جاذبية العناوين


*يوسف ضمرة


أخبرني صديقي الروائي، عبدالناصر رزق، أن روايتيه «أشباح الجياد» و«مرافعة الشيطان» تبيعان في بعض معارض الكتب الكثير الكثير، استغربت الأمر، لأن عبدالناصر رزق ليس نجماً روائياً مثل نجيب محفوظ أو عبدالرحمن منيف مثلاً، فأخبرني بأن الأمر متعلق بالعنوان أولاً وأخيراً. قال إن كثيرين يقبلون على الروايتين لما في العنوانين من إيحاءات دينية وغيبية، «أشباح» في رواية، و«الشيطان» في الثانية.
تذكرت أنني كنت قد كتبت قبل سنوات مقالاً بعنوان «رشوة القارئ»، تحدثت فيه عن العناوين التي توضع لجلب انتباه القارئ، مثل «عابر سرير»، و«امرأة من طابقين» وما إلى ذلك، واليوم يؤكد لي عبدالناصر رزق أنني لم أكن مخطئاً تماماً. لم يكن عبدالناصر رزق يقصد ذلك، ولم يكن هذا الأمر في باله وهو يضع العناوين، لكننا أثناء الحوار، اقترحنا أن نعمم الظاهرة، كآلية من آليات جذب الناس إلى قراءة الأدب، فما المانع من استخدام بعض الكلمات من هذا القبيل، طالما كانت وسيلة تخدم الأدب والأدباء؟ بالطبع، كان هذا حواراً تتخلله المداعبات، ولم يكن جاداً تماماً، لكنني حين أصبحت مع نفسي، قلت: لِم لا؟ وكنت جاداً هذه المرة.
فالعنوان يشكل دائماً أحد مفاتيح العمل الأدبي، ويشكل أول اتصال بين العمل والقارئ. إنه يشبه النظرة الأولى إلى شخص أو إلى شيء، قد تحبه وقد لا تحبه، قد يجذبك وقد تنفر منه. خطرت في البال عناوين روايات وقصص ودواوين شعر، فوجئت بامتلاء بعضها وإيحاءاته «كنكان العوام الذي مات مرتين»، عنوان كهذا مثلاً يصيب القارئ بالفضول، ليعرف كيف يموت الإنسان مرتين، والعناوين كثيرة ولا تتوقف «وقائع موت معلن»، و«شيطنات الطفلة الخبيثة»، و«مدام بوفاري»، و«آنا كارينينا»، و«الجريمة والعقاب»، و«عشيق الليدي تشاترلي»، وغيرها.
لدينا نحن العرب اهتمام أقل بإيحاءات العناوين، وكثيراً ما يركز الأدباء على عناوين شعرية لرواياتهم وقصصهم. صديقي الروائي عبدالسلام صالح وضع عنواناً شعرياً لآخر رواياته «صرة المر»، تذكرتها وفكّرت في رد فعل القارئ في معرض للكتاب، حتماً سيميل القارئ إلى عنوان روايته الأولى «المحظية»، ويعرض عن «صرة المر». ومن لا يعرف نجيب محفوظ، فإن عنواناً مثل «السمان والخريف» لن يكون جاذباً، وكذلك الحال مع عناوين أخرى لمحفوظ وغيره، «شرق المتوسط»، «حضرة المحترم»، وغيرهما الكثير.
السينما المصرية انتبهت إلى هذا الأمر قبل الروائيين والكتاب والشعراء، صحيح أن كثيراً من أسماء الأفلام ينطوي على رشوة صارخة للقارئ، لكن علينا أخذ الجانب التجاري هنا في الحسبان، لكن السينما الغربية، والأميركية تحديداً، كانت أكثر ذكاء في هذا السياق.
ما يجب الالتفات إليه هو أن العنوان يشكل كلمة التعارف الأولى بين شخصين، وإذا لم يكن ثمة ما يعني المتلقي أو يشده أو يوقظ فضوله، فإن أهمية العمل تقل على الفور، ويصبح مهدداً بعدم القراءة، وربما يكون المصريون مصيبين، بل هم كذلك حقاً، حين يقولون في أمثالهم الشعبية «الملافظ سعد».
ربما كتب البعض عن أهمية العنوان في الأدب، لكن الأدباء، كما يبدو، لم يصلوا بعد إلى مرحلة التفكير في العنوان كباب للدخول إلى العمل الأدبي، حيث الأولوية لرائحة الشعر حيناً، وللغموض حيناً آخر، والأهم من هذا وذاك، هو أن يكون العنوان، أولاً وأخيراً، مرتبطاً بالعمل الأدبي، لا مُنْبتّاً أو خارج سياق العمل.
_____
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *