*عبدالعالي نجاح
( ثقافات )
نظم ” مختبر التاريخ والعلم والمجتمع ” ( مجموعة البحث: ابستمولوجيا وسوسيولوجيا) محاضرة تحت عنوان: ” الدوريات العربية في حقول العلوم الاجتماعية: تحليل وتقييم “، ألقاها الدكتور المختار الهراس أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، وذلك يوم الاثنين 9 مارس الجاري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة. وقد عرفت هذه المحاضرة العلمية حضور الدكتور حسن قرنفل عميد الكلية، بالإضافة إلى أساتذة وطلبة جامعة شعيب الدكالي بالجديدة.
ويرى الدكتور المختار الهراس بداية أن موضوع تحليل وتقييم الدوريات العربية في حقول العلوم الاجتماعية يعد موضوعا محددا ومحدودا، حيث يتناول بالدراسة والتحليل واقع الدوريات في مجال علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد وعلم النفس ودراسات التنمية… حول العالم الإسلامي خلال السنوات الخمس الأخيرة. وقد تم الاعتماد على عينة تمثيلية من الدوريات العربية ك”هسبريس تمودا” المغربية و”إنسانيات” الجزائرية و”المجلة الاجتماعية القومية” المصرية و”مجلة العلوم الاجتماعية” الكويتية و”مجلة عمران” القطرية، و”إضافات” و”المستقبل العربي” اللبنانيتين وأخير مجلة تونسية. وتنتمي هذه الدوريات إلى دول عربية ومؤسسات علمية مختلفة، حيث توزعت المقالات على ما هو جامعي وكذا دراسات لجمعيات ولمراكز البحث العلمي في الوطن العربي. كما تتمثل أهمية هذه الدراسة، يضيف المختار الهراس، في أن النشر في الدوريات يعد مسألة هامة، حيث ينال الباحث الاعتراف داخل المجموعة العلمية. كما أن النشر في الدوريات هو المدخل الأساسي للحصول على الشرعية العلمية اتجاه المجموعة العلمية، بالإضافة إلى تقديم حصيلة للبحوث العلمية التي تقوم بها الجامعات وكذا نتائج هذه البحوث تكون صالحة للتنمية المحلية.
وقد اعتمدت شبكة القراءة قصد تحليل النصوص على عدة معايير علمية متمثلة في جنسية المؤلفين، وفي التخصصات العلمية التي تندرج ضمنها هذه المقالات، وفي طبيعة النصوص المنشورة، وفي تحديد المواضيع والقضايا التي تناولتها المقالات المنشورة في الدوريات المشار إليها، وفي المجتمع العربي المعني بالدراسة، وفي التقنيات المنهجية التي اعتمدت في مختلف المقالات المنشورة، وفي الطبيعة اللغوية للمقالات، وفي اعتماد هذه المقالات على مراجع، وفي توزيع المقالات على المجالات المعرفية في مجال العلوم الاجتماعية؛ وأخيرا، في عدد المقالات المنجزة من طرف أكثر من باحث. كما اعتمدت شبكة القراءة على تصنيف المقالات من حيث طبيعتها الميدانية أو النظرية وكذا تحليل الوثائق التاريخية والرواية الشفوية… بالإضافة إلى المقالات التأملية التي تعد نتاج لخواطر شخصية للمؤلف.
ومن أصل 898 مقال ونص، احتل الباحثون المصريون المرتبة الأولى ب166 مقال، ويأتي الباحثون التونسيون والجزائريون والمغاربة في المراتب التالية، بالإضافة إلى الجنسية الفرنسية والأمريكية. كما تم تسجيل ميل الكتاب إلى نشر نصوصهم في الدوريات التي تنتمي إلى بلدانهم، حيث يكتب المصريون في “المجلة الاجتماعية القومية”، ويكتب المغاربة وكذا الأسبان والفرنسيين والأمريكيين في مجلة “هسبريس تمودا”، والتي لم يكتب فيها سوى باحث عربي واحد. وتنتمي أهم مجموعة من المؤلفين إلى المغرب العربي بنسبة 45%، وتصبح هذه النسبة 60% في حالة شمال إفريقيا والسودان، وتليها مجموعة الشام والعراق، ثم مجموعة الخليج، وتحتل مجموعة المؤلفين الغربيين والأمريكيين والفرنسيين نسبة 8”.
أما في ما يخص البلدان العربية موضعا للدراسة، فقد سجلت شبكة القراءة أن المقالات الغير النظرية التي شملتها الدراسة قد تضمنت 103 مقالا يتعلق بالعالم العربي، في حين أن 2 مقالات فقط يتعلقان بالعالم الإسلامي؛ حيث أن الدوريات يطغى عليها الطابع العربي. كما حظي المجتمع المغربي بأكبر عدد من المقالات، وتلته مصر وتونس والجزائر، وأن الباحثين المغاربة والجزائريين أكثر كتابة عن بلدانهم من دول أخرى. أما الباحثون القطريون، فقد كتبوا مقالا واحدا من أصل 22 مقال عن بلدهم.
أما في ما يخص مجموع الدوريات موضوع الدراسة، فيلاحظ أن “المستقبل العربي” و”إضافات” اللواتي يصدرن في لبنان، يتحدثان عن بلدان أخرى، وليس عن لبنان. وأن الباحثين المغاربة أقل انفتاحا على العالم العربي، حيث يتحدثون في مقالاتهم عن القضايا المغربية، ولا يهتمون بالقضايا العربية. كما أن غياب المجلات في مجال العلوم الاجتماعية في المغرب يدفع الباحثين إلى الحديث عن بلدهم في دوريات عربية أخرى. ويزخر المجتمع المغربي بإرث سوسيولوجي وأنثروبولوجي وتاريخي ضخم وهام منذ الدراسات الكولونيالية، مما يدعو بالضرورة الباحثين المغاربة إلى إعادة دراسته وتأويله، وبالتالي الاهتمام أكثر بالمجتمع المغربي.
كما أن هامش الحرية الذي يوجد في المجتمع المغربي يساعد الباحثين المغاربة على إنجاز البحوث الميدانية حول مواضيع حساسة، وأن الباحثين المغاربيين يعدون أكثر اهتماما ببلدانهم من بلدان عربية أخرى.
أما في ما يخص معيار التخصصات العلمية، فالملاحظ أن علم الاجتماع يعد أكثر العلوم الاجتماعية حضورا في المقالات، ويليه علم السياسة وعلم التاريخ؛ في حين، هناك اهتمام قليل بالدراسات الجندرية، وأن الدراسات الثقافية قد حظيت بمساحة محدودة، وذلك راجع إلى حداثة هذا المبحث المعرفي. كما تعد الدراسات التنموية قليلة جدا، لأن قضايا التنمية قد توزعت على علوم اجتماعية مختلفة. كما أن الدراسات الأنثروبولوجية تعد محدودة جدا، وأن 11 مقالا من أصل 124 مقال بدورية “إضافات” اهتمت بالجانب الأنثروبولوجي كأعلى رقم سجل بالدوريات موضوع الدراسة، وذلك راجع إلى نظرة العرب إلى الأنثروبولوجيا كعلم استعماري.
وقد سجلت شبكة القراءة في ما يخص اختصاص الدوريات بإحدى المجالات العلمية، أن “المستقبل العربي” تهتم بالسياسة، وأن “هيسبريس تمودا” تهتم بالتاريخ، وأن “إضافات” تنشر مقالات في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا للباحثين المغاربة.
وفي ما يخص المواضيع المطروحة، فيلاحظ أن الربيع العربي يعد النواة المركزية، وتليه القضايا المتعلقة بالمرأة والسياسة والمدينة والشباب والديمقراطية؛ في مقابل ذلك، هناك اهتمام ضعيف بالطفولة والمراهقة. كما سجلت شبكة القراءة قلة المواضيع المتعلقة بالنخبة والصحة والتربية والتعليم والمجتمع المدني والأسرة والعولمة والعدالة. كما يلاحظ تفاوت ملحوظ في المقالات التي تهتم بالمدينة والبادية، حيث تحظى المدينة باهتمام كبير، بينما هناك غياب للدراسات القروية والقبلية. وفي موضوع القضايا الجديدة، يلاحظ وجود مواضيع جديدة كالهجرة الدولية والتكنولوجيا الحديثة والشبكات الاجتماعية. كما أن موضوع الجنس لم يحظى سوى بمقالين اثنين.
أما في ما يخص معيار أصناف المقالات، يلاحظ أن الأبحاث النظرية قد شكلت 2/3 المقالات موضوع الدراسة، في مقابل 23% من مجموع هذه المقالات تعد ذات طابع نظري ميداني وميداني، أي أن 1/4 هذه المقالات تعد مقالات ميدانية. ويشكل ذلك خللا كبيرا في مجال العلوم الاجتماعية، حيث أن الميدان يصير هامشيا مما يفوت إمكانية التجديد في المجال المعرفي. وتنشر “المستقبل العربي” المقالات النظرية، كما تضمنت الدوريات 61 مقالا تأمليا بدون مراجع ولا دراسات.
وتناول 21 مقالا ملخصات حول الدراسات والبحوث والمؤتمرات في مجال العلوم الاجتماعية، و13 حوارا وكذا 10 مناظرات من أصل 800 مقال في مجلة “إضافات”، حيث تبرز هذه الإحصاءات قلة الاهتمام لدى الباحثين بمجال البحوث والدراسات والمؤتمرات والحوارات والمناظرات.
وقد جاءت جل المقالات المنشورة في هذه الدوريات باللغة العربية، باستثناء “هيسبريس تمودا” التي جاءت ب4 لغات. كما سجلت شبكة القراءة في المجال اللغوي قلة المقالات المترجمة، وغلبة المقالات التأملية ب8% من المقالات بدون مراجع. كما أن نصف المقالات موضوع الدراسة قد استعملت مراجع باللغة العربية واللغة الأجنبية في آن واحد، حيث يعد ذلك مسألة إيجابية، وأن هناك اجتهادات من ناحية المراجع المعتمدة.
وفي ما يخص المناهج المعتمدة في هذه المقالات، يلاحظ أن التقنية الأكثر اعتمادا من طرف الباحثين تتمثل في تحليل معطيات إحصائية منجزة من طرف الآخرين، حيث يتم البحث عن هذه الإحصاءات قصد تحليلها لدعم فرضيات البحث. كما تم الاعتماد على الاستبيان أو الاستمارة كأول تقنية مستعملة في 59 مقالا فقط، وأن 32% من المؤلفين قد أوضحوا منهجية أبحاثهم (العينة، الفرضية، منطقة البحث…)؛ ويعد ذلك ثغرة منهجية كبرى في مجال الإنتاج العلمي العربي.
وتأتي تقنية المقياس للاختبار في علم النفس كتقنية مستعملة بشكل قليل، وتحليل المضمون ب7%، والمقابلة ب5،50 ، وتأتي التقنيات المنهجية الأخرى (المقابلة الجماعية…) في المراتب الأخيرة، وكذا تقنيات دراسة الحالة ب4%. كما أن 80 مقالا من أصل 800 مقال أي بنسبة 10% استعملت أكثر من تقنية منهجية واحدة خلال الدراسة المنشورة، حيث أن استعمال أكثر من تقنية منهجية في المجال العلمي يسمح للباحث بالدراسة الموضوعية للظاهرة المدروسة.
أما الأسماء التي ترددت في الدوريات في أكثر من مقال، فقد سجلت شبكة القراءة الباحثين المغاربة مصطفى محسن ومحمد الدهان وعبدالإله بلقزيز ونورالدين أفاية ونجيب العوفي. أما الشخصيات الفكرية التي كتبت حولها المقالات، فهناك محمد عابد الجابري وبيير بورديو ودوركهايم وجاك بيرك ودافيد هارت وبول ريكور، ثم محمد أركون وعبداللطيف زغلول؛ كما يلاحظ حضور الباحثين الفرنسيين، وغياب وتهميش السوسيولوجيا الأنغلوسكسونية.
كما سجلت شبكة القراءة أنه تم إنجاز 48 مقالا من أصل 800 مقال من طرف أكثر من باحث واحد، مما يعني ضعف العمل المشترك في مجال العلوم الاجتماعية؛ وأن معظم هذه المقالات جاءت نتيجة أبحاث أكاديمية وليس بحوث مؤدى عنها، مما يوضح ضعف البعد الأمبريقي في هذه الدراسات.
ويخلص الدكتور المختار الهراس إلى أن موضوع تحليل وتقييم الدوريات العربية في حقول العلوم الاجتماعية يتوخى تحسيس الطلبة بأهمية الدوريات وكذا الوقوف على واقع البحث العلمي في الوطن العربي، والذي “تعتريه مجموعة من الثغرات والقصور العلمي، وذلك قصد الوعي بها، والعمل على تجاوزها بجامعاتنا المغربية”.