إشكالية قراءة التراث: مواجهة الآخر بدون عقد نقص


* د. مصطفى بيومي عبدالسلام

إن كل قراءة للنص / التراث تنطوي على رغبة أو أمل ضمني في تغيير العالم الذي تتحرك فيه وتتوجه إليه.


إن القراءة عملية واعية في المقام الأول، أي أن الإدراك العفوي لمعطى ما لا يمكن أن يعد قراءة بأي حال من الأحوال. إنها تنطلق ـ أصلاً ـ من وعي القارئ بنفسه ووعيه بالنص / المقروء. ومادام التراث منسرباً إلى وعي الذات العربية القارئة مع سبق الإصرار والترصد، فإني أستطيع أن أشير مطمئناً إلى أن الذات القارئة تتأمل نفسها بقدر ما تتأمل موضوعها المقروء، وينعكس وعيها على نفسها كما ينعكس على موضوعها المقروء. هذا جميعه يتحرك فى إطار الرغبة أو الأمل الضمني في تغيير واقع هذه الذات من واقع مترد إلى واقع مأمول، ومن حاضر متخلف إلى مستقبل متقدم، ويتحدد معه السؤال الكائن في كل قراءة للنص / التراث: لماذا نقرأ التراث؟
هذا يجعلنا نختلف مع ما يطرحه محمد أركون في بحثه عن: “التراث: محتواه وهويته ـ ايجابياته وسلبياته” من أن الاستعمار: “ساعد على إحياء الوعي التاريخي بالمعنى الحديث، وهذه ظاهرة مهمة كثيراً ما ينكرها الداعون إلى إحياء التراث متناسين أن عملية إحياء التراث لا تتم إلا بالمنهاج التاريخي القويم وإيقاظ الوعي التاريخي”.
ويشرح أركون كيف ساعد الاستعمار على إحياء التراث مشيراً إلى الجهود المبذولة من قبل الاستشراق لقراءة التراث العربي قراءة علمية عصرية، فيقول: “(المغني) للقاضي عبدالجبار لم يعثر على مخطوطه إلا في أوائل الخمسينيات من هذا القرن، ولم يتم تحقيقه إلا في الستينيات، أما تقديم آرائه وطريقته التفكيرية في دراسة علمية عصرية، فلا نجد إلا عند المستشرقين، وكذلك لا نجد حتى اليوم في المكتبة العربية بحوثاً تاريخية مدركة لما في كتب الجاحظ من نقد عقلاني علمي ورفض للنزعة المثيولوجية التلبيسية في كتابة تاريخ الإسلام… ولذا سبق المستشرقون في عملية إحياء التراث العربي في أوائل القرن التاسع عشر مع العلماء المصاحبين لبونابرت أثناء حملته على مصر. وكان من العوامل القوية في بث روح الحداثة العقلية في الحياة الثقافية العربية في عهد النهضة”.
إن أركون يقلب وجه الحقيقة، ويديرها لصالح الاستشراق والاستعمار بل إنه يدافع عن هذه الحقيقة المقلوبة. وربما ـ إن صح لي أن أهمل ما ينطـق به نصه وأتجاوزه إلى ما يخفيه ويستبعده ـ يدافع عن نفسه بوصفه أحد العناصر التي تسهم في بناء الفكر الاستشراقي. والحقيقة المقلوبة التي يدعيها أركون والتي يمكن تعديلها على النحو الآتي: الاستشراق ساعد على إحياء التراث العربي من أجل السيطرة والهيمنة الاستعمارية. إنني لا أنكر أن الاستعمار كان له دوره في إيقاظ الوعي العربي، ولكن لا بد أن نفصل بين الباعث والحافز على إيقاظ الوعي والوعي ذاته. ويبدو لي أن الأمر أعقد بكثير مما يدعيه أركون ويمكن أن أطلق عليه عبارة واحدة هي: “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، والاستعمار في تلك العبارة لا يعني فقط استعمار الأرض، وإنما يشير ـ أيضا ـ إلى استعمار كل شيء بداية من الأرض وانتهاء بالعقول.
هذا ما يجعلنا نختلف ـ أيضا ـ مع ما يطرحه جورج طرابيشي في كتابه: “المثقفون العرب والتراث، التحليل النفسي لعصاب جماعي” (1991)، من أن وعي القارئ العربي بتراثـه والتلاحق المتزايد للندوات التي تواتر عقدها في السبعينيات والثمانينيات حول التراث، أي بعد هزيمة يونيو (1967)، كان مصدره:
“العجز الذي بدا واضحاً أن ذلك الأب الفعلي الذي كان عبدالناصر مرشحاً أن يكونه هو ما أوجد حاجة نفسية قهرية لا إلى إحياء ذكرى الأب التاريخي الحامي الذي كان السلطان العثماني على امتداد قرون أربعـة، بل كذلك إلى التشبث بحبل أب رمزي أعرق قدماً وأعمق تجذراً في التاريخ، واْكثر قابلية للأمثلة، نعني به التراث”.
صحيح أن هزيمة يونيو/حزيران 1967 قد ألحقت بالعرب خسائر فادحــة على مستويات عديدة، وصحيح ـ أيضاً ـ أنه ثمة تلاحقاً متصاعداً بالوعي بالتراث في أشكال مختلفة، نتيجة لما أحدثته الهزيمة من تخلخل وانكسار اليقين العام أمام الذات العربية، ولكن لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن ندعي كما يدعي جورج طرابيشي أن غياب الأب أو عبدالناصر هو ما دعا المثقفين العرب إلى ممارسة حالة من العصاب المرضي الجماعي، والتمسك بحبل أب رمزي هو التراث. وإنما الذي يمكن أن نتصوره، حقاً، أن الهزيمة دفعت الذات العربية إلى أن تعيد النظر في كل شيء، بعدما خرجت من التجربة الناصريـة صفر اليدين.
إن وعي القارى بتراثه أو بنفسه فالأمر سيان ـ إن صح لي أن أستخدم ذلك ـ إنما ينطــوي على الوعي بالتراث من حيث هو “إشكالية ” كما يرى جابر عصفور بحق، وهي: “إشكالية قائمة في جدل الأنا مع ماضيها وحاضرها ومستقبلها من ناحية، وجدلها مع الآخر الذي يتدخل في نظرتها إلى حاضرها وماضيها ومستقبلها من ناحية ثانية. وتلك إشكالية تزيد من حدتها وتوترها (الدافعية) التي تتحرك وراء الوعي بها من حيث هي إشكالية، والتي تنطلق بالشعور بتخلف الحاضر، وانكسار اليقين العام، وتخلخل المشروع أو المشاريع الفكرية السائدة، والرغبة (المكبوحة، المقموعة) في الانتقال من مبدأ الضرورة إلى مبدأ الحرية، ومن واقع منهزم إلـى واقــع منتصر، وما يوازي ذلك ـ أو يترتب عليه ـ من تحرك (الذات القومية) من آلية الدفاع إلى آلية التعرف والاكتشاف التي هى آلية (إعادة قراءة) وعلتها الأولى في الوقت نفسه”.
هذا الوعي بالتراث من حيث هو إشكالية قائمة في جدل الآنا والآخر، يجد تمظهره في ثنائية متوهمة، شغل الفكر العربي الحديث والمعاصر ـ طويلاً ـ بصياغتها منذ ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة حتى وقتنا الحالي. وتأخذ هذه الثنائية مترادفات يمكن استبدالها في علاقة التضاد الدلالي بين طرفيها، فأحيانا يطلق عليها: “التواصل والانقطاع” أو “الفكر العربي والفكر الغربي” أو “الأنا والآخر” أو” الأصالة والمعاصرة” أو “التراث والحداثة”، ويمكن لك أن تضع استبدالات أخرى كيفما تشاء.
وقد حرص الفكر العربي على تقديم حلول لهذه الثنائية المتضادة، فمرة يشغل نفسه بمحاولة “تجديد الفكر العربي” منطلقا من البحث “عن طريق للفكر العربي يضمن له أن يكون عربيا حقا ومعاصر حقا”، مؤكدا أن الطريق هو “أن نأخذ من تراث الأقدمين ما نستطيع تطبيقه اليوم تطبيقا عمليا، فيضاف إلى الطرائق الجديدة المستحدثة. فكل طريقة للعمل اصطنعها الأقدمون وجاءت طريقة أنجح منها، كان لا بد من اطراح الطريقة القديمة، ووضعها على رف الماضي الذي لا يعنى به إلا المؤرخون”.
هذه المخاتلة التي يقدمها صاحب تجديد الفكر العربي أو بالأحرى خطابه المراوغ الذي يوهم بأن ثمة عملية انتقاء واختيار أو عملية للتحرك في أفق برجماتي / نفعي، ينتهي صريحا رافضا ما ادعاه من قبل بعربية الفكر ومعاصرته، فيرى أن:
ـ “المشكلة الكبرى الآن، كيف نتحول من ثقافة اللفـظ إلى ثقافة العلم والتكنية والصناعة؟ وواضح أن ذلك لن يكون بالرجوع إلى تراث قديم، وأن مصدره الوحيد هو أن نتجه إلى أوروبا وأميركا نستقي من منابعهم ما تطوعوا بالعطاء، وما استطعنا من القبول وتمثل ما قبلنا”.
ـ “إني لأقولها صريحة واضحة: إما أن نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته، وإما أن نرفضه ونوصد دونه الأبواب لنعيش تراثنا.. نحن في ذلك أحرار، لكننا لا نملك الحرية في أن نوحد بين الفكرين”.
ومرة ثانية يشغل نفسه باستيعاب التراث بشكل جديد، وتوظيفه في مجال تحرير الفكر العربي الحاضر من سيطرة التبعية للفكر الاستعماري وللأيديولوجية البرجوازية، بتدخلها التاريخي في البنية الاجتماعية العربية؛ إن هذا التوظيف ينتهي إلى نتيجة مؤداها:
“الخروج من قضية التراث من كونها قضية الماضي لذاته، أو كونها إسقاطاً للماضي على الحاضر، إلى كونها قضية الحاضر نفسه، وذلك من خلال رؤية الحاضر في حركة صيرورة تتفاعل في داخلها منجزات الماضي وممكنات المستقبل تفاعلاً دينامياً تطورياً صاعداً، رغم التقطع الحادث في مجرى حركة الصيرورة هذه، سواء كان التقطع داخلاً في طبيعة الوحدة الدياليكتيكية لهذا المجرى أم كان من التقطع القسري الطارئ من جانب القوى المعادية لمحتوى الحركة الثورية العربية الحاضرة”.
ومرة ثالثة يشغل نفسه بالكيفية التي يمكن من خلالها إقامة فكر عربي مستقل بعيداً عن موجات الغزو الأوروبي التي اجتاحت كل شيء، وفرضت على المثقفين العرب أن يتشبسوا بالحضارة الأوروبية لكي تقدم لهم الحلول لمشكلات واقعهم؛ وقد أسـفر هذا التشبث عن حالة خيبة عند العرب، فهم لم يقبضوا على شيء، ولم يعرفوا بعد طريق الخلاص، وطريق الخلاص الذي يطرحه صاحب “الوسطية العربية” يبدأ بوضع سؤال “كيف يمكن إقامة فكر عربي مستقبل؟” موضع التحقق، ولذا فإنه: “لا يكتفي بدراسة الثقافة العربية بطريقة متفرقة تركز على ظاهرة، أو على شخصية، أو على فترة زمنية، بل تبحث عن العامـل الرئيسي الذي يلقي بظلاله في كل زمان ومكان على النواحي السلوكية والخلقية والشعورية والمنهجية”.
ومرة أخيرة يهتم بإعادة بناء العلوم القديمة وشروط تجديدها. أو يؤكد أن الحاجة إلى الاشتغال بالتراث تمليها الحاجة إلى تحديث كيفية تعاملنا معه أصلاً، خدمة للحداثــة وتأصيلاً لها، أو بعبارة أخرى:
“إعادة كتابة تاريخنا الثقافي، وإعادة ترتيب العلاقة بين أجزائه من جهة، وبين التاريخ الثقافي العالمي من جهة أخرى، وعلى أسس علمية وبروح نقدية”.
إن ثنائية “الأصالة / المعاصرة” أو “التراث / الحداثة” ثنائية متوهمة وزائفة، ولعلي أتصور أن هناك شيئاً يكمن خلف هذا الوهم أو الزيف، أظنه غياب الجدل الفاعل بين الأنا والآخر. ربما يتصور البعض أن علاقتنا بالآخر علاقة تبعية على مستويات حضارية عديدة أخصها السياسة والاقتصاد أو علاقة تقليد الغالب كما ذكر “ابن خلدون”.
هذا التصور ليس من طبيعة إنســـانية أو فكرية، وإنما هو من طبيعة سياسية إيديولوجية، ولدتها ـ في الأساس ـ النزعة الاســتعمارية الغربية. ولذلك فإن هذا التصور ينتج الشعور بالدونية تجاه الآخر / المتقدم، وتتحول قراءتنا للتراث (ماضى الأنا المجيد) إلى حالة من الدفاع عن الذات ونفياً للشعور بالدونية.
إن غياب الجدل الفاعل مع التراث والآخر أو بالأحرى فقدان الذات العربية لفاعليتها هو ما يجعلها تلجأ إلى أحد الطريقين: إما الاعتصام والاحتماء بالتراث، وإما التقليد والتبعية والاستهلاك للمنتج المعرفي الغربي.
وفي تقديرى أن المشكلة ليست مشكلة أصالة ومعاصرة أو تراث وحداثة أو شرق متخلف وغرب متقدم، ففي “الغرب أنواع كثيرة من الغرب أكثر انحطاطاً من أي انحطاط عربي إسلامي، وفي الشرق العربي الإسلامي أنواع كثيرة من الشرق أكثر تقدماً من أي تقدم غربي”، وإنما المشكلة تكمن ـ كما وصفها علي حرب في: “عدم القدرة على تحويل المعرفة بالتراث من معرفة ميتة إلى معرفة حية، كما تتجلى أيضـــا في عدم القدرة على إنتاج حقائق جديدة حول وقائع العالم المعاصر، أو على تكوين ميادين علمية تغطي معرفيا ممارسات وأنشطة تتنوع وتتشعب باستمرار”.
إن الجدل الفاعل يؤكـد أن ثمة اشتباكا وحضورا متبادلا لكل من التراث والآخر في وعي الذات العربية القارئة، هذا ما يجعل من كل قراءة للتراث قراءة للآخر، وكل قراءة للآخر قراءة للتراث، “إذ بقدر ما يؤثر التراث في تعرفنا الآخر وإدراكه، فإن الآخر ـ بدوره ـ يؤثر في تعرفنا التراث وإدراكه”.
هذا الحضور المتبادل والمشتبك في وعي الذات العربية القارئة لا يعني أن يسقط أحدهما على الآخر، بحيث يصبح التراث هو الآخر أو الآخر هو التراث فى عملية تبادلية يأخذ كل منهما موقع الآخر، وما يترتب على ذلك من عملية نفي للسياق الذي أنتج فيه كل منهما. ويمكن أن أشرح ذلك بعبارة أخرى:
سوف أفترض أنني أقدم قراءة لـ عبدالقاهر الجرجاني أو القاضي عبدالجبار أو الغزالي أو سيبويه، هذا لا يعني أن يتحول الشيخ الأشعري “عبدالقاهر” إلى فردينان دي سوسير أو جاك دريدا أو يخلع عمامته ويرتدي قبعة رولان بارت الناقـد الفرنسي، ولا يعني أن القاضي عبدالجبار شيخ الاعتزال يتحول إلى أحد الفلاســفة العقليين، أو يتحول الغزالي بقدرة قادر إلى “ديكارت، أو يتحول سيبويه إلى تشومسكي، وفي الوقت نفسه عندمـا أقدم قراءة لـ بول ريكور أو أمبرتو إيكو يتحول معهـــا ريكور إلى الزركشي مثلاً أو السيوطي، ويتحول ايكو إلى ابن جني، وإنما يعنى أنه حين أقــرأ أو أدخـل فى جدل مع عبدالقاهر، فإن دي سوسير أو ريتشاردز يقدم لي ما يمكن أن أجادل عبدالقاهر فيما يطرحه من مشكلات وقضايـا، وفي الوقت نفسه يمكن لي أن أقرأ أو أجادل دي سوسير أو ريتشاردز بما أنتجته من خلال جدلي مع عبدالقاهر.
إن الجدل الفاعل يستلزم أن ننظر إلى التراث بوصفه نصوصاً لا قداسة لها على الإطلاق، لا بوصفه حقائق مطلقة ونهائية ومقدسة فى آنٍ، تشكل معياراً للحياة توجه السلوك وتقود الفكر.
وقد أشرت سلفاً إلى ما يعزز شبهة القداسة الملتصقة بالتراث، وما النص / التراث إلا حركة بين قوى مختلفة، أو هو مجموعة قوى يؤيد بعضها بعضا ويناؤى بعضها بعضا. ولكي يقرأ هذا النص قراءة فاعلة منتجة ينبغى علينا ـ أولاً ـ أن نتحرر من جميع الأوهام الملصقــة بعقولنا حول هذا النص، فنعيد اكتشافه ومساءلته، لإبراز ما يخفيه ويستبعده أو بالأحرى نقرأه قراءة تفكيكية تحاول أن تبحث عن التناقضات المختفية داخل النص الذي تبدو مقطوعة عن وحدته الظاهرة، وينبغي علينا ـ ثانياً ـ أن نتحرر من سلطة الخطابات الزائفة والساذجة التي تدعي أن الآخر هــو العدو اللدود الذي يتربص بنا، وما العدو اللدود سوى ذواتنا غير الفاعلة وغير المنتجة.
وقد يظن البعض أن هذه دعوة للتغريب، وإنما هي دعوة للكيفية التي يمكن من خلالها أن نصنع الغد المأمول، لأن الغرب ليس غربهم وحدهم، ولأنني لي فيه مثلما لهم فيه، ولأن الحضارات الإنسانية ليست ملكا لأحد دون الآخر، أو ميراثا يتوارثه من صنعوه فقط، وقد كان الغرب وريثاً لحضارتنا العربية في الحين الذي ورثناها نحن تاريخاً انقضى وكف عن الوجود الفعلي.
علينا، إذن، أن نواجه الآخر بدون عقد نقص أو دونية، وأن نتحرر من سلطة النصوص لتنتقل إلى سلطة التأويل، وسلطة التأويل ليست ذات طبيعة استبدادية بالنصوص، أو ما يمكن أن نطلق عليه عملية الإسقاط في القراءة، وإنما هي ذات طبيعة جدلية تؤكد على أن التأويل سلطة عالمة تحرر الذات من أوهام الحقائق المطلقة والنهائية، وتحررها من عقد النقص والشعور بالدونية.
هذا ما يجعلني أقرأ أو أجادل الجاحظ أو عبدالقاهر مثلما أقرأ أو أجادل دي سوسير ودريدا، وتجعلني أقــرأ مصطفى ناصــف، وجابر عصـفور، وعبدالسلام المسدي، و عابد الجابري، وحسن حنفي، و علي حرب، مثلما أقرأ ريتشاردز، وريكور، وإيكو، ودريدا، وفوكو، وايجلتون، وجدامر. هكذا يصبح الجدل الفاعل مع التراث والآخر: “محصلة تفاعل، يبدأ وينتهي بالشرط التاريخي للحظة التي تتهيأ فيها الأمة للانطلاق، سواء من علاقتها بالعناصر المتحولة في حاضرها الذي يتطلع إلى غده، أو علاقتها المتضادة بالآخر الذي تحاول الإفادة من تجربة تقدمه، والتخلص من التبعية له، أو علاقتها المتوترة بعناصر تراثها الممتد في حاضــرها، بوصفها إمكانات للتقدم والتخلف”.
____________________

*أستاذ النقد الأدبي المشارك ـ كلية دار العلوم – جامعة المنيا
*ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *