مطاردة قطط سوداء في غرفة سوداء


*روسيتا بولند /ترجمة: محمد الضبع


المترجمون هم الشخصيات الثانوية في عالم الأدب والشعر، فما هي أسرار حرفتهم، في هذا الحوار الحميمي، تشترك فرانشيسكا رومانا، أندراس إيمره، آنا راڤانو، وكروزخوڤ للإجابة على أسئلة الترجمة ولعبة القرارات الصعبة.

دون ترجمة، لم نكن لنقرأ قصة آنا كارنينا، ولم نكن لنتأثر بأساطير اليونان، ومذكرات آن فرانك. ويتفق الكثير من المترجمون على أنهم الأقرب كقرّاء إلى أعمال الشعراء. تقول فرانشيسكا رومانا “نحن نقرأ بدقة تفوق دقة النقّاد. علينا أن نضع في الحسبان كل كلمة، كل فاصلة، كل نقطة. أما النقاد فيقفزون من فوق السطور أحيانًا.” 

من الصعب أن تترجم نصًا لشاعر ميت، ولكن بإمكانك أن تطوّر العلاقة بينك وبينه رغم حاجز الموت، تمامًا كمحاولتك إجراء محادثة مع شخص حيّ جدًا بالنسبة لك، ليستمر بالحياة رغم موته. تتحدث رومانا عن طريقتها في ترجمة القصائد: “بإمكاني أن أبدأ باختيار سطر ما، في أي مكان من الكتاب. سيلاحقني هذا السطر لعدة أيام. وهكذا أستمر بالانتقال من قصيدة إلى قصيدة. الأمر أشبه بخلق جلد فهد: النقاط هنا وهناك تمثل الصور.” ويقول إيمره: “أبدأ بقصيدة أحبها، أحب أن أرى الأشياء صلبة أمامي، أريد أن أنجح -على الأقل- في بناء نصف المنزل. قد يحاول عقلك أن يجذب البناء بشدّة، وعندها عليك أن تدعه لبعض الوقت، ثم عليك أن تحاول العودة لاحقًا.”

أما راڤانو فتقوم بترجمة صارمة في البداية، محاولة التركيز على المعنى. “آخذ الكتاب قصيدة قصيدة، بنية العودة إلى البداية. والقصائد المتأخرة تضيء جوانبًا لم ألحظها في القصائد الأولى.”
كروزخوڤ يصف بداية الترجمة بمحاولة “القبض على القطة السوداء في الغرفة السوداء.”
كروزخوڤ، إيمره، ورومانا، جميعهم شعراء. هل يساعدهم هذا على ترجمة الشعر؟
إيمره: “ترجمتك لقصيدة يعني دائمًا تسكعك في ورشة شاعر آخر. ويقول كروزخوڤ: “غواية السرقة تنتظرك، ولكنك أيضًا قلق بشأن نفوذ الشاعر.”
إذن، ما الذي يجعل الترجمة ناجحة؟
تقترح رومانا: “الترجمة تتيح لك النظر إلى العمل من نافذة أخرى، إنها نافذة جديدة ومألوفة في الوقت ذاته. هنالك مقولة قديمة تلخص كل هذا: حركة مرورية للعقول.”
يقول إيمره: “إنها قطعة نشأت من القطعة الأصلية، ولكنها تقف على مزاياها الخاصة.”
جميعهم يذكرون أهمية التقاط الصوت المميز للكاتب الأصلي. تشدد رومانا: “وهذا ما يجعلنا نعرف على سبيل المثال أن هذه قصيدة شيمش هايني في أي لغة أخرى.”
وكالكتّاب، يشعر المترجمون بأنهم لا ينتهون من العمل أبدًا. تقول راڤانو: “لا ينتهي المترجم من الترجمة أبدًا.” رومانا: “تستمر رغبتك بالعودة إلى النص لتغيير بعض الاختيارات.”
كروزخوڤ: “في الترجمة الجيدة، لا يكفي تتبعك لأفكار عبقري، ولكنك تتبع أفكار شخص ثاني، بملاحظتك لقراراته التي اتخذها، الترجمة هي فن الخسائر، يتوجب عليك خسارة شيء ما في كل مرة.”
وتشير رومانا: “اللغات تتغير وتتطور، عليك أن تجدد، ولكن دون أن تحول النص إلى نص عصري، لا ينبغي لآنا كارنينا أن تصبح مشابهة لصوفي كنسيلا.”
يقول كروزخوڤ: يقول البعض بوجوب ترجمة النص مرة كل جيلين. ولكن عندما يتعلق الأمر بالشعر، لا أتفق معهم. إن كانت لديك مجوهرات صغيرة، فإنها مجوهرات صغيرة. ستعيش وتصمد على مر الزمن.“
وعند اقترابنا من نهاية الحوار، تذكر كروزخوف شيئًا ابتاعه في أول مرة زار فيها إيرلندا. كانت طباعة لهذه الأسطر الشهيرة:
“إلهي هبني السكينة لتقبّل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها؛
والعزيمة لتغيير الأشياء التي أستطيع؛
والحكمة لأعرف الفرق بينهما.”
وهاهي الآن معلقة على حائط منزله.
“هذه هي الحكمة التي على المترجم أن يمتلكها،” هكذا قال كروزخوڤ، بينما ضحك الجميع.
______
*عن مدونة معطف فوق سرير العالم

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *