ما قبل عاصفة كتارا !!


محمد العباس

   القمة مدبّبة ولا تتسع إلا لمتسابق واحد. وهذه هي معضلة الجوائز الأدبية وامتيازها في آن. إذ لا يمكن إلا لأديب واحد التربُّع على عرش الجائزة في أي دورة من دوراتها. فيما يتساقط باقي المتسابقين على السفوح والمنحدرات. وهو المآل الذي يصعّب الأمر على لجنة التحكيم والقائمين على الجائزة، لأن الفائز لا يمثل نفسه فقط، بل القيمة الإبداعية والوجاهية للمسابقة، كما يعبر استحقاقه عن منظورها الاستثنائي للثقافة الفاعلة، حيث يتحول في ما بعد إلى رسول ناطق باسمها.
وبالتالي يمكن أن يكون هذا الفائز جديراً باللقب، بسبب كفاءة منتجه الإبداعي، أو يشكل خيبة مستقبلية لاستراتيجية المسابقة وسمعتها، ولآمال القراء الذين يشعرون بأنهم تعرضوا لخدعة أدبية بعد الاطلاع على المنجز الأدبي للمتوّج بالمركز الأول. كما يتردد صدى تلك النتيجة لاحقاً في وسائل الإعلام، من خلال الآراء المؤيدة أو المعترضة من النقاد والقراء، وهو لغط يتناثر في أرجاء المشهد الثقافي إثر الإعلان عن نتيجة أي مسابقة.
ويبدو أن القائمين على مسابقة (كتارا) للرواية العربية درسوا تجربة الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) جيداً، واستوعبوا تداعيات الجدل الذي يعقب إعلان النتيجة. ويريدون أن تكون (الكتارات) أكثر إقناعاً ونجومية من (البوكرات). كما يتبين من توسيع منصة الفائزين لتشمل عشرة من المتسابقين. خمس منها للروايات المنشورة، والخمس الباقية للروايات غير المنشورة، بدون المرور بقائمة طويلة وقصيرة، وهو تدبير يتوافق مع أهداف الجائزة من الوجهة الإبداعية، إذ يسهم هذا الإجراء في نشر الثقافة العربية من خلال الإبداع الروائي، وتشجيع الناشرين على تبني المواهب، خصوصاً أن ذلك الأداء سيأتي مصحوباً بورش تدريبية ومحاضرات تثقيفية تفتقر إليها الثقافة العربية.
وإذ سيحظى كل فائز بمبلغ مالي وترجمات متعدّدة لروايته، لن يكون للفائز الأول من امتياز على البقية إلا تحويل روايته إلى عمل درامي. وإن كان هذا لا يعني خوف القائمين على الجائزة من ردة الفعل الثقافية، أو امتصاص غضب القراء واسترضائهم، بقدر ما يعني أن الذهنية التي تحرك تفاصيل المسابقة تعي بأن الفارق بين كفاءة الروائيين لا يكاد يُذكر. وهي نتيجة سترضي الفائزين، وستحولهم إلى أعضاء متحمسين لخدمة الأهداف التسويقية للجائزة. ففكرة الأول مكرّر ستكون مرضية ومريحة للفائزين ودور نشرهم، وربما للقراء الذين سيتطامنون مع النتيجة.
ولا شك أن توسيع هامش المشاركة بحيث تشمل الروايات المنشورة وغير المنشورة (المخطوطة) يخدم الرواية العربية بالقدر الذي يساهم في الترويج للجائزة. وهو الأمر الذي يفسر وصول عدد الروايات المشاركة إلى ما يقارب الألف، بما في ذلك روايات من بلدان غير عربية. وهذا السبب لا يقل أهمية عن المبلغ المرصود للجائزة، التي تعتبر الأكبر على مستوى العالم العربي، لدرجة أن بعض الروائيين فضلوا عدم المشاركة في مسابقة البوكر ليتمكنوا من المنافسة في كتارا.
هذا يعني أن من صمّم النظام الداخلي للجائزة يعمل بآلية استقطابية تنهض على عدة محاور ثقافية وتسويقية. لا تكتفي باجتذاب المتسابقين وتذليل شروط اشتراكهم، بل تتجاوز هذه الواجهة إلى لجان التحكيم، التي تتكون من ثلاث لجان لفرز الأعمال الأدبية، تضم فنانين ونقاداً وأدباء، فيما يشبه الفلاتر أو المُرّشحات، بالإضافة إلى لجنة فنية لانتقاء الرواية الممكن تحويلها لعملٍ درامي. وحتى هذه اللحظة لا تبدو الجائزة مهجوسة بالضجيج الإعلامي، على الرغم من توالي المقالات المتسائلة والمتشككة والمتهجّمة. ربما لأن اللجان التحكيمية تعمل بسرية تامة، والجائزة ذاتها مكتفية بما يشاع عنها، وما يصرح به مشرفها العام خالد السيد بين آونة وأخرى لوسائل الإعلام، عن عدد المشاركات وموعد إعلان النتيجة. فكل شيء مؤجل للاحتفالية الكبيرة، وهي على ثقة كما يبدو بأنها ستكون إضافة مهمة في المشهد الثقافي العربي.
ومهما قيل عن مقاصدها ونواياها ستكون الوجهة المفضلة للروائيين العرب، بعد أن تخفف الروائيون من هواجس ارتباك الدورة الأولى والميل إلى تقديم رواياتهم في مسابقة ذات خبرة وسمعة، حيث بلغ عدد الروايات المصرية المشاركة ما يعادل ربع المشاركات.. على الرغم من هجوم طرف من الإعلام المصري بشكل دائم – مثلاً – على الجائزة ومقاصدها، نتيجة الإشكال السياسي القائم ما بين قطر ومصر، حيث وُصفت بالجائزة سيئة السمعة. كما وُصم المشاركون فيها بالخونة، الذين سقطوا في بئر الأموال القطرية وهكذا.
ومن يتابع نشاطات وفعاليات المؤسسة العامة للحي الثقافي في الدوحة، يعرف تماماً أن كتارا – كالعادة – أعدت احتفالية صاخبة تتناسب مع فكرة المسابقة كمؤسسة ثقافية وليس كجائزة، حيث تم تشييد مركز ومعرض وأرشيف دائم لتاريخ الرواية العربية وصور ومؤلفات رموزها، كما يحتوي على مكتبة، ومركز تدريب، وربما لهذا السبب أميل إلى أن تأجيل إعلان نتيجة المسابقة التي كان من المفترض أن تُعلن في مارس/آذار، إلى مايو/أيار المقبل، إنما تم لتُعلن النتيجة بعد ظهور نتائج البوكر، ولإتاحة الفرصة لأسماء كبيرة للمشاركة برواياتهم الجديدة، وليس بسبب الضغط على لجان الجائزة لكثرة الأعمال المقدمة كما قيل.
إن جائزة كتارا تريد أن تظل في واجهة المشهد الثقافي العربي لأطول فترة ممكنة، ولا تريد لفائزيها أن يطويهم النسيان بعد إعلان نتيجة البوكر، التي اكتسبت بدورها خبرة لتوطين فرسانها في الوجدان العربي ومنابره الثقافية، واستطاعت أن تبني شبكة علاقات مع الإعلاميين والنقاد ودور النشر.. وهو أمر لا يمكن لكتارا أن تتغافل عنه، حيث يتوقع القائمون عليها هجوماً بلا هوادة من النقاد والإعلاميين والروائيين، الذين لم ينالوا نصيبهم من الكعكة الكاتارية، إذ لا جائزة بدون توابع زلزالها من التشكيك والشتائم وتفتيش النوايا. أما ما تعد به هذه الجائزة الصاخبة في صمتها، فيتم نسجه الآن بهدوء يسبق لحظة هبوب عاصفتها.

* كاتب من السعودية
( القدس العربي)

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *