السرد الجاذب وتنوّع الأمكنة في” قناديل الروح” للروائي إبراهيم الفقيه


*أحمد القماز

خاص- ( ثقافات )

بلغة غير صاخبة وغير رتيبة أيضاً وبدون الذهاب إلى شطحات شاعرية لا ضرورة لها ، يبني إبراهيم الفقيه عالمه الروائي ويقبض باقتدار على حركة شخوصه القليلة في الرواية. 
إن المخزون السردي الذي استمد منه الروائي مادته، أثرت تلك المشاهد المتقطعة والتي جاءت بعد ذلك مثل كتلة واحدة مترابطة العناصر في الوقت نفسه، دون أن تضيع معالم الحدث الرئيسي رغم الانتقال السريع بين مشهد وآخر من حيث الزمان والمكان وحركة الشخوص. 
يبدو أن الحكاية ( مأساة الشعب الفلسطيني ) منذ النكبة وحتى اتفاقيات اوسلو، قد جاءت بكثير من الأحداث التي تخطت التسجيلية والخطاب التوثيقي المباشر ، نحو عالم متخيل ، جاءت مادته من الوقائع التاريخية والحياتية التي نسجها إبراهيم الفقيه عبر الشخصية المركزية ( جلال) وعلى لسانه أيضاً ، بقدرة فنية ومهارة الروائي الذي بيّت النيّة مسبقاً ، وولد تلك الدهشة التي أحدثها عند القارئ ليتابع بشغف ذلك الخيط السحري الذي أراد له أن يبقى بينه وبين قارئه، دون أن يقحم نفسه بآراء معدة مسبقاً أو قوالب جاهزة ( للحكي). 
إنّ المادة التاريخية دائماً تتطلب الإقناع الذي بدونه لن يستقيم العمل الروائي، خاصة أن المعلومات وتفاصيلها موجودة في كتب التاريخ والمراجع الكثيرة ، لكنّه؛ أي الروائي- على ما يبدو- طبّق مقولة الناقد الفرنسي جيرار جينت ( إنك تستطيع أن تأخذ من التاريخ شخوصاً وتدير حواراً بينهم ، بالأصل لم يكن موجوداً ) انتهى الاقتباس ، بهذا يفلت الروائي من وقوعه داخل عباءة المؤرخ ، والموثق ، وقد يرجع السبب إلى أن إبراهيم الفقيه روائي متمرّس، فهذه هي الرواية العاشرة الصادرة له.
برز المكان في قناديل الروح جليًا وواضحًا على وجوه عدة؛ المدينة ، والقرية ، والمخيم.
يُلاحَظ دائماً، إن المدن الفلسطينية حاضرة في الرواية الفلسطينية وهنا يجب أن نقف عند انتقال ناجي الشخصية المركزيّة في الرواية إلى رام الله، لأن المدينة اصبحت في وجدان الفلسطيني المهجّر، هي البؤرة التي يبحث عنها ليجد نفسه ربما ، وليجد أنه بالإمكان من صفة اللجوء إلى صفة المواطنة داخل بلده؛ لذلك برع إبراهيم بوصف مدينته التي انتقل إليها بطل حكايته؛ بشوارعها وأناسها ومحلاتها التجاريّة وأزقتها وبيوتها ، أيضاً عبر عن ذلك القهر الذي مورس على ناجي والذي ينسحب على الفلسطيني أينما كان، من خلال التحقيق معه والتضييق عليه من قبل الجانب الإسرائيلي على الحدود ، فكانت رحلة ناجي وعائلته من عمّان إلى رام الله رحلة عذاب غير مستقر.
تعد بيئة المخيم هي البيئة الطارئة على الإنسان الفلسطيني، وللمفارقة أن المخيم قد جمع كل بيئات المجتمع الفلسطيني معاً ، فقد سكنه ابن يافا وحيفا وسكنه أيضاً أبناء القرى من الريف ، وحدث هذا عقب الحربين 1948 ، 1967. 
يصوّر إبراهيم الخطيب حياة المخيم وبيئته الجديدة من خلال مخيم قلنديا ، بعد اللجوء الأول ، ثم الانتقال إلى مخيم الكرامة في الأغوار الوسطى ، والانتقال بعد ذلك إلى مخيم البقعة في عمّان. 
ومن خلال تصويره لأحداث معركة الكرامة بأسلوب فني هائل، انتقل من البكائيّة التي تلاحظ في الرواية الفلسطينية غالباً ، بل فعل ما يسمى بالوجود الفيزيقي وهو هنا فعل الاشتباك والمقاومة تجاه العدو الصهيوني خلال المعركة. 
نص من الرواية صفحة 30
( تواصلت العمليات الفدائية ضد المحتل في الأراضي الفلسطينية ، وعززت معركة الكرامة آمالهم بالصمود والعودة إلى فلسطين بعد اليأس كما قالت جليلة لولدها ذات مساء ، وأضافت بأن معركة الكرامة أعادت الكرامة للأمة العربية، امتزج فيها الدم الأردني بالدم الفلسطيني ، وقف المقاتلون مع الجيش الأردني في خندق واحد). 
من هنا نرى أن إبراهيم الفقيه انتقل بالشعب الفلسطيني من بوتقة الأحزان والبكاء على الماضي ليجعل منه شعبا مقاوما في سبيل قضيته ودمجه بالحياة الجديدة عليه أيضا. 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *