* محمد علي صالح
في الشهر الماضي، في محاولة أخرى لمواجهة هيمنة «أمازون»، أعلنت شركة «هاربر كولينز» للنشر الورقي أنها ستبيع كتبها مباشرة في موقعها في الإنترنت. ويتوقع أن تحذو الشركات الورقية الكبيرة حذوها.
في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «هافنغتون بوست» أن جيمي مغوايار، واحدة من أشهر كاتبات الرواية الشابات في الولايات المتحدة، قررت العودة إلى نشر رواياتها في الإنترنت، وفسخت عقدا مع دار نشر «سايمون أند شوستر» الورقية. وكانت قبل 10 سنوات تقريبا، قد بدأت نشر رواياتها في الإنترنت. وقبل عامين، وقعت العقد. ثم ها هي الآن تفسخ العقد، وتعود إلى الإنترنت.
تفعل ذلك رغم نجاح روايتين ورقيتين نشرتهما دار «سايمون آند شوستر»: «بيوتيفيل ديساستر» (كارثة جميلة) و«ووكينغ ديساستر» (كارثة ماشية). وصلت الروايتان إلى قائمة صحيفة «نيويورك تايمز» لأكثر الكتب بيعا. وهي أهم قائمة أميركية للكتب الناجحة، روايات وغير روايات.
بل حققت دخلا لا باس به من الروايتين الورقيتين.
لماذا أصبحت تفضل النشر الإلكتروني؟ ولماذا صار كثير من الكتاب الأميركيين (روائيين وغير روائيين) يفضلون النشر الإلكتروني؟
قبل شهرين، قال تقرير عن توقعات نشر الكتب خلال عام 2015. على ضوء تطورات العام الماضي، إن هذا العام سيكون عام «هزيمة» دور النشر الورقية. وإن شركة «أمازون»، أكبر شركات نشر لكتب الإلكترونية، يمكن أن تمثل ذلك:
أولا: صارت تقدم إغراءات لكتاب مشهورين، لتكسبهم، وتكسب غيرهم.
ثانيا: كسبت نزاعا قانونيا هاما مع شركات النشر الورقية.
ويفصل التقرير، الذي نشره مركز «اي بوكز» (الكتب الالكترونية)، النزاع القانوني بين شركتي «أمازون» و«اشيت».
وخلفية النزاع هو أنه، خلال سنوات قليلة، صارت «اشيت»، الفرنسية الأصل، واحدة من أكبر شركات النشر في الولايات المتحدة. في فرنسا، هي أكبر شركة نشر. وفي العالم، هي ثالث أكبر شركة نشر. وفي الولايات المتحدة، تفوقت على شركات نشر كبيرة، بعد أن اشترت شركة «كتب تايم وورنر» من مجموعة شركات «تايم وورنر».
بالإضافة إلى «اشيت»، توجد شركات النشر الورقية العريقة الرئيسية: «ماكميلان» و«بنغوين» و«راندوم» وهاربر كولنز» و«سايمون آند شوستر».
حسب اتفاق وقع في العام الماضي، تقدر «اشيت»، وزميلاتها، على تحديد أسعار الكتب الإلكترونية، وتقدر «أمازون» على تحديد أسعار الكتب الورقية.
كانت المشكلة بدأت قبل عامين، عندما تأمرت «اشيت»، وزميلاتها، ضد «أمازون». واشتكت «أمازون» لمحكمة نيويورك الاتحادية. وتدخلت وزارة العدل في النزاع. وفي النهاية، أعلن القاضي أن «اشيت»، وزميلاتها، خرقت قانون مكافحة الاحتكار. ودعا القاضي الجميع للتفاوض.
وهكذا، تم التوصل إلى الاتفاق الذي وقع في العام الماضي. لكنه، جاء على حساب شركات النشر الورقية، ولصالح «أمازون»، ليس فقط في هذه الحالة، ولكن في المستقبل.
لماذا؟ لسببين رئيسيين: أولا: تستطيع «أمازون» على بيع كتبها الإلكترونية بأسعار منخفضة جدا بالمقارنة مع الكتب الورقية.
ثانيا: بإمكان «أمازون» أغراء أشهر الكتاب لأنها الأغنى. (في العام الماضي، باعت ما قيمته تسعين مليار دولار).
بالإضافة إلى الإغراءات المالية، تزيد رغبات المؤلفين في التخلص من قيود قديمة، ومعقدة، وأحيانا مجحفة، اشتهرت بها شركات النشر الورقي.
وفي الشهر الماضي، في محاولة أخرى لمواجهة هيمنة «أمازون»، أعلنت شركة «هاربر كولينز» للنشر الورقي أنها ستبيع كتبها مباشرة في موقعها في الإنترنت. ويتوقع أن تحذو الشركات الورقية الخمس الكبيرة حذوها.
وقال جيمس بيليس، مستشار النشر في نيويورك: «قبل 3 أو 4 سنوات، ظهرت العواصف على رادار دور النشر الورقية. وبدأوا يحمون منازلهم، ويستعدون للعاصفة. بدأوا يهذبون شركاتهم العريقة، ولكن العتيقة. يهذبون عمليات النشر، والتوزيع، وحقوق النشر، والترخيص».
ماذا سيحدث في المستقبل؟
حسب تقرير مركز «اي بوكز»، سيشهد عام 2015 زيادة في المنافسات الأميركية والعالمية. ليس فقط بين الناشرين الورقيين والناشرين الإلكترونيين، ولكن أيضا وسط الناشرين الورقيين أنفسهم، سيكون هناك كثير من إجراءات الاندماج، والاستحواذ، والإفلاس، وسط شركات النشر الورقية.
وعن هذا قال بيليس: «صار الناشرون الورقيون يدركون أن نشر الكتب الورقية يجب أن يكون جانبا واحدا من أعمالهم، وذلك لأن الكتب الإلكترونية تكتسح الأخضر واليابس. صاروا يبحثون عن مصادر دخل أخرى». وأضاف: «في الماضي، كان الحجم الكبير هو الأهم. في الحاضر، صار التكتيك السريع هو الأهم».
جزء من هذا التكتيك السريع في المستقبل يمكن أن يكون بمكافأة القارئ الذي يقرا كتبا كثيرة، وبانتظام. يمكن أن يكون مثل الذي يشتري ساندويتشات هامبورغر من مطعم «ماكدونالد»: أولا، يمكن إغراؤه بأنه إذا اشترى اثنين، سيكون الثالث مجانا، ثانيا: يقص كوبون «ماكدونالد» من صحيفة أو مجلة، ويقدمه ليحصل على تخفيض. وأخيرا، يحصل على عشر قيمة الساندويتش نقدا.
يمكن أن تطبق شركة «أمازون»، وشركات النشر الإلكتروني الأخرى، هذه النظرية: كتاب مجاني لمن يشترى كتابين. وخصومات لمن يقدم كوبونات. وعشر قيمة الكتاب نقدا.
نجحت هذه النظرية الرأسمالية (إغراء النفس البشرية) في إطعام البطن، فلماذا لا تنجح في إطعام العقل؟
_______
*الشرق الأوسط