*كمال أبو ديب
خاص- ( ثقافات )
تنويه: ليست دراسة فما كتبته لا يفي الرواية حقها إن كان دراسة.
لو لم يكن لهذه الرواية من امتياز سوى أنها تبشر برؤية جديدة للعلاقات العرقية والثقافية في العالم العربي لكانت تستحق الاحتفاء بها وبكاتبها . فلأول مرة، فيما أعرف (وقد أكون مخطئاً)، يوحّد كاتب عربي بين النضال من أجل تحرير فلسطين وحق تقرير المصير للفلسطينيين في دولة مستقلة ونضال الأكراد لتحرير كردستان وحق تقرير مصيرهم في دولة مستقلة .
لقد كان الفكر القومي العربي عنصرياً في نظرته إلى الأقليات العرقية والثقافية، وكان ذلك عاملاً مهماً في إخفاقه، كما أن الدعوات الإسلامية المعاصرة عنصرية في موقفها من كل من يختلف عنها دينيا أو مذهبياً. وفي ذلك أيضاً مقتلها.
وكانت بذور رؤية جديدة للاختلاف وميل للاحتفاء به قد بدأت تنمو قبل أن تعصف كوارث ربيع الدم العربي فتنشر الدمار وتستعيد الرؤى الظلامية والطائفية والعرقية التي تشحنها، بكل ما تملك من طاقات مالية وتدميرية، زعاماتٌ فردية وقبلية. ودولية عربية وغير عربية
في الوقت نفسه، تجسّد هذه الرواية الكثير مما في تجربة الفلسطيني من براءة وتشريد، وعذاب واضطهاد، لكنها تجسّد أيضاً كل ما فيها من عزيمة وصلابة إيمان ونذر للنفس ويقين بالتحرير في نهاية المطاف. وهي تفعل ذلك بلغة مكافئة من البراءة اللغوية والتقنية والسردية تصل حدّ الاختزال أحياناً والمباشرة القاسية أحيانا.
رواية تمسّ الشغاف عاطفياً، وتستثير العقل فكرياً وتستعيد المعنى البكر لفن الرواية: وهو أنها تروي حكاية مثيرة وجديرة بأن تُروى وبأن يصغي إليها المتلقي بتعاطف ولهفة. وفيما تفيد الرواية من تعدد المنظور في فن القصّ بذكاء، وتسهم في إغناء ما أسميته في أحد أبحاثي النقلة من الواحد إلى المتعدد، فإنها لا تسقط في شرَك تقليد آخر تقليعات الروايات الغربية، وهو داء يسِمُ جُلّ النشاط الإبداعي في العالم العربي، ويشتّت الكثير من طاقات المبدع، ويوهن قدرته على أن يبتكر شيئاً متميزاً نابعاً من معاناته وتجربته وحساسيته الشخصية لمكوّنات الإبداع ولأفانين تجسيد التجربة (أوالرؤية) في أساليب تفيض من تكوينها المتواشج، بإخلاص كلي لما يشعّ من غياهب الذات، وبحرية كاملة من شهوة التسربل بعباءات آخر الأزياء المنسوخة من كاتب هنا وكاتبة هناك في هذا البلد الغربي أو ذاك.