلى الشوارع المجاورة للمسجد تروج فكرة أو مصطلح الاحتلال: المسلمون «يحتلون» الشوارع. وذلك باستعمال مصطلح عسكري وخلفية تتعلق بالنوايا: هناك قصد ونية مبيتة «لاحتلال» الشوارع المحاذية للمسجد.
كما يتم استخدام وترويج مصطلح آخر هو «التمركز»: فالمسلمون «يتمركزون» في بعض المدن وفي أحياء معينة في هذه المدن وهذا المصطلح يخفي خلفية الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي تقصي المسلمين إلى الضواحي وتنسب لهم النية القصدية المبيتة للتمركز الذي يذكّر المتلقي بقصدية «الاحتلال» أي يقرب بين التمركز والتجييش والتعبئة تهيؤاً للاحتلال، وبذلك يتم تحويل الهشاشة الاجتماعية السلبية إلى عامل تعبئة إيجابي. فإذا تجمعوا فإن ذلك من أجل التعبئة وإذا تجمعوا في ضواحي وهوامش المدن فذلك بغرض الانقضاض على مراكز المدن.
وكثيرا ما يروج في الخطاب الإعلامي مصطلح الطائفة Communauté فذلك بمعنى الحشد التعبوي بل يتحدث أحيانا عن المساجد كثكنات.
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كان المسلمون يندرجون ضمن خانة عامة: المهاجرون – الأجانب – الأفارقة – العرب. لكن بعد سنة ألفين سيتم التركيز على المسلمين – وذلك بموازاة أحداث نيويورك في 2001 وبروز أنشطة العنف المنسوب للإسلام في الشيشان وأفريقيا (بوكو حرام) والمغرب العربي (الجزائر ومصر). وفي هذا السياق الدولي بدأت تتبلور فكرة أن المسلمين ليسوا فقط «غير مندمجين» في المجتمع الفرنسي بل إن لديهم نية في فرض نمط سلوكهم وثقافتهم وبالتالي دينهم على المجتمع الفرنسي. فكرة النية أو سوء النية حولت التصور التقليدي المتعلق بالإسلاموفوبيا أي بالخوف من الإسلام إلى ما أطلق عليه الباحث الفرنسي الإسلاموبارانويا Islamoparanoia بمعنى الانتقال من التخوف العادي من الآخر إلى التخوف المرضي (العُظامي) الذي يفترض سوء نية الآخر وتصميمه على الأذى وعلى الإساءة أي الانتقال من حالة الفوبيا (الخُوَاف) أو الرفض الخوافي (phobic) إلى الرفض العُظامي (paranoiac).
كانت صورة الإسلام في الغرب صورة متخيلة مبهرة لا تخلو رغم سلبياتها من بعض الإيجابيات: بلاد الشعر وألف ليلة وليلة… لكن ابتداء من أواسط القرن العشرين بدأت الظلال تغطي ذلك الجانب الإيجابي وذلك بموازاة هجرة اليد العاملة الأفريقية والمغاربية إلى فرنسا من جهة وبموازاة تنامي حركية الإسلام السياسي ابتداء من الثورة الإيرانية وبروز حركة الإخوان المسلمين، والهجوم على برجي التجارة في نيويورك وظهور القاعدة ثم داعش. وقد ارتبطت هذه التحولات في وعي المواطن الفرنسي بحالة اجتماعية واقتصادية تمثلت في الخروج من الفترة الذهبية في فرنسا المدعوة «الثلاثون الظافرة» (Trente glorieuse) وبداية الدخول في نفق الأزمات الاقتصادية العالمية.
فابتداء من سنة 1980 بدأ المواطن الفرنسي ينظر إلى الأجنبي على أنه يزاحمه في سوق الشغل فكلما زادت حدة الأزمة الاقتصادية زادت حدة الأزمة الاجتماعية.
وهكذا فإن الانتقال من الخواف (الفوبيا) إلى العُظام (paranoia) يرتبط ليس فقط بتحولات صورة الإسلام من خلال حركات العنف الديني، بل أيضا وربما أساسا بالتحولات الاقتصادية العالمية وانعكاسها على المجتمعات الأوروبية على شكل أسطورة.
________
*الاتحاد الثقافي