عمارة لخوص
كثير من الكتّاب والفنانين الموهوبين الواعدين توقفوا عن الكتابة والإبداع لاقتناعهم بأنهم فاشلون. وهناك من صمد في وجه النقد واللامبالاة واستمر في طريقه. وتختلف مقاييس النجاح والفشل بين زمن وآخر وبين بيئة وأخرى. مثلاً، يمكن القول إن فينسيت فان غوخ (1853 ـ 1890) كان رساماً فاشلاً في أعين معاصريه. فقد رسم ما يقارب 900 لوحة ولكنه لم يتمكن من بيع سوى لوحة واحدة طوال حياته هي كرم عنب أحمر التي رسمها في آرل (جنوب فرنسا) عام 1888؛ أي قبل عامين من موته المأساوي بعد أن أطلق رصاصة على صدره. وتحمل الرسائل التي بعثها إلى أخيه ثيو الكثير من المرارة والشكوى من الحياة ولكنها في نفس الوقت لا تخلو من عشق كبير وإخلاص صادق لفنّه. وقد كتب في آخر رسالة لم يتمكن من إرسالها: “لقد خاطرت بحياتي من أجل عملي وأوشك عقلي على الغرق”. أما اليوم فهناك إجماع تام حول عبقرية فان غوخ وتباع لوحاته بملايين الدولارات ويقف الناس في الطوابير لساعات أحياناً من أجل الدخول إلى متحفه في أمستردام ومشاهدة لوحاته. من الصعب جدّاً ألا نتذكر أن فان غوخ عاش ومات في فقر مدقع ولم يحصد ما زرعه في حياته، ولكن بصرف النظر عن مسألتي النجاح والفشل، يبقى الإبداع بشتى أشكاله مخاطرة حقيقية ومغامرة كبرى مفتوحة على جميع الاحتمالات.
العربي الجديد