السرقات الأدبية أصبحت جزءاً من عالم النقد


*إبراهيم اليوسف

خلال مقاله الذي عنونه بعنوانين أحدهما رئيسي هو “هل صارت السرقة الأدبية مجرد تجميع؟” والثاني فرعي هو “انسخ والصق” مشكلة حقيقية في عالم النشر والتأليف، والذي كتبه محمد علي صالح في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 17-3-،2015 متناولاً فيه التقرير الأمريكي الذي صدر مؤخراً عما يخص السرقات الأدبية في عالم الإنترنت، ورأى فيه أنه تضاعف ألف مرة بالمقارنة مع ما كانت عليه من قبل، استعرض فيه آراء عديدة لأعلام، من كتاب، وخبراء، وحقوقيين، يبدون خلاله موقفهم الأخلاقي من السرقة الأدبية في عالم الإلكترون، بعد أن أصبحت إحدى المعضلات التي يكاد لا يوجد لها أي حل، بعد تفاقم عمليات السطو، عما كانت عليه، من قبل، رغم أن عدداً من البلدان العالم قوننت النشر والملكية في هذا المجال، بل راح بعضها يعد السرقة الأدبية والفكرية إحدى الجرائم الإلكترونية التي يحاسب عليها مرتكبها، عندما تتوافر الأدلة الثابتة على ذلك .

وتكمن خطورة مقولة ليسنغ، المقبوسة أعلاه، والتي انطلقنا منها، أنها لم تصدر كمجرد رأي عرضي لأحدهم، يتحمل الصوابية أو الخطأ، بل أن صاحبها أستاذ القانون في جامعة هارفارد، وقد نشرها ضمن كتابه الثقافة الحرة” والذي يرى فيه أن الثقافة في مرحلتها ما بعد الحداثية قد حققت نقلة نوعية، وصارت لها قيمها الجديدة، بيد أن أي تطور في مجال المعرفة يجب ألا يكرس محو حقوق من صدرت عنه، لاسيما عندما يحقق صاحب هذا الإنجاز المعرفي ثيمة تجاوز ما هو معروف، وتقديم ما هو نافع إنسانياً، ضاقت الدائرة أم اتسعت، بمعنى إن كانت هذه الفائدة محصورة لمجتمع محدد، أو لما هو كوني، عام، وإن كان من صفات الثقافة-الحقة- إنها ملك إنساني عام، بيد أن هذا لا يعني الإجهاز على حق من أبدع هذا المنجز الثقافي، أو ذاك .
مؤكداً، أن ما كتبه ليسنغ لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد تعامل مع الأدب والإبداع، بعيداً عن ظروف خلقهما، بل والحكم عليهما على غرار التعامل مع أية حاجة إنسانية، بما في ذلك-المال- كوسيلة حياتية، سواء أستخدم من قبل الفرد، أو المجتمع، أو الدولة، رغم أننا نجد أن هذا المثقف الأمريكي يبخس حق المؤلف في إنتاجه الأدبي، ويراه أقل شأناً من سرقة بنك ما .
إن أي تحليل لهذا الحكم من قبل ليسنغ يظهر لنا – بجلاء – انطلاقه من واقع ثقافته الشخصية – وهي في التالي صدى لثقافة
عامة – ورؤيته للاقتصاد، رغم عظمة دوره في الحياة، وفي خدمة وتطور الأمم والشعوب، إلا أن من الأدب كأحد أهم وسائل صناعة الجمال، ونشر ثقافة التفاهم، والسلام، والحب، ونبذ ثقافة الكراهية، وهو عصارة الإبداع
البشري، على اعتباره نتاجاً روحياً، وأداة في صناعة السمو الأخلاقي، والقيم، وفي هذا ما يناقض المفهوم المنفعي الذي انطلق منه رجل القانون، والأكاديمي، الأمريكي الشهير .
ونحن إذا انطلقنا من أية مقارنة بين أي شخص من أغنياء المجتمع الأمريكي وأي أديب أمريكي عظيم، لرأينا أن الأثر الذي يتركه الأديب، أبقى، وأكثر رسوخاً، وفائدة مستقبلية، لاسيما أن عالم المال – وعلى سبيل المثال – قد يتعرض للنفاد، أو الخسارة، عبر أية عملية – اتجار – أو – مقامرة – أو -إنفاق . . . .إلخ، بيد أن مادة الأدب تظل أبدية، وها نحن نقرأ أرنست همنغواي، ووالت وايتمان بعد عقود من رحيلهما للإبداع الأدبي وقعه السحري، العظيم، لأن الإبداع العظيم يظل ينبض بالحياة، حتى بعد رحيل منتجه، مذكراً به، مادامت هناك دورة زمنية متواصلة . لا شك أن مثل هذه الرؤية-القانونية- للأدب، تأسست نتيجة فهم خاص للاقتصاد، على حساب القيم الروحية والجمالية، حيث إن تتم العطالة في فهم دور كل من: الإبداع الروحي والاقتصاد، باعتبار أن لكل منهما تقويمه الخاص، وبغض النظر عن الاحتكام إلى النظرية، للاستغراق في حدود هذه المقارنة، وتصنيف الرؤية الغربية للاقتصاد، في ضوء تفاعل “ليسنغ” نفسه مع هذه الرؤية، وإن كان يترتب على هذا الفهم نسف جزء جد مهم التراث الجمالي، الاستراتيجي، مقابل ما لا تعدو أهميته أكثر من أنه مجرد أداة لا شأن لها أمام عظمة الإبداع .
وإذا كنا قد ركزنا، خلال هذه الوقفة، على إحدى مقولات التقرير الأمريكي الذي تنطع لظاهرة السرقات الأدبية، فإن هذا التقرير، يواصل قرع-الأجراس- فيما يتعلق بواقع هيمنة السطو الأدبي الذي يتم، من خلال اعتماد ثنائية-القص واللصق- أو كما يقول التقرير، ثنائية: النسخ- التجميع، إلى جانب مصطلحات أخرى، أو “الكوبي آند بيست” أو “أغريغيش التجميع”، بعد أن أصبحت التكنولوجيا تقدم بين أيدي-من يشاؤون- كل مصنفات الإبداع، وصار في إمكان أي كان أن يستعرض خلال أقصر وقت زمني ممكن، ما يريده من – أفكار جاهزة- أنتجها أصحابها، ضمن حقل معرفي ما، أو تحت عنوان ما، ليغير عليها، ويوقعها باسمه الشخصي، كما ورد في التقرير ذاته .
ثمة أمثلة، يستشهد بها التقرير، رواها قائلوها مؤكدين-مشاعية الأدب- ومن بينها” تبدأ كل الأفكار الإنسانية من شخص وتنتقل إلى آخر، عمداً، أو بغير عمد، ليست كل الأفكار الإنسانية إلا اقتباساً من “اقتباس من اقتباس”، ويؤكد صاحب العبارة، أنها ليست له، بل هي لآخر، أخذها عن سواه، وهلم دواليك، وكان ثالث رؤساء أمريكا- وهو توماس جيفرسون- الذي ترجم ليسنغ مقولته في كتابه “الثقافة الحرة” قد قال: “الذي يستعمل أفكاري لايقلل من شأني، إنه مثل الذي يوقد شمعته من شمعتي” حيث تتركز هذه الفلسفة على مقولة “تفضل، واسرق ضوء شمعتي، لكن، أرجوك ألا تسرق الشمعة”، على اعتبار أن الشمعة هي قيمة اقتصادية .
إن ظاهرة السرقة الأدبية التي استحوذت اهتمام النقاد، قديماً وحديثاً، أصبحت جزءاً مهماً من عالم النقد، بل إن النقد الجديد، وعبر نظرية التناص، والنص الغائب إلخ، مضى بالعلاقة بين النص السابق واللاحق بعيداً، حيث إن هناك أنواعاً من السطو الأدبي، حيث بين الجرجاني أن هناك: السرق- الغصب- الاختلاس، وهناك ما هو جزئي، وهو كلي، هناك من يسرق المضمون، وهناك من يسرق الشكل، وهناك من يسرق الشكل والمضمون على نحو حرفي .
أمام استفحال ظاهرة السرقة الأدبية، في ظل الثورة المعلوماتية، وهيمنة أدوات الاتصال، والنشر الإلكتروني، فإن دورة النشر الهائلة باتت توفر بين أيدي المبحر الإلكتروني ما لا نهاية له من نصوص، ومراجع، ما جعل هناك-حاجة- كبرى إلى النصوص لنشرها، في هذا “الكم” اللامتناهي، من وسائط النشر، الإلكتروني، ما دفع للاستعانة بكثيرين من فاقدي الموهبة . 
______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *