لماذا نحب حيواناتنا الأليفة كثيرا؟




*مِليسا هوغنبوم

وحدهم البشر يقتنون حيوانات أليفة في منازلهم، وربما يعود ذلك إلى أن التكفل برفيق محبوب أمر مكلف مادياً. وهنا يُطرح السؤال: ما الذي يدفعنا لاقتناء الحيوانات الأليفة؟

عندما ترى أربعة من قردة الشمبانزي وقد أسرت ظبيا صغيراً للهو به، قد يتراءى لك للوهلة الأولى أن هذه القردة تريد الإبقاء على ذلك الحيوان ليصبح بمثابة حيوان أليف لديها.
إلا أن القردة عمدت بدلاً من ذلك إلى تقاذف الحيوان الصغير بعنف، ودحرجته هنا وهناك، لينتهي أمره على نحو سيء.
كان هذا السلوك العابث لقردة الشمبانزي أعنف من اللازم بالنسبة للحيوان، مما أفضى في النهاية إلى هلاكه. وواصلت القردة اللهو به لنحو 30 دقيقة أخرى بعد نفوقه.

على كلٍ هذه حالة خاصة؛ فالظبي صغير الحجم، لا يعد “حيوانا أليفا” بالمعنى المتعارف عليه. كما أن الحيوانات لا تقتني حيوانات أليفة، إذ أنك لن ترى قرد شمبانزي يصطحب كلبا في نزهة كما يفعل البشر، أو فيلاً يربي سلحفاة رفيقا أليفا.
وهكذا يبدو أن اعتبار حيوان ما واحداً من أفراد الأسرة أمرٌ يقتصر على البشر وحدهم. والسؤال هنا هو لماذا يحدث ذلك؟

بداية، ليس من الواضح إلى أي حقبة زمنية تعود عادة اقتناء البشر للحيوانات الأليفة. نعلم أن أسلافنا، ربما كانوا قبل آلاف السنوات يستبقون بعض الذئاب على مقربة منهم. فربما كانوا أسروا هذه الذئاب، وهي صغيرة السن، ثم استأنسوها، ووجدوا أنها تفيدهم في الصيد.
مع مرور الوقت، أصبحت هذه الذئاب رفيقة مروضة، لتمضي على طريق التطور وتتحور إلى كلاب. وبحسب دراسة نُشرت في مايو/أيار الماضي، ربما يكون ذلك قد حدث قبل 27 ألف عام.
ومنذ تلك اللحظة، لم تنفصم العلاقة بين البشر والكلاب، وأصبح اقتناء حيوان أليف جانبا تشترك فيه العديد من الثقافات.
وربما يبدو ذلك غريبا، إذا ما وضعنا في الاعتبار أنه أمر مكلف مادياً. فالحيوانات الأليفة تحتاج إلى وجبات غذائية، ورعاية صحية ومكان خاص بها لكي تعيش فيه.
ورغم أن مثل هذه الحيوانات توفر لمن يعتني بها الصحبة والرفقة، إلا أن رعايتها والعناية بها تستهلك الكثير من الوقت، كما أن علاقة الرعاية هذه تمضي في اتجاه واحد في أغلب الأحيان (بدون حساب بعض الاستثناءات من قبيل كلاب الحراسة التي يستفيد منها أصحابها بدورهم).
بعد سنوات بعيدة، ربما يعتني بك بعضٌ من أبنائك. وهكذا، فإن الاعتناء بمن يمتون لنا بصلة قرابة وثيقة بات الآن منطقيا وفقا لنظرية التطور. هؤلاء الأشخاص يتشاركون معنا في جيناتنا، لذا، فإن ضمان بقائهم على قيد الحياة يساعد هذه الجينات على مواصلة البقاء بدورها.
لكن الأمر نفسه لا ينطبق على الحيوان الأليف الذي تقتنيه الأسرة؛ سواء كان كلبا أو قطا أو جرذا. فليس بوسعك أن تتوقع أن يقدم لك حيوانك الأليف شيئا ملموسا مقابل اعتنائك به. رغم ذلك، فلا يزال ملايين البشر يقتنون هذه الحيوانات ويعتبرونها جزءا لا يتجزأ من الأسرة.
هناك العديد من التفسيرات لذلك. فلعقود عدة، سادت رؤية مفادها بأن للحيوانات الأليفة فوائد صحية لمن يقتنيها، من قبيل تحسين مستوى الصحة النفسية لهؤلاء الأشخاص، بل وربما جعلهم يعيشون لمدة أطول.
لكن الأدلة المتوافرة في هذا الشأن ذات طبيعة متناقضة. فينما أظهرت بعض الدراسات أن للحيوانات الأليفة تأثيرا إيجابيا على بعض جوانب صحة الإنسان، كشفت دراسات أخرى- أكثر حداثة من الناحية الزمنية- عن نتائج معاكسة لذلك أيضا.
أظهر أحد البحوث على سبيل المثال، أن من يقتنون حيوانات أليفة يكونون أكثر عرضة للمعاناة من مشكلات تتعلق بصحتهم العقلية، كما يعانون من مستويات مرتفعة من الاكتئاب، مقارنة بمن لا يمتلكون مثل هذه الحيوانات.
كما أشارت دراسات أخرى إلى أن قدر السعادة الذي ينعم به أصحاب الحيوانات الأليفة، لا يزيد عن مثيله لدى من لا يحتفظون بمثل هذه الكائنات بالقرب منهم.
ويقول جون برادشو، الباحث في كلية العلوم البيطرية بجامعة بريستول البريطانية إن وسائل الإعلام ذات الطابع الشعبي لا تزال تخلد الفوائد الصحية المفترضة لتربية الحيوانات الأليفة على الرغم من أن هذه “الفوائد” قد اتضح عدم صحتها بشكل عام خلال السنوات الأخيرة.
ويضيف برادشو: “لا يعيش الناس لمدة أطول إذا ما كان لديهم حيوان أليف. الحجة المتعلقة بأن ذلك مرتبط بنظرية التكيف لم تعد صالحة الآن”.
لكن مسألة أن يتقاسم المرء حياته مع حيوان أليف ربما كانت مفيدة في الماضي. فبحسب برادشو، أظهر ذلك أن الفتيات أبلين بلاءً حسناً في رعاية الثدييات التي لا حول لها ولا قوة، وهو مؤشر على القدرات التي قد يتحلين بها في هذا الصدد كأمهات في المستقبل. كما أن هذا الأمر أكد وجود نزوع لتبني سلوك ينطوي على الحنان والتعاطف، وتعزيز هذا السلوك أيضا.

ثمة نظريات أخرى، أشارت إلى أن اقتناء حيوان أليف، مثل الكلب، ربما يمثل “مؤشرا صادقا” على ثروة المرء. ومن هذا المنظور، يُظهر ذلك أن لدى من يقتنى حيوانا أليفا موارد إضافية كافية لتحمل الأعباء المالية المترتبة على هذا الأمر، بالإضافة إلى تحمل أعباء إعالة نفسه.
وفي هذا السياق يقول برادشو: “هناك الكثير من العوامل التاريخية والثقافية التي ترتبط بالكيفية التي اخترنا من خلالها التعبير عن رغبتنا في توفير الرعاية للحيوانات، لكن الأمر في الأساس هو غريزة بشرية، شكلت عادة مؤشرا صادقا لمدى القدرة على الاهتمام بتلك الحيوانات.”
لكن جيمس سربِل، الأستاذ في مجال العناية بالحيوانات وأخلاقيات التعامل معها في جامعة بنسلفينيا، يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك، قائلا إنه لا يزال لاقتناء حيوانات أليفة فوائد ترتبط بتطور الجنس البشري.
يقول سربِل إننا بوصفنا كائنات اجتماعية نسعى باستمرار لإقامة روابط مع الآخرين، بما في ذلك حيواناتنا الأليفة. ويمضي قائلا: “إن البشر الذين يفتقرون للدعم الاجتماعي يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والأمراض”.
لكن هذا الرجل يقر بأنه من العسير إثبات وجود هذا التأثير. كما يقر بأن نتائج الدراسات التي تُجرى في هذا الشأن تتناقض مع بعضها البعض.
جانب ذلك، تلعب العوامل الثقافية دائما دورا في هذا الصدد. فلم يكن لدى كل المجتمعات حيوانات أليفة بالشكل المتعارف عليه لدينا.
أظهرت دراسة تحليلية للعديد من الثقافات، جرت في 60 دولة، أن مواطني 52 من هذه الدول يقتنون كلابا. لكن مثل هذه الكلاب لا تُعتبر رفيقة لأصحابها أو حيوانات أليفة بالنسبة لهم، سوى في 22 من تلك البلدان فحسب.
وفي بعض الثقافات التي يشيع فيها مفهوم اقتناء حيوانات أليفة، تُعامل تلك الحيوانات بقسوة؛ كما لاحظ عالم الأنثروبولوجيا جارِد دياموند في إحدى القبائل بغينيا الجديدة.
وبالنسبة لقبيلة مثل قبيلة كيمبو في كينيا، فإن الكلاب تُقتنى وتُربى فقط بغرض الحراسة والحماية. وليس في لغة هذه القبيلة من الأصل كلمة “حيوان أليف”. كما أن أصحاب الكلاب هناك لا يربتون عليها أو يضمونها إليهم، وكذلك لا يسمحون لها على الإطلاق بدخول مساكنهم.
وبنظر هارولد هيرتزوغ، الباحث بجامعة ويسترن كاليفورنيا الأمريكية، تظهر هذه الاختلافات أن مسألة اقتناء حيوان أليف ترتبط بالثقافة بشكل كامل.
وفي كلمة أمام جمهور الحضور للمؤتمر السنوي لجمعية علم النفس في نيويورك، قال هيرتزوغ إننا نقتني حيوانات أليفة لأن الآخرين يفعلون ذلك، نظرا إلى أن الأمر يعد بمثابة “عدوى اجتماعية”.
ويستطرد ها الباحث قائلا: “لدينا هذه النزعات العامة لأن ننجذب إلى الأشياء المفعمة بالحيوية؛ لدينا ميول لأن نرى الجراء الصغيرة والقطط الصغيرة كائنات لطيفة ومفعمة بالسحر. لكن ذاك الجرو الذي يعد لطيفا للغاية في الولايات المتحدة يمكن أن يُعتبر وجبة غذائية في كوريا الجنوبية؛ فما هو الأمر هنا إذن؟”. ويخلص هيرتزوغ إلى القول إن اقتناء حيوانات أليفة ناجم عن تعلم وتبني إشارات اجتماعية يطلقها آخرون. بعبارة أخرى، يمثل هذا الأمر مفهوما ثقافيا أو نزعة يتعزز انتشارها باستمرار بفعل ما تحظى به هي نفسها من شعبية.
ويضيف أن النظريات التي تسعى لتفسير أسباب نزوع البشر إلى اقتناء الحيوانات الأليفة، عبر الاستناد في ذلك لنظرية التطور، غير كافية. وأشار إلى ما خلصت إليه دراسة تحليلية أجريت على أكثر من 48 مليون شخص من المشتركين في نادي “أميركان كنِل كلْب” لتربية الكلاب من أن شعبية هذا الأمر تتحرك صعودا وهبوطا.
وهنا يقول هيرتزوغ: “يمكن أن تقفز شعبية (اقتناء) الكلاب إلى عنان السماء، ثم تهبط تماما بنفس السرعة، لذا فعندما تزدهر شعبية عادة تربية الكلاب يمكن أن يستمر هذا الازدهار لنحو 25 عاما”.
ويمضي قائلا إن شعبية هذه العادة “تصبح إما مرتفعة للغاية أو متدهورة إلى أقصى حد، تماما مثل الأحذية الرياضية التي يتأرجح حال الشركات المنتجة لها في أوساط المستهلكين ما بين رواج أو ركود”.
فعلى سبيل المثال، تمر الكلاب من فصيلة “البولدوغ” الانجليزية حاليا بفترة تشهد طفرة من جديد في شعبيتها، وذلك في وقت لم تعد فيه الكلاب الأصيلة غير المهجنة تحظى بالأفضلية التي كانت لها يوما. كما أن هناك تزايدا في أعداد من يسعون لإنقاذ الكلاب التي تقيم في الملاجئ، عبر اقتنائها. وبحسب هيرتزوغ؛ تشابه مثل هذه النزعات والصرعات تلك التي يمكن أن يراها المرء في عالم الموضة.
ولا يتفق سربِل مع هذا الرأي، إذ يرى أن عادة اقتناء الحيوانات الأليفة حدثت بشكل طبيعي في المجتمعات التي كانت تقوم على حرفتي الصيد وجمع الطعام أو الثمار، ولذا ينبغي أن تكون هذه العادة متأصلة من الأساس في تلك المجتمعات.
ويستطرد قائلا: “الفكرة القائلة إن عادة اقتناء الحيوانات الأليفة يمكن أن تكون قد استمرت بفعل حدوث تقلبات في الميول والأهواء، فكرة ملتبسة وتستعصي على الفهم، لأننا نعلم أنه كان للبشر هذا النمط من العلاقات مع الحيوانات منذ مرحلة مبكرة للغاية من تاريخهم”.

ربما كان الأمر كذلك، ولكن المظاهر الثقافية، مثل الفنون والموسيقى واللغة، كانت موجودة هي الأخرى قبل وجود الكلاب.
وفي هذا الصدد يقول هيرتزوغ إنه بينما يكون انجذاب المرء بشكل فطري للحيوانات اللطيفة أو الصغيرة أمرا حتميا بوضوح، فإن ذلك ليس كافيا.

ويوضح: “يتطلب الأمر تناقلا لهذه الثقافة لكي يصبح ذلك سمة مميزة للمجتمع. ولهذا السبب هناك العديد من الاختلافات التاريخية، وكذلك التباينات بين المناطق وبعضها البعض، في وتيرة اقتناء الحيوانات الأليفة وأنماط هذا الاقتناء”.
يبدو واضحا أنه من العسير علينا أن نحدد بدقة السبب الذي يحدو بالبشر إلى اقتناء حيوانات أليفة، إذ يمكن أن يعود الأمر إلى مزيج من عدة عوامل. ولكن في كل الأحوال لن يقلل هذا من لطف وسحر ذاك الجرو أو هذي القطيطة.
______
*BBC

شاهد أيضاً

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب مولود بن زادي في كتابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *