خاص ( ثقافات )
أصدر مشروع “كلمة” للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة رواية جديدة بعنوان: “حادث ليليّ” للكاتب الفرنسيّ الفائز بجائزة نوبل للآداب 2014 باتريك موديانو، وقد ترجمتها إلى العربية الشاعرة اللبنانية دانيال صالح،
ويأتي إصدار الرواية ضمن سلسة الأدب الفرنسيّ التي يشرف عليها ويراجع ترجماتها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم بباريس كاظم جهاد. والتي تصدر في أوقات متقاربة عن المشروع ذاته ترجمات ستّة من أعمال الكاتب.
عرف موديانو بكتابة لمّاحة تراهن على الاقتضاب، بها يحوّل الوقائع التاريخيّة إلى علامات بحث شخصيّ لا يكلّ، وإلى رحلة في الذات والآخرين مجرّدة من كلّ إسقاط مرَضيّ ومن كلّ وهْم، وهذه المواصفات نراها مجسدّة خير تجسيد في كتابة هذه الرواية.
هنا نلتقي بموديانو مسّاح باريس، الخرائطيّ والأرشيفيّ البارع الذي يعيد رسم جغرافيّتها الفعلية بدقّة وشاعريّة في آنٍ معاً، ويجعل منها مسرحَ مسارٍ تلقينيّ نستسلم لإغوائه منذ أولى الصّفحات. هي جولات متهمّسة ومضنية في مساحة الواقع وكتَل الوثائق ومختلف صنوف العلامات، يقوم بها فرد متوحّد يهمين عليه ثقل الماضي وتحدوه تساؤلات ممضّة عن أصوله، وعمّا ساهم في تكوينه دون أن تكون له يدٌ في ذلك، تحدوه إلى استقراء الوجوه والوقائع والكلمات بشغفٍ يقارب الهوس، وبعنادٍ يمكن أن ننعته بالبطوليّ.
هي كتابة تكشف بلمسات حاذقة وحركات مداوِرة عن يُتْم بدئيّ مضطلَع به، وعن بنوّة للتجربة وحدها، وانفتاح على ما يأتي. كلّ واحد من أبطاله، وهم في الغالب الأعمّ لسان حال المؤلّف ذاته، يمكن أن يقول ما يقوله بطل الرواية المترجمة هنا عن نفسه: “كنت أتساءل في تلك الغرفة من فندق فريمييه إن لم أكن أسعى، على الرغم من العدم الذي يلفّ أصولي والفوضى التي تحكم طفولتي، لاكتشاف نقطة ثابتة، أمر يبعث الطمأنينة، مشهد، يساعدني في هذا الظرف بالذات على تثبيت قدميّ والنهوض من جديد. ربّما هناك جزء كامل من حياتي لا أعرفه، قاع صلبة تحت الرمال المتحرّكة. وكنت أعوّل على سيّارة الفيات الخضراء المائيّة وعلى سائقتها لمساعدتي على العثور عليه.”
ولد باتريك موديانو في بلدة بولوني بيّانكور قرب باريس في 30 يوليو 1945 لأمّ ممثّلة من أصل فلامنديّ وأب يهوديّ فرنسيّ من أصل إيطاليّ شكّل غموض سيرته أحد أهمّ عناصر كتابات ابنه ومصادر إلهامه.
برع موديانو منذ رواياته الأولى في تصوير الأفق الاجتماعيّ والسياسيّ المأزوم في فرنسا في السنوات التالية للحرب العالمية الثانية، وفي تحويل التجربة التاريخيّة إلى مأساة وجوديّة ضاغطة يعيشها أفراد محرومون من الإرث، ويفتقرون إلى أدنى المرتكزات، يحدوهم أمل جارف في تأسيس الذّات وتحقيق ما يكفي من الوضوح لإعادة ابتكار الحياة. له أكثر من ثلاثين رواية ومجموعة قصصيّة، وتُوّج عمله بجوائز عديدة منها جائزة غونكور للرواية في 1978، وجائزة نوبل للآداب في 2014.
أمّا المترجمة دانيال صالح فهي شاعرة لبنانية باللغة الفرنسية، لها مجموعتان شعريّتان بعنوان “حجارة الليل” صدرت في باريس عام 1984، و”الخطوات النائمة” صدرت في بيروت عام 1985. ترجمت في الصحف والدوريّات اللبنانيّة والعربيّة عشرات القصص القصيرة والقصائد لجاك بريفير وبول إلوار وجورج شحاده وتشيزاري بافيزي وهنري ميشو ولو كليزيو وغيرهم، وساهمت في ترجمة أشعارٍ لأنسي الحاج إلى الفرنسيّة، وأعدّت وترجمت بالاشتراك مع شارل شهوان أنطولوجيا للقصّة القصيرة بعنوان “ثلاثون قصّة من الكوكب”. من ترجماتها إلى العربيّة “منصب شاغر” للبريطانية ج. ك. رولينغ، و”بوتشان” للياباني ناتسومي سوسيكي، و”فيضان ونصوص أخرى” لإميل زولا، والكتابان الأخيران صدرا عن مشروع “كلمة” للترجمة.