*أمير تاج السر
منذ فترة قليلة، رحلت الكاتبة الجزائرية الكبيرة آسيا جبّار، والتي تكتب بالفرنسية، وصنعت مجداً كبيراً في الغرب، لدرجة أن أصبحت عضواً في الأكاديمية الفرنسية للفنون، وتُرشَّح باستمرار لجائزة نوبل، أرقى الجوائز على الإطلاق.
آسيا كانت مُخلصة لمشروعها الكتابي بلا شكّ، وكونه جاء بلغة أخرى غير العربية، لا يقلّل من كونه مشروعاً رائداً، ولا يمنع أن تكون من روَّاد الرواية المغاربية الفرنكفونية، ومن الذين من المفترض أن نُقِرّ بهم وبما حققوه بعد اندماجهم في بيئة أخرى غير بيئتهم الأصلية، ولا أعتقد أن ثمة ما يمنع الكتابة بالعربية لديها، وقد كتبت عن الجزائر، لكن، كان خيارها الفرنسية، وكل من يكتب حُرّ في خياره، وتبقى البصمة والقضايا التي يطرحها، هي الأهمّ لتقييمه والاحتفاء به من عدمه. والملاحظ أنه بعد أن رحلت آسيا، وبدأنا بالكتابة عنها، ظهر كثيرون من مثقفّينا وأعلنوا صراحة أنهم يسمعون بها من قبل، وكنت صريحاً حين أكّدت أنني أعرفها جيداً منذ سنوات طويلة، لكن لم يصادفني كتاب مترجم لها حتى أَطّلع على شيء من التجربة، وفوجئت أن لها أعمالاً مُترجَمة بالفعل إلى العربية، لكنها نُشِرَتْ في الجزائر، وطنها، ولم يكن ثمة سبيل لمصادفتها في المشرق العربي، حيث نبعنا ونقيم.
السؤال هو: لماذا مَنْ يكتبون بلغات أخرى، ويصبحون نجوماً في الغرب، لا نهتم بهم هنا ولا يعرفهم إلا القليلون؟، لماذا لا يصل صيت النجومية إلى واحدة مثل آسيا جبّار، وواحد مثل الليبي هشام مطر، يكتب بالإنجليزية، وكانت روايته الرائعة« في بلاد الرجال» في إحدى قوائم المان بوكر العالمية ذات يوم، وأيضاً لماذا لا يظهر اسم السوداني جمال محجوب إلا نادراً في الثقافة العربية؟ وليلى أبو العلا الكاتبة بالإنجليزية، لماذا لم نتعرَّف إلى تجربتها إلا مؤخراً؟
إن تحدثنا عن الترجمة، التي نعرف تقصيرها في ترجمة آدابنا المكتوبة باللغة العربية، إلى لغات أخرى، فهذا شيء تعوَّدنا عليه ولا سبيل لتلافيه في الوقت الحالي، نسبة لعوامل كثيرة أهمّها ضعف الإقبال على الآداب العربية خارجياً، وخيبات الأمل التي أصابت القارئ الغربي من جرّاء ترجمات تمّت بعلاقات خاصة، وتمّ ضخّها في الغرب بوصفها هي الأدب العربي. أقول تعوَّدنا على ذلك التقصير، ولكن نعرف -بالمقابل- أن ما يُكتَب بلغات أخرى، خاصة الإنجليزية والفرنسية، يجد ترحيباً حارّاً من قِبَل المترجم، والناشر العربي، وأيضاً القارئ في بلاد العرب الذي يعدّه مقياساً للجودة. وهناك من يصرِّح بأنه لا يقرأ آداباً عربية على الإطلاق، وأن قراءاته مقصورة على الأدب المترجم.
المفروض- إذاً- أن يهتمّ ناقلو الآداب من اللغات الأخرى بآداب كتّابنا المهاجرين، فهي في حكم (الأجنبي) لغةً، وستكون في حكم (العربي) من ناحية الأجواء وطريقة الكتابة، وأعتقد أن واحدة كبيرة مثل آسيا جبّار لو حصلت على فرصة مثل التي حصل عليها أمين معلوف، بتبنّي دار الفارابي اللبنانية ترجمته، وترسيخه عربياً، لما فوجئ أحد باسمها حين أُعلِن عن وفاتها.
______
*الدوحة