هل ندمر قدرتنا على السمع دون أن ندري؟




*مولي كرين

يستخدم كثيرون سماعات الأذن على مدار ساعات اليوم لحجب الضوضاء عن مسامعنا سواء خلال تنقلاتنا أو أثناء وجودنا في مكان العمل. لكن هل يؤدي ذلك إلى تدمير قدرتنا على السمع مبكرا؟ في السطور التالية؛ تتحرى مولي كراين صحة هذه الفرضية.

يبدأ الأمر تدريجيا، فتارةً يجد المرء خلال استماعه لأغنيته المفضلة أن الصوت لم يعد مسموعا له بما يكفي؛ فيلجأ إلى زيادة قوة الصوت. وتارة أخرى، يجد أنه يعاني الأمرّين لسماع حوار يدور على شاشة التليفزيون. أما محاولة استنباط فحوى ما يقوله أصدقاؤه خلال وجودهم جميعا في حانة غاصة بالرواد فتتحول إلى محنة حقيقية.
في أغلب الأحيان لا يصاب الإنسان بالصمم أو فقدان القدرة على السمع على نحو دراماتيكي مفاجئ، ولكنه أمر يتراكم – بشكل يتعذر وضع حد له – بمرور الوقت.
ويعتقد بعض الخبراء أن بعض السلوكيات المرتبطة بالأنماط الحديثة للغاية للحياة – مثل استخدامنا المتزايد لسماعات الأذن للاستماع للموسيقى وحوارات الأفلام – ربما يسهم في تدمير قدرتنا على السمع. وقد تؤثر هذه المشكلة على البالغين ممن لا يزالون في مقتبل العمر، وذلك بشكل أكبر بكثير مما كان الحال عليه من قبل.
لماذا يجب على المرء أن يشعر بالقلق إزاء حدة قدرته على السمع؟
تقول جيل غرونفالد، الخبيرة في علاج المشكلات المرتبطة بالسمع بالمركز الطبي التابع لجامعة فاندربيلت في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، إنه “لمن المذهل كم هي كثيرة جوانب حياة الإنسان التي يمكن أن تحفل بالضجيج والصخب، دون أن يفكر المرء في ذلك أو يدركه سوى في وقت متأخر للغاية”.
وتضيف غرونفالد: “إننا محاطون بالعديد من مصادر الضوضاء المرتبطة بالأنشطة ذات الطابع الترفيهي، فالاستماع لمن نحاورهم بشكل شخصي، والحفلات الموسيقية، والحانات، ودور السينما كلها ذات طبيعة صاخبة. هناك الكثير من الضوضاء التي يمكن أن نتعرض لها بشكل يومي.”
وتوضح الخبيرة المُعالِجة، التي تلقي محاضرات بشأن مسألة “الوعي بأبعاد مشكلة فقدان السمع” في كلية الموسيقى بجامعة فاندربيلت، أن التعرض المفرط لضوضاء صاخبة لفترات طويلة من الوقت يمكن أن يزيد من مخاطر معاناة أي شخص – أيا كان عمره – مما يُعرف بـ”فقدان السمع جراء الضوضاء”.
لكن ثمة سبب يدعو للاعتقاد بأن هناك من الناس من يبدأ في المعاناة من هذه المشكلة في سن مبكرة، إما لطبيعة عمله، أو للأنشطة الترفيهية التي ينخرط فيها، خاصة في مدينة تشكل معقلا للموسيقى والغناء مثل ناشفيل.
وتضيف غرونفالد: “في بعض الأحيان حتى إذا تعرض المرء للضوضاء في سن مبكرة؛ لا تبدأ (مشكلة فقدان السمع) في التفاقم بوتيرة سريعة ككرة الثلج، سوى حين تترافق مع تقدم الإنسان في العمر.”
وتخلص للقول: “لذا فربما أصاب بقدر ضئيل من فقدان القدرة على السمع ويلحق بي بعضٌ من الضرر الآن. لكن الأمر لا يصبح بحق مشكلة سوى مع تقدمي في العمر.”
ما هي مصادر الضوضاء التي يمكن أن تشكل خطرا خلال ممارسة الأنشطة الترفيهية؟
وضع كل من المعهد الوطني للسلامة المهنية ورابطة الصحة والسلامة المهنية، وهما مؤسستان معنيتان بالسلامة في أماكن العمل بالولايات المتحدة، الحد الأقصى القياسي لشدة الضوضاء المسموح بالتعرض لها في أماكن العمل عند مستوى 85 ديسبل، وهو ما يعادل ما يصل إلى مسامع راكب سيارة من ضجيج ناجم عن حركة السير في شارع بإحدى المدن.
ومن شأن تعرض المرء لمستوى أعلى من ذلك من الضوضاء لفترات طويلة أن يزيد مخاطر فقدانه القدرة على السمع بشكل أكبر بمرور الوقت. ورغم أنه يمكن للإنسان الإصابة بـ”فقدان السمع الناجم عن التعرض للضوضاء” بشكل مفاجئ وفوري، فمن الشائع للغاية ألا يلحظ المرء تأثيرات ذلك عليه في الحال، إلى أن يدركها في مراحل لاحقة من حياته.
ووفقا لدراسة أجرتها جامعة ليستر، يمكن أن تصل شدة الصوت التي تصل إلى أُذن من يرتدي سماعات الرأس الملحقة بأجهزة تشغيل الموسيقى إلى 120 ديسبل، وهو ما يشكل خطرا بالغا نظرا لأن الضوضاء التي تتجاوز مستوى 110 ديسبل يمكن أن تؤدي إلى “نزع الغِمْدُ المياليني (الغشاء النخاعي) من على الخلايا العصبية، وهو ما يعرقل إيصال الإشارات الكهربائية القادمة من الأُذنيّن للمخ. وهكذا فإذا ما ألحقت الضرر بأُذنك على هذه الشاكلة، فسيكون هذا الضرر مستديما، ولا يمكن إصلاحه.
يقول تود ريكتس، أستاذ جامعي ومدير قسم علوم السمع والكلام المخصص لطلاب الدراسات العليا في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت: “الأدوات التي تعمل بالكهرباء تصدر ضوضاءً تصل شدتها إلى نحو 90 ديسبل.. إذ يمكن أن تصدر من كل من المنشار الكهربي والدراجة المائية /جيت سكي/ ضوضاء تبلغ شدتها قرابة 100 ديسبل.”
ويضيف: “أما إذا كنت تتحدث عن نادٍ صاخب للغاية، أو حفل حافل بالضوضاء فقد تصل شدة الصوت إلى 105 ديسبل. وإذا كان الأمر يتعلق بنظام صوتي مجسم خاص بسيارة؛ فإن شدة الضوضاء هنا ربما تصل حتى إلى نحو 120 ديسبل، أو أكثر من ذلك قليلا. أما إذا كنت على بعد عدة أقدام من سلاح ناري فستتعرض لصوت شدته 140 ديسبل، وهو ما يشكل المستوى الذي يمكن أن يشعر المرء جراءه بالألم، أو ما يتجاوز هذا المستوى.”
ويعاني العديد من الناس من “تغيرات مؤقتة في مستويات القدرة على السمع” لديهم، إذ تصبح الأصوات التي يسمعونها مكتومة قليلا لعدة أيام، بعد حضورهم حفلا صاخبا أو قضائهم سهرة صاخبة حافلة بالرقص والشراب، ولكن الأمر يعود بعد ذلك إلى حالته الطبيعية.
هناك عملية كيمياوية تقوم بها الأذن لحماية نفسها، فيبدو الصوت وكأنه فقد وضوحه جراء إرهاق حل بالشعيرات الموجودة في الأذن الداخلية.
وحتى يتعافى المرء من مثل هذه الحالة؛ يتعين عليه الذهاب إلى مكان هادئ حتى تستعيد قدرته على السمع حساسيتها، بالإضافة إلى ضرورة أن يتجنب أن يتسبب بتصرفاته في حدوث مزيد من تلك التغيرات المؤقتة لمستويات قدرته على السمع في المستقبل.
كيف يمكنني تحديد ما إذا كانت قدرتي على السمع تتلاشى؟
من الشائع أن يعاني من يتعرض وهو في سن مبكرة للضوضاء والضجيج بشكل مفرط، من مشكلات أكثر خطورة في ما يتعلق بفقدان القدرة على السمع عندما يتقدم في العمر، أو أن يصاب بتلك المشكلات في مرحلة مبكرة من حياته. ويطلق ريكتس على ذلك اسم “التأثير المُؤخر أو المُؤجل”.
وفي عام 2013، بُث على موقع يوتيوب تسجيل مصور على قناة “آساب ساينس”، يتضمن سؤالا مفاده “كم يبلغ عمر أُذنيك؟” المشكلة هنا أنك ربما لا تسعد كثيرا – عزيزي القارئ – بالإجابة التي ستخلص إليها بشأن عمر أُذنيك، فقد تكتشف أن عمرهما يزيد بعشرين عاما كاملة عن عمرك الفعلي.
وإذا ما كنت تشعر بالقلق حيال مدى قوة قدرتك على السمع، فبوسعك الاستفادة من اختبارات متاحة مجانا في هذا الشأن، من خلال تطبيقات تُستخدم على الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر اللوحية، وذلك كخطوة تمهيدية تسبق زيارتك لأخصائي في السمع لعرض حالتك عليه.
بالنسبة لمستخدمي هواتف (آي فون)
يشكل تطبيق UHear أحد أكثر التطبيقات واختبارات حساسية السمع شعبية، إذ يختبر مدى قدرة مستخدمه على الاستماع لحديث يدور وسط جلبة وضوضاء، كما يوفر له استبيانا في هذا الشأن.
وفي أبريل/نيسان من العام الجاري، طُرح تطبيق باسم ” Mimi Test”، وهو تطبيق ذو واجهة أنيقة، يحث مستخدمه على استخدام السماعات التي تُصّنِعُها شركة “آبل” للحصول على النتائج الأكثر دقة للاختبار، وكذلك لجعل هذا الاختبار ذا طابع موحد لدى إجرائه من قبل مستخدمين مختلفين. وفي نهاية الاختبار، يحدد ذلك التطبيق عمر أُذنيك.
بالنسبة للأجهزة التي تستخدم نظام تشغيل “آندرويد”
بوسع مستخدمي هذه الأجهزة الاستفادة من تطبيق يحمل اسم “اختبار السمع” (Hearing Test). ويحمل هذا التطبيق شاشة العرض المستخدمة في اختبار رئيسي لقياس حدة السمع يُعرف باسم “بيور تون” أو (الرنين الواضح)، وهو اختبار يجريه الخبراء في هذا المجال للتعرف على مستويات القدرة على السمع لدى الأشخاص المترددين عليهم.
وبمقدور مستخدمي هذا التطبيق طباعة نتائج الاختبار الذي يُجرى في إطاره، وإذا ما قرروا اقتناء النسخة الأكثر احترافية منه (ProHearing Test) ، وهي مدفوعة وليست مجانية، سيكون بوسعهم في هذه الحالة إرسال تلك النتائج عبر البريد الإليكتروني.
كيف يمكن أن تساعدنا التكنولوجيا في الحفاظ على السمع؟
يمكن لمن يعانون من تراجع متوسط في قدرتهم على السمع الاستعانة بمبتكرات تكنولوجية، مثل جهاز “ساوند هوك” لتقوية السمع، وذلك لتمكينهم من التركيز على أصوات بعينها، إذا ما كانوا في أماكن غاصة بالبشر مثل الحانات والمطاعم. ولا يتطلب الأمر في هذه الحالة سوى استخدام سماعتي أُذن، ومكبر للصوت (ميكروفون) يُثبت في الثياب بالقرب من الفم. ويعمل هذا الجهاز، الذي ابتكره جراح الأُذن السابق رودني بركينز، بتقنية البلوتوث، ويمكن تعديل مستوى الصوت الواصل للأذنين من خلاله عبر تحميل تطبيق Soundhawk على أحد أجهزة الهواتف الذكية أو الحواسب اللوحية التي يقتنيها المستخدم.
كيف يمكن للمرء الحد من تفاقم مشكلة فقدانه السمع؟
إذا ما أردت عزيزي القارئ أن تقلل من الزيادة في عدد حالات الإصابة بـ”فقدان السمع جراء الضوضاء” في سن مبكرة، فعليك خفض مستوى شدة صوت هاتفك الذكي إلى الحدود الآمنة. ويتطلب ذلك دخولك على قسم الإعدادات الخاصة بالهاتف، وخفض الصوت بنسبة قد تصل إلى 30%. وبهذه الطريقة لن تكون عرضة لإغراء الاستماع إلى الموسيقى بشدة صوت غير آمنة بالنسبة لأُذنيك.
وإذا ما كنت بصدد حضور حفل موسيقي أو مهرجان للموسيقى، لا تخش من أن تجلب معك سدادات للأُذن، فليس بوسعك قط أن تعلم متى يمكن أن يتبدل موقعك خلال الحفل أو المهرجان لتكون قريبا من إحدى سماعات تكبير الصوت.
كما يمكنك في هذا الإطار شراء سماعات الرأس التي تغطي الأُذن والمانعة لتسرب الضوضاء، بدلا من السماعات التي تُثبت بداخل الأذن. وربما يشكل ذلك أبسط وسيلة يمكنك من خلالها ضمان ألا تبدأ الأنغام التي تستمتع بسماعها، في سلبك متعة السمع ذاتها طيلة حياتك.
______
*bbc

شاهد أيضاً

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب مولود بن زادي في كتابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *