ما قبل طائر الموت… «والآن جاء دوري لأحرسك في أحلامك»


*ترجمة: عبدالله عبيد

جمعت الصحافية الأميركية روز روس في كتاب، يمكن وصفه بالمؤلم، عدداً من الرسائل الأخيرة، لأولئك الذين يواجهون الموت، سواء بسبب المرض أو لغيره من الأسباب، وبهذه الرسائل تقدم روز نظرة مقنعة إلى تعقيد العواطف التي نواجهها مع اقتراب نهاية حياتنا، كما أنها توفر لمحة عن القوة الجامحة للروح البشرية. هنا مقتطفات من بعض هذه الرسائل: لي ثورنتون، 22 عاماً من بلاكبول، أصيب إصابة قاتلة في البصرة، العراق في 7 أيلول (سبتمبر) 2006 كتب «لي» هذا الخطاب لخطيبته هيلين أوبري (21 عاماً)، في حالة أنه لم يعد: «أهلاً حبيبتي، لا أعلم لماذا أكتب هذه الرسالة، آمل حقا أنك لن تحصلي عليها، لأنه إن حدث ذلك فهذا يعني أنني ميِّت، وهذا يعني أيضاً أنني لن يتاح لي الوقت لأظهر لك. كم أنا أحبك. في كل ليلة قضيتها بعيدا عنك، كنت أضع صورتك على رأس سريري، وأقبل أصابعي التي كانت تلمس وجهك، لقد وضعت الصورة على سريري، ويمكنك أن تكوني بذلك قريبة مني، حسناً والآن جاء دوري للوقوف عليك وأنت نائمة، لأحرسك في أحلامك، وسوف أنحني دائماً عليك لأتأكد من أنك بخير».

في آذار (مارس) 1912 كتب المستكشف الكابتن روبرت سكوت من القطب الجنوبي رسالته الأخير لزوجته، كاثلين وابنهما البالغ من العمر ثلاث سنوات، بيتر، كما أنه شق طريقه للعودة ولكن من دون جدوى، إذ كانت درجة الحرارة دون الصفر، وعانى من شدة الصقيع وسوء التغذية. وتوفي يوم 29 مارس من العام نفسه: « إلى أرملتي.. يا أعز عزيزة، ليس من السهل أبداً أن أكتب بسبب البرد، الدرجة هنا 70 تحت الصفر ولا مأوى لنا سوى خيمة، نحن في زاوية ضيقة جداً، وليس هناك لحظة أستطيع أن أكتب لك فيها هذه الرسالة إن حدث طارئ ما لي سوى في لحظة الغداء هذه، إن حدث لي شيء أود أن تعرفي إلى أي درجة كنت أحبك. عندما يأتي الرجل المناسب لمساعدتك في الحياة، يجب عليك أن تفعلي ذلك وتكوني سعيدة مرة أخرى. اجعلي الصبي مهتماً بالتاريخ الطبيعي إن استطعتِ. هذا أفضل له من اللعب الدائم. وحاولي أن تجعليه يؤمن بالله فهذا أمر مريح، إن حدث لي شيء فسيعثروا علي وفي صدري صورتك وصورة الصبي.. أحبك».
الكاتبة ميليسا ناثان أصيبت بسرطان الثدي في عمر الـ33 وتوفيت في عمر الـ37 كتبت رسالتها الأخيرة لعائلتها في الصفحات الأولى من كتابها الأخير: «أنا في موقف غير عادي، هذا الكتاب في جميع الاحتمالات سوف ينشر بعد رحيلي ومن الأفضل أن أنخرط فيه بشكل أفضل بدلاً من كتابة مجموعة من الاعترافات..
أولاً إلى والدي الرائع: لقد منحتني حياة رائعة من الحب والعطف والصداقة، لقد كنت محظوظة بما يكفي لرؤيتك وجها لوجه، من فضلك لا تشعر بأن حياتي كانت صعبة لقد كانت 37 سنة رائعة. عزيزي أندرو: أنا أحترمك بقدر ما أحبك، وهذا قد يبين لك شيئاً ما، لقد كنت محظوظة بالزواج منك 12 عاماً وهذا ليس بالأمر سهل. أحبك ابني سامي: سأخبرك الكثير عندما أذهب إلى السماء وسأقبلك وأنا هناك كما كنت أفعل دائماً، لقد تركت بصمة على قلبي إلى الأبد».
كان ميك سكوت عندما بدأت الحرب العالمية الثانية. قد انضم إلى سلاح الجو الملكي البريطاني وقام بأول رحلة تشغيلية له، وعمره 26 عاماً، في 24 أيار (مايو) 1941. كانت رحلته الأخيرة؛ إذ ذهب في عداد المفقودين في بحر الشمال. «أبي وأمي ربما كنت أعرف أنكما لن ترياني بعد الآن، وقد تكون المعرفة أفضل من عدم اليقين لأشهر.. هناك شيئان وددتُ قولهما، ولكنني كنت خجولاً طوال الفترة الماضية: أولاً: لقد كشفت هذه الحرب الرهيبة طبقات لم تكن متصورة من المودة بيننا كأسرة، وكشفت عن تماسكنا في لحظات الخوف.
ثانياً: أود أن أشكركم على ما قمتم به لي لقد سببت لكما الكثير من المتاعب أنا أحبكما وإن لم أستطع أن أعبر لكم عن ذلك. لقد كرهت هذه الحرب على رغم أنها أظهرت لي عوالم جديدة حيث يكون الشخص خالياً من القيود والاتفاقات الدنيوية، حيث يمكنه أن يلعب الغميضة مع الغيوم أو يشاهد العالم في الأسفل بصمت غريب، هذا الغموض الذي أشعر به لا يستحق أي شيء، أستطيع أن أقول لكما لا شفقة لهذه التضحية التي أقدمت عليها لذا لا تقلقا عليَّ.. أتمنى لكما حياة سعيدة».
________
*الحياة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *