محمود عبدالله
«ما وراء القمر» أحدث مجموعة قصصية للكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصرالسابق، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، صدرت مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية، بعد قراره التفرغ التّام للكتابة، وهي في الواقع منجز أدبي يستحق التأمل والقراءة، لما يحتويه من أحداث وقضايا اجتماعية وإنسانية عامة وإن أتت بلسان سارد يشكل المحور الأساسي في التعبير عن جلاء الذات المتكلمة وهي تراقب ما يدور في فلكلها، في قالب قصصي يقوم على وحدة موضوعية تستثمر إلى أقصى حد ثلاثية (الانسان، المكان، الزمان). لعل أول ما يشد انتباهنا ونحن نتصفح المجموعة هو عنوانها الذي يبعث على الفضول. إنها العلاقة بيننا وبين بعض من رحلوا عن عالمنا، تلك العلاقة التي تؤكد أحداث القصص أنها قائمة، حينما يعتمل خيال الكاتب بأبطاله: يوسف إدريس، نجيب محفوظ، أسمهان، وآخرين. والمتأمل في أسلوب قصص المجموعة، يتحسس فيه البساطة والايحاء والتكثيف والتركيز والوصف والاستمرار في السرد. فهاهو يقابل يوسف إدريس في إسبانيا، رغم رحيله منذ سنين، كما يكشف عن أمنيات نجيب محفوظ التي تتحقق بعد رحيله، وهاهي المطربة أسمهان تبعث له برسالة من العالم الآخر والصورة تتشكل في النهاية في إطار جمالي يجعلك تصدق أن كل ما يحدث مع هؤلاء الأبطال هو الحقيقة بعينها. في مجموعته يجتاز سلماوي حدودا جديدة في عالم الخيال، ويدخلنا ببراعة إلى عوالمه الغريبة القائمة على سحر وهوية المكان. أحداث تدور بين القاهرة ومدريد ولندن وهامبورغ وغزة وطرابلس والسويداء والقدس وبيروت وجزيرة لمبدوزا الايطالية، وأمكنة مفترضة هي أمكنة داخل الذات يجول فيها أبطاله ومعهم شهداء ثورة 25 يناير، وأيضا أطفال غزة المقتولين، والواحد وعشرين قبطيا الذين قامت (داعش) بذبحهم جهارا في ليبيا. يعتمد الكاتب على ما ورد في أحد اقدم الكتب (كتاب الموتى) الذي يحوي خلاصة الفكر المصري القديم: الأموات حينما يتركون عالمنا ينتقلون إلى ما وراء القمر ومن هناك كثيرا ما يحضرون لمحاورتنا. ومن هذه الرؤية نسج سلماوي قصصه في ثلاثة أجزاء، الأول بعنوان (الكتّاب لا يموتون) وأبطاله يوسف إدريس، نجيب محفوظ، ووجيه غالي. أما الجزء الثاني فوسمه بـ(دماء البحر) حول أبطال تم اغتيالهم، كالشباب المهاجر بصورة غير شرعية عبر البحر، وعن أطفال اغتالتهم يد الشر الاسرائيلية وهم يلعبون على شاطئ غزة، وعن فجيعة المصريين الأقباط وكيف نحرتهم (داعش). والجزء الثالث بعنوان: (رسائل ما بعد الرحيل) حيث اتصال الراحلين بالأحياء، كأن تبعث أسمهان بخطاب إلى الكاتب بعد رحيلها بنحو 70 عاما، لتروي له قصتها المغايرة لما يتداول عنها، ثم قصة أحد شباب ثورة 25 يناير الذي اتصل هاتفيا بوالدته بعد رحيله لكي يطمئن عليها وعلى بلده.
الاتحاد