منصف المزغني *
( ثقافات )
I – القسم المعنوي
1-
لم يكن الخبرُ عاديًّا وهو يطير على الأثير بالصوت والصورة من أبوظبي الى العالم والى تونس حاملاً شحنةً كبيرةً الى اهل الادب من مشاعر امتزج فيها الفرح والبهجة والغيرة والغبطة والنشوة الأدبية والنخوة الوطنية والحسد المادي بمناسبة فوز رواية” الطلياني ” للتونسي شكري المبخوت بجائزة ” البوكر للرواية العربية” و كان الإعلان عنها مساء الأربعاء 6 مايو 2015 .
وقبل مساء الأربعاء ، كان انتظار نتيجة البوكر مشوبا بمشاعر اهل الكتابة والقراءة في تونس ، والمشاعر خليط من القلق على إمكان هروب الجائزة من تونس ، والشوق الى تَوْنَسَتِها ، والأمل في ان تكون النتيجة لصالح الطلياني ، والرغبة في ان لا ينالها تونسي ( حقد وطني ّ مجّاني )، ولزم بعضُهم الصمتَ ، والنأْيَ عن التعليق الى أن اشتعل خبرُ الفوز في المواقع الاجتماعية بين اهل الادب و عشاق اهله والصحافة الثقافية ، وانتشرت التهاني ، والغمغمات ، وحرص كل من يملك صورة قديمة او حديثة مع العريس شكري المبخوت على إظهارها في صفحة الفيسبوك مع الألف مبروك
.
2-
في مساء ذلك الأربعاء ،فاتني ان أشاهد النشرة الرئيسية للأنباء التونسية فكتبتُ ، على جداري الافتراضي سائلا : “انا لم أشاهد نشرة الأنباء ،وأسأل من شاهدها: هل ورد خبر الفوز ضمن الاخبار في قنوات التلفزيونات التونسية العامة منها والخاصة ( وما أكثرها وأقل بَرَكتها الثقافية ) وهل أشارت اليه إشارةً ؟ أو التقطتْ تصريحا من الكاتب الذي فاز بجائزة عربية عالمية ؟”
وكانت الإجابة : التلفزيون نائم ساعة الاعلان عن الجائزة .
3-
كان تجاهل او تعامي التلفزيون عن رؤية الحدث الثقافي التونسي العربي يحيل مباشرة على السؤال عن شيء اسمه : الثورة ،،،، التي لم تتحرك في التلفزيون نحو مثل هذا الحدث في تلفزيون ما انفكّ يتابع ، لا اخبارَ الرياضيين وحسب ، بل والتحضيرات وتمارينَ الفرق الرياضية ، كما أن كاميرات التلفزيون تظلّ موجودة في المطار حتى عند عودة الفريق الوطني المهزوم بعد مقابلة خارج ارض الوطن ، .وكان رئيس الدولة يستقبل الفريق الفائز ويكرمه فردًا فردًا ، واذا خسر الفريق فان وزير الرياضة يستقبلهم في مكتبه ويُطيِّب خاطرهم اذا انهزموا ولم يرفعوا راس الوطن .
4-
لقد أحببتُ استفزاز التلفزيون لان اعلان هذه الجائرة والإشهار لها كان في الحقيقة نوعًا من الأخذ بالثأر الثقافي من برامج الغناء والمسلسلات في زمن بات فيه الشأن الثقافي بعد هذه الثورات المزعومة هو اول ما يُنْسَى عمدًا ويُهمَل قصدًا.
وحاول التلفزيون التونسي ان يتدارك هزيمته في الشوط الاول ( لحظة الفوز بالبوكر ) ،فحضر في الشوط الثاني عندما عاد شكري المبخوت الى تونس . وقامت مجموعة من اصدقاء الادب وطاقم صغير من وزارة الثقافة بالتوجه الى المطار التونسي للتعبير عن فرحهم بوصول الرجل الى بلاده حاملا جائزة من داخل اللغة العربية ومن وراء الحدود التونسية .
5-
لم يكن استقبال الأدباء تقليدا واردا في عادات التلفزيون الذي لا يستقبل الكتاب او المفكرين او العلماء الذين يغادرون بلادهم في صمت ، ويعودون بلا ضجيج وهم يحملون جوائز في المجالات الفكرية والإبداعية.
ان استقبال الفائزين في المطار هي عادة دأب عليها بعض السياسيين وهي تعني التكريم المصحوب بالتقدير وإشعار الوافد بالبطولة ، وقد كان البطل الأولمبي التونسي في السباحة “أسامة الملولي ” قد استقبله الرئيس زين العابدين بن علي في المطار وهو محمل بميداليات ذهبية ، وتمّ ذلك في الأسبوع الاخير من ديسمبر 2010 ، ويقال ان هذا تمّ بعد إلحاح من ابنة الرئيس العزباء المولعة بالسبّاح ” قرش قرطاج “، ورأى بعضهم انه كان أجدر بالرئيس ان يتوجه الى المستشفى لرفع معنويات الشاب الميت محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده القليل النحيل يوم 17 ديسمبر 2010 ، هذا الجسد الذي سوف يكون ” غول قرطاج “ويجعل الرئيس ذاهبا للمطار، وهذه المرة. للهروب الاخير .
II- القسم المادي
في الوقت الذي لا أمَلَ للكاتب التونسيّ والعربيّ في عيش كريم من خلال كتاباته ، حيث ان الأدب مهنة ، والمهنة من المهانة ، والأدب لعنة تدبّ ، والشعر قافيته الفقر، ولأجل ذلك كله فقد أبى قسم من التونسيين والتونسيات الا ان يحسبوا لشكري المبخوت حسابا كان يمكن ان يكون عسيرا على جابي جُباة الضرائب، فقد فازت “الطلياني”بجوائز مالية معلومة للجميع ، وموثقة للعام والخاص في كافة مواقع التواصل الاجتماعي ،
– ويمكن للسيد شكري ان يعلن انه غير مبخوت أو غير محظوظ ولكن…
– لا سبيل للقابض الفائز السيد شكري المبخوت أن ينكر انه لم يقبض عن ” الطلياني ” جائزة معرض تونس الدولي للكتاب وقدرها 15 الف دينار تونسي
– ثم نال عن ” الطلياني ” جائزة كومار وقدرها 7 الألف دينار تونسي
– وأخيرا نال ” الطلياني ” جائزة البوكر العربية وقدرها في حدود 100 الف دينار تونسي ، والجملة تكون 122 الف دينار تونسي ،
– وهذه الجوائز الثلاث لا تخفى على عين الرقيب الحسيب ،دون حسبان ما سوف يقبضه من الناشر ، فقد وصل الى الطبعة الثالثة قبل نيله الجوائز الثلاث،
– آه ، نسيت الجائزة الاولى التي منحها القارىء العربي لرواية ” الطلياني “.
– ولا تنسَ ان الرواية ستكون مترجمة الى الانجليزية ، وباقي اللغات الأوروبية، وعن هذه الترجمات تترتب حقوق تاليف محترمة احتراما ،
– كما انها توزع على القراء الفقراء والميسورين معا بواسطة الوسائط الحديثة .
– ورغم ذلك فان الرواية بلغتْ طبعتها الرابعة في معرض ابوظبي الدولي للكتاب لسنة 2015
– ولا تنس ان الرواية قد تتحول الى شريط سنمائي، او مسلسل تلفزيوني ،
– معنى هذا ان الادب يمكن ان يدرّ الدُرَّ والخير العميم على أصحابه .
– إذا كان مبخوتاً
– لا لا لا ، بل اذا كان مكتوبا بجودة مطلوبة من السوق ، وملبيا لحاجات نائمة مثل الحديث عن طموحات وإخفاقات جيل محدد وعذاباته مثل فترة بورقيبة وبن علي واليسار .
– ولكن هذه المواضيع ليست جديدة في الرواية التونسية ، كما ان الموضوع لا يمكن ان يكون شفيعًا في اي عمل فني
– كما لا يمكن ان يتحول الادب الى حديث في السياسة
ولكن يمكن للشخصيات الروائية ان ترقى الى وجود إنساني ومعاناة قادرة على اختراق كل هذا بلغة الفن والجمال بما يجعلها مقنعة .
– لا يمكن للرواية في جوائزها الكثيرة ان تستند على الصدفة ، او المركز الجامعي لشكري المبخوت ، او اي اعتبار اخر ، فرواية ” الطلياني ” مصطفاة من بين الروايات الستّ المتوجة في القائمة القصيرة من أصل 180 رواية مترشحة ، ثم تتصدر الروايات الخمس وتتقدم وحيدة لاستلام البوكر .
فالبخت لا يبتسم اربع مرات :
مرة مع الجمهور ( اربع طبعات خلال سنة واحدة ) وثلاث مرات مع ثلاث لجان تحكيم مختلفة الأذواق .
III- القسم الدرامي :
دخلت زوجة الروائي السبعيني الى المكتبة وأخذت رواياتِ زوجها العشرَ ، ووضعتها امام زوجها: قال لها :
– من طلبك في أعمالي الكاملة ؟
– كل هذه الأوراق .. ولا جائزة ! انا منكودة الحظ ، لا لأنّي تزوجتك ، ولكن لانّك لم تنل جائزة في حياتك رغم رواياتك العشر هذه ، ألم تكتب رواية الحظَّ بعد ؟
ابتسم الروائي السبعيني :
– انا مبخوت لاني تزوجتك . انتِ جائزتي .
– وأي جائزة انا ! انا لم أطبَعْ اكثر من مرة ، ثمّ انا لا أتَرْجَمُ ، ولا أسافِرُ ، ولا أنال جوائز ولا أظهر في السينما والمسلسلات،
– يكفي انك سَلْسَلْتِ حياتي مدى أربعة عقود .
– أتدري أنّ شكري المبخوت ؟
– هل تعرفينه؟
– هذا هو السؤال ، كيف عرفتُهُ وهو بلا سوابق روائية مثل حضرتك ؟ والسؤال الصحيح هو : كيف صرت أعْرَفُهُ دفعةً واحدة ؟
– وما مشكلتك معه ؟
– كتب روايةً واحدة أولى ، ونال بها ثلاث جوائز خلال شهريْن متتاليْن ، وأنتَ كتبْتَ عشر روايات ولم تنل شيئا، أفهمني يا زوجي العزيز .
– لقد كانت “الطلياني” حجرا وحيدا في كفّ شكري المبخوت ، ولقد أحسن التصويب ،واختار التوقيت المناسب حين رمى ثلاثة عصافير بحجر واحد.
– الآن فهمت المثل القائل : ضرب عصفوريْن بحجر واحد ؟
– الان أحْضِري لي قهوةً لمواصلة قراءة احداث الطلياني ،
– وماذا أيضاً ؟
– دعيني الان و يكفي من إلقاء الحجر .
* شاعر من تونس
موقع 24 الاماراتي