* رشاد أبو داود
استوقفتنا السائحة الأميركية، استأذنت أن تلتقط لنا صورة تذكارية، فالمكان نفسه تذكاري ومقدس أيضاً. نحن الآن على جبل نيبو، على ارتفاع 680 متراً عن سطح البحر، على بعد 10 كيلومترات غرب مدينة مادبا التي تبعد 40 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة الأردنية عمّان. هنا، من على قمة الجبل المطل على البحر الميت ونهر الأردن، تستطيع أن ترى بالعين المجردة كل فلسطين بما فيها قبة الصخرة وأبراج الكنائس في القدس، كما تستطيع في الأيام الصافية أن ترى جبال البلقاء وجبل الشيخ في لبنان حتى جبال سيناء. ويُعتقد ان رفات سيدنا موسى عليه السلام موجود في الجبل، حيث توفي فيه. واسم مدينة نيبو مذكور في التوراة «إصعد الى جبل عباريم، هذا هو نيبو الذي في أرض مؤاب الذي قبالة أريحا».
ونبا هو إله التجارة عند البابليين. وتذكر مسلة مؤاب «ميشع» مدينة نيبو والحروب التي دارت فيها الى أن هجرت.
عن أبي هريرة أن رسول الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم قال: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ ، قَالَ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ : أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ».
وفي صحيح مسلم روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن الرسول الكريم أنه قال «مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم في قبره يصلي» والمقصود بالكثيب الاحمر في الحديثين هو جبل نيبو. أما عند المسيحيين فيعتقد أن نبي الله موسى وقف على جبل نبو مع قومه ورأى الأرض الموعودة التي لم يصلها وأنه توفي ودفن. وبين القرنين الرابع والسادس بنى رهبان الفرنسيسكان كنيسة على قمة الجبل وفيها لوحات من الفسيفساء.
في مكان كهذا تتفق عليه الاديان وتتصالح، تشعر بأن ما يجري على الأرض الآن ما هو إلا عبث في عبث وأن للشيطان أتباعاً يواصلون معصية الله وأنبيائه ويسيرون على خطى ابليس. كانت السيدة الأميركية تتكلم معنا بغضب وهي تقول »أراكم فرحين مبتسمين ولطيفين جدا، كانت صورتكم عندي عكس هذه الصورة في أميركا، بعد تفجيرات 11 سبتمبر صوّروا لنا أن كل عربي ومسلم إنسان عابس متجهّم.. وأكملت أنا لها «وإرهابي» قالت نعم.
نعم. ثم واصلت كلامها: أنا مسيحية كاثوليكية لكني لست متعصّبة وقد اكتشفت هنا أننا وقعنا ضحية جورج بوش وسياساته، لقد شيطنوكم وجعلونا نخاف منكم «قلت لها» تفجيرات 11 سبتمبر لا تزال أسبابها غامضة، وما أعلنت عنه إدارة بوش غير مقنع أبداً، وكان هدفها اختراع عدو لأميركا والغرب بديلاً للعدو الشيوعي السوفييتي، وللأسف نجحوا في اختراع العدو الاسلامي فكانت القاعدة والآن طوروها تحت مسمى داعش.
وما أن ذكرت كلمة داعش حتى خطفت الكلام مني وقالت «إنهم مرتزقة جورج بوش، نحن نعلم ذلك».
كانت السيدة الخمسينية تعني عصابة بلاك ووتر التي كشف عنها جيريمي سكاهيل في كتابه بعنوان: «بلاك ووتر.. أخطر منظمة سرية في العالم» وهو ليس كتاباً بقدر ما هو كشف وتعرية لهذه المنظمة التي يثير ذكر اسمها الذعر أينما ذُكر في العالم، وتعمل في الخفاء على أعظم ما يدور في العالم من نكبات وحروب.
الانطلاقة من كارولينا الشمالية على يد المليونير الكبير إريك برانس. والتحول إلى جيش من المرتزقة بعد أحداث 11 سبتمبر، يستنفره برانس ويزجّه في معركة شاملة تدور رحاها على الأراضي الإسلامية، يحدّدها رئيس إنجيلي يدعى جورج دبليو بوش ساهم برانس في وضعه بالبيت الأبيض.
أياد خفية من البلاك ووتر تعبث في أفغانستان والعراق وحالياً في سوريا وليبيا. بغض النظر عن المبالغ التي تدفعها الحكومة الأميركية لهذه المنظمة التي تتاجر بالبشر من خلال إقحامهم كجنود وحرس خاص للشخصيات البارزة ومأجوري اغتيالات لصالح هذا البلد، إلا أن الموضوع بات جلياً عن مدى العنصرية والاستهانة بالنفس البشرية، فهؤلاء القتلة المأجورون ذوو المؤهلات الاجرامية يتم استيرادهم من الدول التي تعودت على الإجرام والاتجار بالمخدرات، أو البلدان الفقيرة.
كانت السيدة الاميركية سعيدة وهي تتحدث معنا بدهشة، أنا وزوجتي وابنتي وزوجة ابني المحجبات المبتسمات. وكان يمر بجانبنا رجال ملتحون ونساؤهم المحجبات ومنهن مقنعات. قلت لها: ما رأيك؟ هل هؤلاء إرهابيون؟ إنهن مسلمات جئن الى مقام نبي اليهود ورسول المسيحيين يباركن ويتباركن. نحن المسلمين نؤمن بالأنبياء والرسل والسلام وعدونا هم قتلة الانبياء!!
____________
*البيان