رواية “خلف العتمة”.. الكوابيس هي الحل


أحمد إبراهيم الشريف

هل تصبح “الكوابيس” هي الحل؟.. إليها نهرب وفيها نعيش، وذلك لأننا ندرك أنها غير حقيقية، وأنها أحد أبواب “العتمة” التي ستنتهي بعودتنا إلى “أسرتنا” الدافئة وزوجاتنا النائمات بهدوء لا يؤرقهن توتر العالم لكونهن جلسن يرسلن “الدعاء” الذي يحقق لهن الطمأنينة.

في روايته “خلف العتمة” للكاتب اللبناني سليم اللوزي، الصادرة عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، يكشف الكاتب عن حال الإنسان العربي وعن طرق تفكيره واختياراته فى تفسير الظواهر التي يلقاها في حياته، ويعرض لاستكانته الصعبة وخضوعه لمجموعة من العوامل المرتبطة بالمجتمع والدين بما يقوده لما هو فيه دون تفكير، هذا التفسير للواقع وللمتخيل يحيطان بالإنسان كما تحيط به “العتمة” دون الوصول لحل، لأنها عبارة عن دائرة مغلقة تعاون فيها التاريخ بكل حلقاته والطبيعة الإنسانية والواقع المعيش، بما يمثل “غشاء” يفصل بين الواقع والخيالي، لذا تلجأ الشخصية الرئيسية في الرواية للبحث عن “العتمة”. 
والسؤال لماذا يحب بطل الرواية “العتمة” وينتظرها بشغف شديد ويشعر بالتوتر حال انقطاعها عنه، ويؤكد لنفسه أن هناك امرأة تسمى أو توصف بـ” الحزينة” يحبها وتحبه تسكن هذه “العتمة”؟، هل حبه للعتمة دليل خوفه من الواقع؟، مع أنه لا يرى في العتمة سوى “القتل والتعذيب والدم والتفجيرات والتسول والتحرش والهجر” هل هذه “صور” يسعى إليها الإنسان ويتمنى أن يراها، يقول “في العتمة، أصبح الطقس روتينيا جميلا، لا أعلم كيف يبدأ وكيف ينتهى، إلا أنني أصحو مرتاحاً إذا ما واجهت شيئاً جميلاً، ومضطرباً إذا ما شاهدت مشاهد مزعجة. أصبحت أبوابي عبارة عن شاشات صغيرة أشاهد عبرها أفلامي التي فرض على مشاهدتها، ترى لماذا أنا؟ ومن فرض على هذا الطقس؟.. حتماً هناك عدة مبررات لهذا “الحب ولذلك السعي” من “السارد” ومنها، أن يكون العالم الواقعي أكثر فظاعة وعنفا ودموية من الخيالى، فهو لم يكن أبدا في “العتمة” سعيداً، لكنه بدرجة حرارته المنعدمة تقريباً، هو مجرد مشاهد لما يحدث وليس مفعولا به، وبنوع من الأنانية أصبح فى موضع المتأمل، أما الواقع فهو يعيشه ويتلظى بناره لذا العتمة “أفضل” لأنها لا تنعكس عليه مباشرة، وهناك تفسير آخر يكمن فى أن ما يراه فى “العتمة” هو ما تمنى أن يكونه، تمنى أن يكون الولد الثائر الذي يقاوم حتى النهاية، ربما كان هو كذلك فى البداية، قبل أن يدجنه الواقع، وربما كان يريد أن يحب امرأة تشبه “الحزينة”، والتفسير الثالث يكمن في أنه نوع ما يرى طفولته فى هذا الغياب الذي يذهب إليه فيراقب الولد الصغير غير المهتم بالعالم يلعب كرة القدم بينما المتفجرات والقنابل تشبه الأمطار التى تتنزل على رؤوسهم، حتماً هناك في هؤلاء الصبية غير المكترثين من يشبهه. 
سليم اللوزى في روايته “خلف العتمة” يقرأ تاريخ لبنان عن طريق تتبع “الأثر” فهو لا يحكي عن حرب كبيرة تحدث الآن، لكنه يحكي آثار حرب كبيرة مرت من هنا وتركت آثارها المدمرة على “نفس الإنسان وعلى روحه” يحكي عن لبنان التي أكلتها الحرب الأهلية وأخرجت أجيالا مشروخة الروح، وذلك دون الكلام مباشرة عن تكتلات عسكرية، هكذا حكى اللوزي فى روايته “خلف العتمة” هذه الأحداث الدموية شديدة القسوة أما الواقع فيحكي آثارها الحالية في تلك الأرواح المستكينة. 
“العتمة والواقع” تنعكس أيضا بقوة في تفسير المآلات لشخصيات الرواية، فهناك جانب لا نعرفه في الشخصيات لكننا نسمع عنه، فنعرف أن “غسان” أصبح انطوائياً قليل الكلام لا يشارك فى أية اجتماعيات ملتزما بقوانين العمل حد “الحرفية” يؤمن بالسحر والشعوذة فى تفسير العالم، والذى يتضح من كلام “البطل االسارد” أنه لم يكن كذلك وأن هذه تغيرات أصابته مؤخرا، وكذلك الزوجة التقليدية جدا “حد الملل” رغم التصريحات الكثيرة الممتلئة بالحب التي يوجهها البطل إلينا ليقول لنا أنه “يحبها” لكننا لا نصدقه، نحن نعرف أنه فقط “يعيش معها” أو أنه لم يكن هذا حالها من قبل. 
رواية “خلف العتمة” تسعى لكشف الذات العربية وتضعه واقعها فى مقابلة مع الكوابيس و”العالم العتمى” وتسألك فى النهاية هل هناك فرق؟ 
____________________

اليوم السابع

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *