* انديرا مطر
«خير جليس في الأنام كتاب» وأمة العرب هي «أمة اقرأ». لكن الشعارات العربية في مكان والتطبيق في مكان آخر. وبات من نافل القول المقارنة بين وضع الكتاب في العالم الغربي وحاله، أو بالأحرى حالنا البائس، في الشرق.
في العام الماضي أعلنت نقابة الناشرين في لبنان، أن لبنان يحوي أكثر من 700 دار نشر، وأنه ما زال حتى الآن يتصدر إنتاج الكتاب في العالم العربي، حيث إن لبنان ينتج وحده حوالي 30 في المئة من مجمل إنتاج الكتب في العالم العربي.
منذ عام 1995 سعت اليونيسكو ممن خلال الاحتفال باليوم العالمي للكتاب إلى تشجيع القراءة والنشر وحماية الملكية الفكرية من خلال حقوق الطبع والنشر.
اختارت اليونيسكو يوم 23 ابريل لرمزيته في عالم الأدب. في 23 أبريل 1616 رحل عن هذا العالم عظماء مثل: سرفانتس، شكسبير وغارسيلاسو دي لا فيغا المعروف بـ«الإنكا».
23 أبريل شهد أيضا ولادة، أو وفاة، كتاب بارزين آخرين مثل الفرنسي موريس دوريون، الايسلندي هالدور لاكسنس (نوبل 1955)، الروسي-الاميركي فلاديمير نابوكوف، ومانويل ميخيا فاييخو.
لهذا التاريخ الرمزي للغاية في الأدب العالمي، تم اختياره من قبل المؤتمر العام لتكريم الكتب ومؤلفيها في جميع أنحاء العالم، وتشجيع الجميع، خصوصا الشباب، على اكتشاف متعة القراءة وتقدير مساهمة هؤلاء المبدعين الفريدة في التقدم الاجتماعي والثقافي.
الفكرة لهذا الاحتفال نشأت في كاتالونيا (اسبانيا)، حيث يقضي التقليد بإعطاء وردة مقابل شراء كتاب.
منذ العصور الوسطى يحتفل الاسبانيون بعيد القديس جورج، راعي الكتالونيين في 23 ابريل من كل عام. وتقول الاسطورة ان القديس-الفارس أنقذ الأميرة من براثن التنين. قطع رأس الحيوان وانهمر وابل من الورود.
بعد قرون لاحقة، تحديدا في عام 1926، قرر أحد الناشرين في برشلونة إنشاء حزب تكريما لسرفانتس مؤلف رائعة «دون كيخوته» الشهيرة. فاختار 23 يوم ابريل، وهو يوم وفاة الكاتب، للاحتفال بهذا الحدث.
من التزاوج بين هذين الحدثين، ولد يوم الكتاب والوردة الذي يحتفل به الآن في نحو 80 بلدا.
نجاح هذه المبادرة يعتمد بشكل أساسي على الدعم الذي يمكن أن يقدمه المعلمون وأمناء المكتبات والمؤسسات العامة والخاصة، والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تمت تعبئتها في كل بلد من خلال اللجان الوطنية لجمعيات اليونيسكو، ومراكز وأندية اليونيسكو، وشبكات المدارس والمكتبات وجميع أولئك الذين يشعرون بدافع للمشاركة في هذا الاحتفال العالمي.
وإذا كانت ثورة الاتصالات، مضافة إلى العامل الاقتصادي، قد أدت إلى تراجع الكتاب الورقي لمصلحة الرقمي وحلول الشاشات تدريجيا محل كتاب الجيب، فإن المعركة لا تزال دائرة بين مؤيدي هذه القراءة ومناهضيها. لكل منهم ذرائعه وحججه: برودة الشاشة مقابل لمسة الورق، قراءة أقل يسرا من الكتاب الورقي..
هذه المسائل تجاوزت المكتبيين إلى العلماء. صحيفة نيويورك تايمز نقلت دراسة لمجموعة متخصصين فرنسيين ونرويجيين حول الطريقة التي يتم بها استيعاب نص ورقي وآخر عن الشاشة.
الفريق استقرأ 50 طالبا قصة من 25 صفحة. نصفهم قرأ بالنسخة الورقية، والنصف الآخر بالنسخة الرقمية عبر شاشة. في نهاية الاختبار، كان على الطلاب الإجابة عن أسئلة تتمحور حول أحداث وحبكة هذه القصة.
نتيجة هذا الاختبار بيّنت أن التخزين الذاكري بين الورق والشاشة كان متقاربا لدى الطرفين دون تسجيل فروقات تذكر. فالشخصيات والأماكن والتفاصيل حفظت في ذاكرة القراء جميعهم.
بالعودة إلى الوطن العربي، حيث الاحتفال ما يزال خجولا، إن لم يكن معدوما بيوم الكتاب، نورد بعض الإحصائيات المرعبة والحقيقية. ففي حين يقرأ الأوروبي نحو 35 كتاباً في السنة، يقرأ 80 عربيا كتاباً واحداً في السنة.
لا يمكن الاستناد إلى بيانات تحدد اتجاهات القراءة في العالم العربي لعدم توافر احصائيات دقيقة، ولكن بحسب معارض الكتب التي تقام في العواصم العربية، علما بأن هذه المعارض اختفت في السنوات الأخيرة بسبب الحروب والثورات وربيع الحريات الموعود، فإن الدلائل تشير إلى أن الكتب الأكثر مبيعاً هي الكتب الدينية، تليها الكتب المصنفة بأنها تعليمية، كتب الطبخ، وكتب الأبراج.
واذا كان تبادل الثقافات يعتمد بشكل أساسي على ترجمة الابداع العالمي إلى لغات عدة، فإن التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية والذي صدر عام 2007 يشير الى ان الترجمة إلى اللغة العربية تبين أن الدول العربية ككل هي أدنى القائمة، وجاء فيه «إن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً. في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي، هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان. والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10.000 كتاب؛ وهي تساوي ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة».
وجاء في تقرير المعرفة العربي لعام 2009 أن إنفاق الوطن العربي على البحث العلمي هو من الأدنى عالميا بالنسبة الى الناتج المحلي للبلدان العربية.
يروي الكاتب الكندي الشاب صموئيل ارشيبالد شهادة خاصة عن شغفه بتتبع القراء فيقول:
فيما يتعلق بثروتي الأدبية الجيدة، ليس لدي الكثير لأشكو منه، ولكن دعوني اعترف لكم بسر: واحد من أكبر أحلامي في الحياة كان أن اجلس يوما في مترو الانفاق، او على متن طائرة أو في الحافلة بجانب شخص يقرأ واحدا من كتبي. على الارجح فإن آلهة الأدب لا تحب الغرور المتضخم، لهذا لم يحدث هذا ابدا معي. ولا مرة واحدة.
الناس الذين يتجاهلون قسوة قدري، يحاولون اظهار لطفهم تجاهي، فيقولون لي «رأينا شخصا يقرأ كتابك في حافلة الأسبوع الماضي. او جلسنا بجانب شخص يقرأ روايتك في الطائرة». وهم يقولون لي ذلك فأقتنع ان لعنة حلت بي، واني ادفع ثمن شيء فعلته في حياة سابقة. أو في حياتي الحالية، من يدري.
يسكنني هذا الهاجس لأنني ارغب دائما في معرفة ما يقرأ الناس في مترو الأنفاق أو في الحافلة. يجعلني هذا في مأزق بالفعل. ابدأ بإمالة جسدي قليلا وامد رقبتي واركز بصري. يشعر الناس أني اتجسس عليهم، ولكن هذا أقوى مني، أريد أن أعرف ماذا يقرأون. للوهلة الاولى قد تظن ان الناس جميعهم يقرأون في كتاب واحد، ولكن طرقات القراءة كثيرة ولا تخضع لاي منطق.
أرى فتاة ترتدي ملابس سوداء نخرت وجهها بالأقراط، فأحدس انها تقرأ رواية «مباريات الجوع» حتماً، لأفاجأ بأنها تقرأ «زبد الأيام» للكاتب بوريس فيان. سيدة في المقعد المجاور تقرأ لـ«إليز توركوت». وجدتها بجوارها تحمل كتاب باتريك سيناكل.
هذا الرجل هناك، والذي يوحي بأنه من محبي قراءة دليل الطيور، يقرأ مجموعة شعرية، فيما جاره الذي يبدو من محبي روايات التجسس يقرأ رواية «احلام» إليزابيث فوناربوغ. السيدة المغناج بمعطفها الأرجواني لا تقرأ رواية «50 ظلال من الرمادي» كما يتهيأ لك، وانما «ثلاثة عشر يوما لإيما» لماري كريستين برنار. ألحظ امرأة شابة بعيدة تحمل كتابا باللونين الأبيض والأحمر ربما هو كتابي «خمس عشرة في المئة»..
أود أن أعرف ماذا يقرأ الآخرون لأنه يساعدني في الذهاب الى قراءات اخرى، ورؤية الناس بطريقة مختلفة. كثيرا ما نحكم على الكتب من اغلفتها، ولكن الكتاب هو دائما دعوة إلى النظر فيما وراء المظاهر.
_______
*القبس الكويتية.