*ترجمة/ عادل صادق
حين وصلنا إلى هناك كان من السهل متابعة خططنا للتمرن والأكل بطريقة صحية، حتى كانت الساعة فجأةً تشير إلى الرابعة والنصف بعد الظهر وكنا على استعداد لإدخال وجوهنا في أول نبتة هندباء نراها. فعسّالات النحل، كالبشر، يمكنهن ممارسة السيطرة الذاتية حين يتخذن قرارات بشأن الطعام. لكن حين يجوّعن بما فيه الكفاية، تطير السيطرة خارج النافذة تماماً.
والسيطرة على الذات لدى النحل لا تتعلق بالسلاطة والبيلات، بالطبع، إذ تستهلك العاملات الرحيق في الغالب، وحين تعود إلى الخلية تتقيأ ذلك الغذاء لتشارك به بقية النحل. والنحلة العاملة المسؤولة ينبغي أن تختار أفضل مصادر الرحيق ــ لا أن تستقر على أول زهرة تجدها ــ وتبلغ أخواتها العائدات للبيت بالمكان الذي هي وزميلاتها فيه.
وقد وجد الباحثون أن النحلات العسّالات يُبدين سيطرة على الذات. وسوف يتحملن العناء من أجل مكافأة رحيق أكبر وأحلى بدلاً من تناول مكافأة أصغر وأقل حلاوةً على الفور. لكن هل ستختار النحلات على الدوام ما هو في صالح المستوطنة على حساب حاجاتهن الخاصة؟ وإذا كانت النحلة جائعةً تماماً، هل ستقلل من معاييرها بشأن نوعية الرحيق؟
لاكتشاف ذلك، قام البايلوجي كريستوفر مَياك Mayack من جامعة مارتن لوثر في ألمانيا بجمع عدد من العسّالات العلاّفات الشابات . ووجّه مياك روائح كيميائية مختلفة فوق النحلات، ثم أعطاهن مكافآت من السكّر. وقد علّم هذا النحلات أن يربطن بين عطور معينة ونتائج معينة : فالرائحةً كانت تعني لهن وصول رشفة كبيرة من ماء السكر، ورائحة أخرى تعني مصَّة صغيرة فقط. وقد حصلت مجموعة من النحل على هذه المكافآت فوراً. أما الجماعة الأخرى، فإن المكافأة الصغيرة جاءت بعد تأخير ثانية، وجاءت المكافأة الكبيرة بعد خمس ثوانٍ.
ولقد تعلمت النحلات اللواتي عشن التأخير مع هذا تفضيل الرائحة ذات المكافأة الكبيرة، حتى مع أنه كان عليهن الانتظار وقتاً أطول للحصول عليها. وإذا ما كنّ علاّفات في الحقل، فإن هذا يمكن أن يشبه التحول عن رقعة صغيرة من الأزهار لصالح رقعة أكبر وأكثر عصيراً موجودة بعدها. ( ويمكن أن يعني ذلك، لو كانوا بشراً، عدم إفساد عشاءهم بوجبات خفيفة. )
عندئذٍ توقف مَياك عن تغذية النحلات. وبعد 6 ساعات، أو 18 ساعة، أو 24 ساعة، اختبرهن ليرى كم تبقى لديهن من السيطرة على الذات.
وراحت النحلات تشمّ نوعين من العطور ، واحداً عند كل جانب من رؤوسها. وكانت الطريقة التي تحوّل بها النحلة الجائعة رأسها أولاً ــ وهي توجه خرطومها بحثاً عن ماء السكّر ــ تشير إلى اختيارها.
وفي الـ 6 ساعات، كانت النحلات تختار بشكل اعتيادي المكافأة الأكبر، سواء أُخِّرت أم لا. وحين يمر وقت أكثر، كان من الأرجح بصورة متزايدة أن تختار النحلات الجائعات المكافأة الكبيرة ــ لكن فقط حين تأتي فوراً. وفي الـ 24 ساعة من الجوع، ما عادت النحلات راغبات في انتظار جرعتهن من ماء السكّر مدة خمس ثوانٍ. واختار معظمهن مكافأة فورية أصغر بدلاً من ذلك.
وحين حلل مَياك التكوين الكيميائي لأدمغة هذه النحلات، أدهشه أن يجد مستويات عالية من الدوبامين dopamine في النحلات اللواتي أصبحن جائعات لمدة 24 ساعة. وفي الحيوانات الفقرية، يقول مَياك، أظهرت الدراسات أن الدوبامين الزائد في الدماغ يؤدي إلى سلوك أكثر تهوراً أو اندفاعاً. لكن الإجهاد لدى النحل يخفّض عادةً من الدوبامين و لهذا فإنه لم يتوقع أن يرفعه الجوع. ويؤكد مَياك أنه لا يعرف مع هذا ما إذا كان الدوبامين الإضافي قد سبب فعلياً السلوك التهوري للنحل.
إن نحلات العسل أو العسّالات يُظهرن “واحداً من أكثر السلوكات تطرفاً في مملكة الحيوان”، يقول مَياك. و هن يبدون من اللمحة الأولى غير أنانيات كلياً. مع هذا تبيّن دراسته أن النحلة في حالة المحنة ستتصرف لصالحها بكل جهدها، متجاهلةً حاجات المستوطنة. ويمكن أن تكون السبل الدماغية التي تؤدي إلى هذا السلوك قد تبقّت من فترة مبكرة من تطور النحل، حين كانت الحشرات تعيش على حسابها الخاص، وفقاً لمَياك. وحين تجوع النحلة تماماً، تعود للتصرف كحشرة معزولة بدلاً من فرد في جماعة.
أما إذا كانت تشعر بالذنب نتيجةً لهذا فيما بعد، وتقرر أن تكون لديها سيطرة ذاتية أكبر غداً، فمسألة نتركها ليومٍ آخر.
____
عن: Discover/المدى