كلمة سر الحياة: لنتحد، لنوحد قلوبنا


*لطفية الدليمي

مناجيات مع كازانتاكي

3
أيها الاغريقي المنبثق من الأوديسة كجواد جامح ، ها أنت تخبرني بأنك في لحظة ما تستحيل درويشا متأملا ، تجلس على قارعة طرق الحياة وتتأمل ولادة العالم وفناءهُ ،تراقب الرعاع وهم يهتاجون ويصرخون ويدمرون معالم الحضارات وتود ان تبوح بكلمة السر لرفاق حياتك ، تقول ان لديك كلمة سر مثل جميع المتآمرين ، هلّا همست لي بها لأكون من فئة المتواطئين معك ؟
– لنتحد ، لنمسك بعضنا بشدة ، لنوحد قلوبنا ، لنخلق للأرض دماغا وقلبا ونمنح معنى انسانيا للصراع الخارق المتواصل ونتألم ثم نبتهج معا ، كما قلت لكِ : الألم واجبنا الثاني.
وماهو الثالث ايها الناسك الابيقوري ؟؟
– إنه الأصعب ، وليس بوسع الكثيرين اجتياز امتحانه ، قلت ان العقل يكيف نفسه ،ويريد ان يحفر الأعمال البطولية على جدران زنزانته : الجمجمة ويترك اثرا للزمن القادم ويرسم على أغلال زنزانته أجنحة الحرية ..
وما دور القلب في هذا الواجب ؟؟
– القلب يقف عاجزا لبرهة ، ففيه صرخات ايروسية ، وثمة ايدٍ من الخارج تضرب بقوة على جدران زنزانته فتمتلئ روحه بالصيحات والأمل ويرقص وهو يصلصل بأغلاله متوهما أنها اجنحة ثم يسقط جريحا محفوفا بالمخاوف الكبرى..
فماذا سنفعل إزاء محنة العقل والقلب معا ؟؟
– نفهم اللحظة المؤاتية ، لحظة النضج ونمضي قدما ندع العقل والقلب وراءنا.
تترك العقلانية والنظام وصيحات القلب المتشهي المفتون وتمضي قدما ؟؟
– أجل ، لأنني أصنع الإغراء الأخير : الأمل وهو الواجب الثالث لعبور الهاوية، العقل والقلب يقيدانني إلى الحدود ، أحرر نفسي من الرضا بمايقوم به العقل من وضع الاشياء في نظام واتساق واحرر نفسي من هلع القلب الذي يرجو العثور على جوهر الأشياء .
وماذا بعد هذا التخلي وعصيان الرضا ؟؟
– تعلمين أننا نواصل الصراع لاننا نحب التفوق ، نغني رغم انه لاوجود لمن يسمعنا ،ولا أحد يدفع اجورنا ،نكتب الشعر لأنفسنا ولانعمل للآخرين ، نحن أسياد بساتين العالم ، البستان ملكنا ، نحرثه ونشذب شجره ونجمع غلاله ونعصر أعنابه ونحتسي خلاصة خمرها ، بمعنى عندما ننسى الحدود نستطيع فعل المستحيلات ..العقل والقلب يقيداننا .
ماذا بوسعنا أن نفعل آنئذ ؟؟
– نفعل مانشاء ، نرقص ونغني ونبكي ونعشق وتتولد لدينا الأفكار والأحلام ، نعمل كل شيء ، نحرث ، ونروي الشجر ونقطف الغلال ونعصر الخمر ،كل ذلك شيء واحد طالما نحن أسياد البستان ، أسياد حياتنا..أغني وانا أكدح ثملا بما سيأتي ، بما سأعصر من خلاصات العنب.
وماذا ستقول لنا بعد حفل الكدح والحلم بالنشوة القادمة؟؟
– اتركوا جميع الأشياء في كل لحظة ، ثم ثبتوا أبصاركم بهدوء وشغف على جميع الأشياء وقولوا لن تستعبدنا الأشياء مرة اخرى أبدا ..لاتسألوا إلى أين نحن ماضون ، ليست ثمة بداية ولانهاية لاتوجد إلا اللحظة الحاضرة ، فلنعشها بكثافة وعمق وإنجاز . فلنحياها بالمرارة والألم والبهجة والشغف ، فنتمتع بكل ذلك ..
هل نستسلم؟
– لا ، بل نسلم أنفسنا للحب والألم والصراع و حينها سيغدو العالم اكثر سعة وامتدادا وابعد من حدود العقل وتشهيات القلب الايروسية..
وماذا نفعل بالجسد؟
– انظري إلى كل الاجساد ، انها ستتعفن وتفنى ،وليس ثمة من خلاص، كوني قلقة وعيشي وافرحي واحزني واتركي خطيئة الرضا ولاتقتنعي واخرقي العادة دوما.
 يتبع
_____
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *