أحوال مكتظّة بالدهشة !


*ماجد شاهين

( ثقافات )

في المطارح المكتظّة بالدهشة والحضور الآدميّ ، المُحْتـَشَدَة 
بــ ِ النوافذ والأصوات الخافتة أو التي تنوس كلّما دهمها وقت ٌ غريب ، في الأماكن والحارات و الدروب المعتمة و نصف المضيئة 
و ربّما تلك التي نالت حظـّا ً إضافيّا ً من ضوء مصابيح الشوارع المجاورة .. في كلّ تلك الأماكن : يعلو شأن السؤال و تُصاغ ُ الرسائل على نحو مُسـْتَعْجَل و مقتَضب !
..
امرأة ٌ تزيح ستارة نصف مهترئة عن نافذتها الوحيدة و تحملق من وراء الزجاج إلى درب قصير تظنّ أو تتأمّل أن ترى طيراً يحمل سلّة الفاكهة ! 
والفاكهة ، غالبا ً ، عند المنتظرين ، تعني الرسائل و البوح و تلويحة اليد و ربّما إشارات من عين ٍ تمرّ على استحياء تحت النافذة ! 
..
كهل ٌ أرهقه التوجّـس من فقد الجار والصاحب و جليس المصطبة أو الدكان الصغيرة في اوّل الدرب ، الكهل يمسح غبارا ً خفيفاً غطّى نظارته الطبيّة و يحملق في وجوه الذين قد يراهم ، فــ َ يغتم ّ لأن ّ الدرب خلا من رفيق عن ّ في البال .
..
ولد ٌ فقد حاسّته العاشرة حين قضت أمّه بــ مرض ٍ لم يمهلها طويلا ً ، كما يقول العارفون ، فجلس عند عتبة الدار في انتظارها .
..
بنت ٌ ، بهيّة الملامح ، موغلة في الصمت ، قال جيرانها أنّها لم تجد مِبراة لقلمها الرصاص ذات يوم ، فأعلنت الصمت ولم تكتب في دفتر الإملاء حرفا ً .
..
في المطارح ، المكتظّة بنا ، وبهؤلاء و بالذين ينتظرون ، والمحتشدة بالوجع والصبر والتعب والحكمة و النشيد والنشيج والترقب واليأس والبوح والصمت و بالذاكرة المشتعلة وبالذاكرات التي غابت و طاولات المقاهي التي فقدت عناوينها و بالنادل الذي لا يفعل شيئا ً سوى أنّه يقصّ الحكايات إلى الجدران لعلّها أن تحفظها ليوم يعود فيه الناس إلى الطاولات والدرب والشبابيك .
… 
في دروبنا يفيض المشهد عن حجم القول و عن الوصف ، و في الشبابيك وجوه لو أرادت ملأت الأرض قهرا ً !
أمّا الذين لا يعرفون ، فلن يعرفوا ، لأنّ الدروب القليلة ضيّقة على أحلامهم .. دروبنا تتـّسع لاشتهاءاتنا ولأحوالنا و لكلّ الحبّ الذي قد يصنعه الانقياء ، أمّا الذين لا يعرفون فليس لهم سطر في الحكاية .
الحكاية من ألف ِ البوح إلى يائِه ِ : أنّ الدروب قد تضيق على ساكنيها ، لكنّها تفيض شوقاً و حنوّا ً على قلوبهم و أرواحهم .
الدرب الذي لنا ، نحن له .

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *