الدرس البلاغي في الجامعة: الإكراهات والآفاق ..


*عزيز العرباوي

( ثقافات )

نظم “مختبر البحث في البلاغة واللسانيات” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، ندوة دولية في موضوع: “الدرس البلاغي في الجامعة: الإكراهات والآفاق”، بمدرج مركز دراسات الدكتوراه بالكلية، وذلك يومي 25 و 26 مارس 2015، شارك فيها العديد من الأساتذة الباحثين من المغرب ومن دول عربية أخرى، مثل الجزائر، وتونس والمملكة العربية السعودية…
افتتح السيد الدكتور حسن قرنفل عميد كلية الآداب الكلمة مرحباً فيها بالحضور وبالأساتذة المحاضرين في الندوة. ثم افتتح الدكتور عبد الرحيم الراوي الجلسة الأولى بصفته رئيساً لها، حيث تدخل فيها أولاً الباحث السوري الدكتور يوسف أحمد إسماعيل بعرضه الذي عنونه “الدرس البلاغي والمقاربات النصية”، واهتم بالدرس البلاغي التعليمي في جميع المستويات والجامعي بشكل خاص والذي يجب عليه أن يتخلص من النظر إلى البلاغة بوصفها صوراً مستقلة قابلة لتفكيك شفرتها في الحد الأقصى من عملية التحليل والنظر إليها بوصفها الخطاب المكثَّف المخفي الحامل لرؤيا المبدع… أما الباحث المغربي الدكتور محمد صبري فقد كانت مداخلته تحت عنوان “بيداغوجيا الدرس البلاغي البصري”، تطرق فيها إلى تصور للانفتاح على الدرس البلاغي البصري باعتبار الصورة، شأنها شأن اللغة، وسيطاً تواصلياً تمرر بواسطة عدة معاني ودلالات وقيم تلزم الطالب الجامعي امتلاك قدرات منهجية في سبيل إدراك آلياتها السيميائية والتواصلية، من خلال توفير ثقافة متكاملة تساعده في التغلب على الأمية البصرية التي يتخبط فيها، فتسعفه في قراءة وتحليل الفيلم السينمائي… والجامعة فضاء كفيل بصقل معارف الطالب وتطعيمه بثقافة بصرية، من خلال إدماجها في البرامج والمقررات والأهداف المسطرة، وذلك بتدريس الصورة الفيلمية باعتبارها وسيلة بيداغوجية تتضمن مجموعة من الوظائف التي تتحدد من خلال السياق النصي والذهني لإيصال المعلومة وتخصيص مواد خاصة بها تدرسها في ذاتها ولذاتها.
تناول الباحث الجزائري الدكتور كمال قادري في مداخلته “البلاغة العربية بين العلمية والتعليمية” مفهوم البلاغة وطبيعتها العلمية والتعليمية موضوعاً ومنهجاً عند القدماء والمحدثين. حيث أكد المتدخل على اقتراح تفريع البلاغة وجعل كل علم منها قائماً بذاته حتى يسهل التحكم في المادة المعرفية لكل علم وضبط مفاهيمه ومصطلحاته. بينما تناول الباحثة الدكتورة رشيدة الزاوي في مداخلتها “النقل الديداكتيكي للدرس البلاغي وأساليب بناء المعرفة” مسألة تحويل الديداكتيكي وطرق إيصال المعرفة البلاغية التي مازالت تخضع لطرق وأساليب تقليدية تتعلق إما بالمتن النصي والشواهد المشتغل بها، أو إيصال القواعد البلاغية في التحليل الفلسفي والمنطقي. كما قدمت تصوراً يعيد النظر في مجموعة من الممارسات اللابيداغوجية واللاديداكتيكية التي تشوب عملية نقله وتحويله من معرفة عالمة إلى معرفة متعلمة…
في الجلسة الثانية التي ترأسها الأستاذ الدكتور محمد فاوزي، تناولت الدكتورة سعاد الصغير في مداخلتها “بلاغة لاستفهام: دراسة دلالية” أسلوب الاستفهام باعتباره من أساليب الإنشاء الطلبي في الجملة العربية سواء كان مباشراً أم غير مباشر. كما تناولت بنية الاستفام التي تتجاوز المعنى الحقيقي الإبلاغي لتدل على معانٍ مجازية اختلف البلاغيون في تحديدها كالنفي والنهي والأمر والتمني والإقرار وغيرها، إنها معانِ لا يمكن تحديدها بمعزل عن التركيب والسياق والاستعمال. أما الشاعرة والباحثة الدكتورة لطيفة لزرك فقد تناولت في مداخلتها “كأن بين التحليل النحوي والتأويل البلاغي” دلالات كأن وخصائصها التي تثير قضايا عديدة ومتداخلة تتعلق بمعانيها ومتغيراتها وخصائصها التركيبية وعلاقاتها مع أدوات التشبيه الأخرى. وبناء على ذلك يمكن الرجوع إلى المصادر النحوية والبلاغية والنقدية والمعجمية من أجل تجميع مختلف الإشارات والملاحظات المتعلقة بها في خصائصها التركيبية والدلالية وعلاقتها بأدوات التشبيه الأخرى، لتقدم تصوراً موسعاً لهذا الحرف في مصادر التراث العربي، والتي يمكنها أن تكون مرتكزاً لإعادة تأسيس جديد لتصور خاص بهذه الأداة.
وتناول الباحث الدكتور محمد جكيب في مداخلته “بلاغة العنوان في الشعر العربي” العلاقة التي تربط الموازي النصي بالنص، باعتبار العنوان يمثل عتبة أساسية لولوج عوالم النص الدلالية، وقد زاوجت ورقته بين الجانبين النظري والتطبيقي، متوقفة عند مجموعة من التصورات التي نورت لهذه المتوازيات النصية محاولاً وضع إطار نظري يعبر من خلاله إلى مقاربة النصوص الشعرية. في حين تناولت الدكتورة رحمة توفيق في مداخلتها “ماهية التنكير في اللغة العربية” جملة من القضايا الأساسية التي يطرحها الاسم النكرة في اللغة العربية بناء على التصورين النحوي والبلاغي. حيث إن العديد من الدراسات النحوية والبلاغية اهتمت بهذا الموضوع المتعلق بالنكرة محاولة إعادة النظر في الاسم النكرة وتقديم تصور مغاير يراعي الجوانب التركيبية والدلالية للنكرة.
في الجلسة الثالثة التي ترأستها الدكتورة لطيفة لزرك، تناولت الباحثة السعودية الدكتورة خلود بنت عبد اللطيف جوهر في مداخلتها “ميمية الفرزدق: مقاربة حجاجية” الكشف عن آليات الحجاج التي استطاعت أن ترسم خطاً مستقلاً داخل القصيدة دون أن تنال من المتعة الفنية الماثلة فيها؛ إذ تضافرت عناصر الإبداع والإمتاع والإقناع، فكان ذلك سبباً في شهرة هذه القصيدة وبقائها نابضة في الذاكرة العربية على مر العصور. بينما تناول الدكتور الباحث هشام مشبال في ورقته “بلاغة الرواية” معظم الدراسات التي عنيت ببلاغة السرد أو تلك التي صدرت عن البلاغة في تعاطيها للنصوص الروائية، قصد فهم آليات اشتغالها وتمثل منطلقاتها النظرية وما آلت إليه من نتائج في مقاربتها. محاولاً تقديم اقتراح لبلاغة الرواية انطلاقاً من تحليله لنصوص روائية معينة… أما مداخلة الدكتورة الباحثة نعيمة واجيدي “الحجاج البديعي في شعر أبي تمام” فقد ركزت على الوظيفة الحجاجية التي تؤديها أساليب البديع في الخطاب الشعري لأبي تمام وتبيين أسلوب الشاعر في تشكيل عناصر البديع المختلفة التي اتخذها مطية للتعبير عن مقاصده وأفكاره، وللتأثير في الممدوح ودفعهم إلى القيام بالفعل المتوخى منهم. وأبرزت الدكتورة واجيدي أن حرص أبي تمام على تكثيف أساليب البديع قد كان وراء اختياره لوزن القصيدة وقافيتها، كما أدى إلى تغليب صور التشبيه على الاستعارة، وإلى هيمنة ضمائر الغياب على الحضور والخطاب… في حين تناول الدكتور الناقد سعيد جبار في ورقته “بلاغة السرد: قراءة في سرد الأمثولة” مقاربة للخطاب السردي من منظور بلاغي، مؤكداً على ضرورة تجاوز المقاربة الشكلية البنيوية للسرد المنحصرة في الوصف فقط إلى مقاربة تداولية أكثر انفتاحاً تمد الجسور بين ما هو لغوي وما هو غير لغوي لتكشف عن المعاني العميقة في النص، وتربط بين عوالم التخيل والمقصدية التواصلية للنص باعتباره ينتج معرفة حول العالم عبر هذه العوالم. كما قدم الدكتور جبار نموذجاً تطبيقياً للمقاربة بتحليل نص أمثولي من كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع هو “باب المطوقة والجرذ والغراب” مبرزاً العلاقة التواصلية القائمة بين الملك والفيلسوف عبر مد الجسور بين المثل الذي يقترحه الملك والعوالم التخييلية التي تشخص هذا المثل…
في الجلسة الرابعة والأخيرة التي ترأسها الدكتور أحمد الباهي، تناول الباحث الجزائري الدكتور مفلاح بنعبد الله في ورقته “البلاغة الجديدة وعلوم المعرفة، آفاق الانفتاح والتحول” الفعل التواصلي في البلاغة العربية انطلاقاً من مفهوم الكلام عند البلاغيين الذي ينظر إليه من مبدأين جوهريين: الصورة والمضمون، وهو مفهوم يتداخل كثيراً مع ما يعرف في الدراسات الحديثة بتداولية الخطاب. وتحدث الباحث الدكتور أحمد بريسول في مداخلته “استعارات الإدراك والحركة” عن الاستعارة التصورية باعتبارها من أهم الإواليات المعرفية داخل النموذج النظري للسانيات المعرفية، فحدد الاستعارة التصورية في هذا المجال بوصفها مجموعة من التوافقات التصورية النسقية بين مجالين تصوريين مختلفين بحيث تتحول بعض خصائص المجال المصدر إلى المجال الهدف… أما الدكتور الباحث عبد الصمد الرواعي فقد تناول في مداخلته “البنية التركيبية والتصورية للتعابير الاستعارية” نسق القواعد الاستعارية الذي يشكل جزءاً من النسق العام للقواعد النحوية والتصورية، وأنه ينسحب عليه ما ينسحب على نسق القواعد المرتبطة بالتركيب والدلالة. ويتمظهر نسق القواعد الاستعارية عبر مستوى البنيتين التركيبية والتصورية. حيث ينبني افتراضه على مبادئ الدلالة المعرفية التي تستند إلى أسس نفسية وذهنية داخلية لها ارتباط بذهن المتكلم وكيفية إدراكه للعالم وتمثله إياه وإسقاطه ذهنياً في صورة مقولات تصورية وتمثيلات ذهنية ترتبط بأنساق الإدراك… واختتمت الجلسة الرابعة والندوة كلياً بمداخلة الدكتور الباحث محمد مشبال “عن التحليل البلاغي للنص النثري العربي القديم” مقاربة بلاغية حجاجية للنص النثري العربي القديم، تستند إلى الأساس النظري الذي أقامه أرسطو في نظريته البلاغية والمتمثل في أن النص يشكل بلاغته معتمداً أطراف التواصل الأساس، مع العمل على توسيع هذا الإطار النظري البلاغي الأرسطي وإغنائه بمفهومات من قبيل مفهوم النوع ومفهوم الحوارية ومفهوم التشكيل الخطابي للأهواء ومفهوم التشكيل الخطابي لصورة الذات ومفهوم حجاجية الأسلوب وغيرها من المفهومات التي يفرضها تأويل النصوص…

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *