وأزهرت شجرة اللوز/ مناجيات كازانتاكيس (1)


*لطفية الدليمي

1

وانت تعبر الجبال المكسوة بالصنوبر والصخوروتحج إلى معابد آلهة الاغريق وتنصت لهدير الموج وضجة الزمن وتفتح نوافذك على الربيع المبكر لأرض كريت ، ترى الفصول كلها ، النحل وعناقيد العنب وأزاهير الزنبق وتنتشي بالطبيعة وتحضر لك ايليني ،معشوقة عمرك ، قدح الحليب ورغيف الخبز الريفي ، فتمتلئ بالنشوات العظيمة وتخرج الى الحديقة دامع العينين . ذلك الصباح قلتَ لشجرة اللوز :حدثيني عن الله .. فأزهرت شجرة اللوز ، تفصح عما في أعماقك وتكتب عبارة مفتاحية : روحي صرخة وأعمالي كلها تعقيب على الصرخة.
نيكوس كازانتاكيس الاغريقي الكريتي ، أنت أحد المعلمين الكبار الذين مجدوا الطبيعة والأرض والجذور والكلمة والعقل ، احبوا الجوهر المتصارع في أعماق البشر ، وطرحوا السؤال تلو الآخر دونما كلل ، وكابدوا الحج الى متاهات الحياة مرارا مترنحين بين نعمة الهدوء وفورة الثورة ،وانت من انجز ترجمة معاصرة لاوديسة هوميروس بالانكليزية وأطلقت النموذج الزوربوي ذا النزعة الأبيقورية المعنية باللذة اللحظية ، ثم انت المشغول بتخليق الحياة كل لحظة لترد على الصرخة الممتدة التي تقول: ان هدف الحياة الموت ونحن نكتب ونعزف ونرقص ونؤلف الملاحم ونولد كل لحظة ، ذلك أن هدف الحياة هو الخلود.
– تقول في كتابك “الحديقة الصخرية” إن في داخل الكائن الحي ذلك الاصطدام المستمر بجدولين متضادين يمثلان الفناء والحياة، كيف ترى هذا الصراع المؤبد ؟؟
– في داخل كل منا تتصارع قوتان أو جدولان، الأول هو شهوة الارتقاء نحو التكوين والتشكل والتطور الروحي والاتجاه نحو الحياة والخلود ، اما الثاني فهو الانحدارنحو التفكك نحو المادة، نحو الموت ، وينبع كلا الجدولين من أعماق جوهرنا البدائي..
– يؤخذ عليك أحيانا انك ترينا الظلام والقسوة والدم لكي نعتنق النور او نفهم جوهر الضياء، فتقول اننا نجيء من هاوية مظلمة وننتهي إلى هاوية مظلمة ونسمي الفاصل المضيء حياة ، هل أنت مع نظرية العود الأبدي النيتشوية؟؟
– قد لايعنيني طرح نيتشة لكنني أعلم اننا حالما نولد تبدأ رحلة العودة والانطلاق نحو الرجوع فنحن نموت كل لحظة ويصاب الكثيرون بالهلع ويصرخون بالسؤال المؤبد لماذا نولد لنموت ؟؟ هل هدف الحياة الموت.؟
– لكن الحياة ذاتها تبقى مصدر دهشتنا فهي تبدو مقاومة لكل قانون ومضادة للطبيعة وأنها بلا بداية كالموت ،ماذا نفعل لنخلق الانسجام بين هاتين القوتين المتصارعتين في أعماقنا ..؟؟
– ان نهيئ انفسنا ،أن نقوم بمهمة التحضير لعبور الهاوية وعلينا ثلاث واجبات لابد من ادراكها والقيام بها ..
– ماهي تلك الواجبات التحضيرية ؟؟
– في كتابي ” الحديقة الصخرية ” ، وهو نص عن عقيدة الزن والحدائق الرمزية اليابانية المشكلة من دوامات الرمل والصخور الموزعة في تناغم وانسجام مع بعضها ومع الطبيعة المحيطة بها ،اكتشفت عندما تأملت حديقة الزن الصخرية ان واجبنا الأول الإقرار بأن كل ماحولنا هو من ابتداع أذهاننا ..
– تعني أن كل ماحولنا هو محض وهم ؟؟
– هذا هو الواجب الأول : ان نتأمل العالم بهدوء ونقول ان كل مانراه ونسمعه ونتذوقه ونشمه ونلمسه هو من ابتداع اذهاننا فالشمس تشرق في راسي والنجومتشع في دماغي مع الافكار وتملؤني الأغاني والنحيب ، بوسع دماغي محو كل شيء وتخليقه.
– وماهوالواجب الثاني ؟؟
– علينا أولا أن نتفهم تفاصيل الواجب الأول وكيف نؤدي مهمتنا ،علينا أن نميز هذه الحقائق الانسانية.
 يتبع
________
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *