رواية ” طابق 99″ الحب في مواجهة الحرب والخسارة


محاسن عرفه -خاص – ثقافات

بين الطابق 99 في نيويورك،وأزقة مخيم صبرا وشاتيلا في بيروت تدور احداث رواية ” طابق 99″ للكاتبة اللبنانية جنى الحسن؛ من خلال قصة حب بين شاب مسلم فلسطيني،وبين فتاة لبنانية مسيحية،تتنقل بنا الكاتبة بين علو”طابق 99″ ومنخفض أزقة المخيم في بيروت،بأسلوب متماسك على مستوى اللغة والبناء السردي.

بطل الرواية هو مجد الذي يخوض تجربة عملية شاقة في شركة من ضمن إحدى كبريات شركات الالعاب الألكترونية في الطابق 99 من مبنى مؤلف من 101طابقا؛هناك يلتقي”هيلدا” اللبنانية المسيحية،التي جاءت الى نيويورك،لتعمل في تصميم الازياء وتتعلم الرقص الراقي ،كما وصفتة،في احدى حواراتها مع مجد،وهي أصلا قد هجرت بيروت،لتنسى عمها الذي مات في الحرب،وبيتهم والرجال الذين يدخلون الية،وقبو البيت الذي تحول إلى مخزن أسلحة،وأمها التي تنقلب بقدرة قادر الى ممرضة عندما يجرح أحد العناصر،هربت من بطش أبيها الذي كان يغدق عليها المال والحنان ويحرم أختها الاكبر،هذا الاب المتعصب لحزب ” الكتائب”،الذي يشعر بهزيمة بسبب قناعتة الراسخة بأن هذا الحزب لم ينل حظة من المجد السياسي،وهو على يقين بأن خلاص لبنان في هؤلاء النخبة من البشر،وهو مصمم بأن يصل ولن ينسى. لكن “مجد” الفلسطيني أيضا لم ينسى أمة ألتي ماتت في مجزرة صبرا وشاتيلا،بعد أن اخترق جسدها رصاص تلك المعركة،وهي تصرخ بوالده أن يركض بة الى المستشفى،سيذكر دوما ،عودتهم الى بيتهم بعد انتهاء المجزرة، والخراب في كل مكان،البطاطا التي لم تقشر ،طنجرة الحساء الذي لم يمس،الخالة المفجوعة باستشهاد أختها ،ورغم ذلك تمسح ألارض وتنظف وترتب كل شيء،تتعالى فوق آلامها وتكمل عملها، لا تعترض ولا تتأفف ولا تتذمر.لن ينسى والدة الذي كان أستاذا في إحدى مدارس الانروا وتخلى عن عملة لانة اقتنع بأنة لا بديل للفلسطيني عن القتال،وهكذا استبدل اناقتة ببذلة عسكرية وكوفية فلسطينية،وشعر بأن هذ الزي قد قربة من فلسطين،وجعل حلمة بالعودة قابل للتحقيق،وأن هذا المظهر منحة الانتماءألذي ظل يسعى إلية منذ حرب 1948،حيث الطريق إلى فلسطين يمر عبر منظمة فتح؛ ولكن بعد مجزرة صبرا وشاتيلا وإصابة ابنة واستشهاد زوجتة التي لم يعثر لها على أثر ولم يخبرة أحد كيف ماتت،شنقا ذبحا اغتصابا،وكانت على وشك ألوضع ،سألة “مجد”بعد عودتهم “أين أمي؟أمك روحت عفلسطين بدها تلد هناك.وكان يذكرة دائما”في أول فرصة يجب أن تزور أمك،أن تساعدها في قطف الزيتون،ورعاية الارض،هي قوية ولكنها وحيدة، ولن تتمكن بدونك،أن تفعل شيء.”
هذا الأب لم ينس،أن ابنة ” مجد” أصيب بندبة في وجهة،وعرج في ساقة
وهذا السبب الذي دفعة للتفكير في مستقبله ،ابنة ووضع عبارة :”كفى علينا الرحيل”هدفا أمامة. هكذا غادر الأب إلى نيويورك، وعمل مستخدما في محل ورد مقابل أن يضمن لابنة حياة بعيدة عن مخيمات الشقاء،وأحلام الفلسطينيين المؤجلة والمجهظة بالعودة.
وفي أميركا أكمل “مجد:”تعليمة العالي،وتخصص في عمل در علية ثروة لا بأس بها،جعلتة يعيش ويستقر في مبنى مؤلف من101، وكان مكتبة في الطابق99حيث كان يشرف على العالم،ويفتح نافذة الذكريات،التي لا يريد أن ينساها أبدا،طفولتة حيث أخبرة أبوة بأنة كان يحلم بأن يصبح طيارا، كان يعاند أمة حين تطلب منة أن يغادر السطح،كي لا يقع،فكان يصرخ محتجا :”أريد أن أرى ألشمس.”
ثم ظهرت”هيلدا”في حياة مجد ربما لتعزز ذكرياتة،وتذكره ة بعمق الالم في داخلة، من بين كل النساء في نيويورك،لم يحب إلا ابنة ألد أعداءة،أي قدر هذا الذي تعثر بة،أي امتحان عسير يتعرض لة،أي بحر يعبره والامواج عاتية صاخبة شرسة. هيلدا أخبرتة ببساطة أنها كتائبية،ولكنها ليست سعيدة،وغير مقتنعةبما تعرف وبما رأت وسمعت،هي لم تهتم عندما أخبرها بأنة فلسطيني،فقط أظهرت لة بأنها كانت تعتقد بأن الفلسطيني من كوكب اخر من طينة أخرى؛ عندها أكد لها بأنة أمامها وباستطاعتها أن تلمس إن كان هناك فرق عن غيره من البشر،وحين سألتة عن الندبة التي في وجهة والعرج في ساقة،أخبرها بأنة أصيب في مجزرة صبرا وشاتيلا،بيد الكتائب وأعوانهم. 
وبدأ الحب ليكون اتحادا قويا بين هذين الخصمين،سألها مجد: “ماذا تفعل في نيويورك؟” 
وقالت هيلد “انها جاءت لتتعلم الرقص وتصميم الازياء”لم يهتم ولكن سأل أي نوع من الرقص،فقالت ليس الرقص السيء كما تظن،ولكنة كان يصاب با حباط حين تطلب منه
أن يذهب معها ليحضر تدريباتها،وذلك لانة كان يحس بالعجز بينما تتحد هي بلموسيقى،تطير تحلق على المسرح،وهو يتحد بعجزه بندبتة التي على وجهة،والتي يرفض أن يجري عملية تجميل لازالتها،وذلك لانها تكرس مأساتة، تربطة بأمة وأبية وأناس تركهم يكافحون الامراض والغربة وبيوت أشبة بجحور فئران لا تدخلها الشمس. 
هذا ألحب الذي تفجر بين مجد وهيلدا كمياة الشلال،وأزاح كل القاذورات التي خلفتها السياسة والحروب قادهما الى الزواج ،لكن “مجد”يخاف على “هيلدا”ويغار عليها،وقد مرت فترة على زواجهما دون أن يعرفها الى أصدقائه أو يقدمها لهم. 
بعد مرور فترة من الزمن عندما تأكد “مجد” من حب هيلدا لة عرفها على أصدقائة،ولسان حالة يقول”انا الاعرج صاحب الندبة هناك من يحبني ويهتم بي ويكرس حياتة من أجلي وهي بدورها عرفتة على صديقتها”ماريان”التي ذهب زوجها لحرب العراق.
من الجدير بالذكر أن الكاتبة دخلت بتفاصيل عن هؤلاء الاصدقاء، لا تقدم للحبكة الأساسية أي إضافة. 
فضاء الرواية
استخدمت الكاتبة ضمير المتكلم،على لسان الشخصيات الرئيسية في الرواية،وأجادت في وصف المخيم ببيوتة المتلاصقة،أسلاك الكهرباء المتقطعة،المياة التي تجري على الارض غير معروفة المصدر،الأوساخ والحشرات والأمراض. 
كما أشارت للعلاقات الحميمة التي تربط أهل المخيم، وكيفية محافظتهم على التراث،أما استخدامها للهجة الفلسطينية فهو الذي أغنى الرواية وأرتقى بها،كما أنها سلطت الضوء على الواقع الفلسطيني وانتهاك الحقوق المدنية والقانونية،وبالنسبة لمجد بطل الرواية فهي تعمدت بأن تجعلة أعرجا وهو يمثل “فلسطين التي تتعثر في مشيتها،ولكنهاتعمل وتجتهد.
كما برعت في إلقاء الضوء على العلاقات والوضع السائد في البيئة الكتائبية حيث تفتحت عينا الفتاة على الرجال الداخلين والخارجين من والى قبو البيت حيث مخبأ ألسلاح،والأب المغرق بشوفينيتة وعقائدة،ولام ألتي تعتبر الفلسطينيين هم سبب خراب ألبلد.
في ختام الرواية تعود “هيلدا”لزيارة بلدتها ورغم عدم اقتناع “مجد” بجدوى الزيارة،إلا أنها تقول لة : “أريد أن أعرف من أنا وماذا أريد”. لعل هيلدا أرادت أن تقوم حبها لنفسها لوجودها. “امضت هيلدا في بلدتها اشهرا ستة،خلالها لم يتصل بها مجد،لم يرد على اتصالاتها ليساعدها بأن تحسم ألموضوع،لقد وجدت أن كل شيء على حالة وإن لم يكن للاسوأ،فحزمت حقائبها وعادت لحضن مجد،ذلك الحضن الدافىء المشبع بالعاطفة النبيلة البعيدة عن كل المنغصات والنعرات الطائفيىة.
لقد انتصر الحب في النهاية لانة أقوى من كل التشوهات الأخرى التي تنخر في الروح ولا تترك فيها إلا الألم.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *